سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الاثنين، 11 يونيو 2012

القصة القصيرة:الاّن فقط.. صفاء بقلم/ محمد عبد المنعم


الفائز بالمركز الثانى مكرر فى المسابقة الإبداعية الأليكترونية لصفحة حكايات لمن يكرهون النوم


الآن فقط أشعر أنني نجحت بالفعل في عزل نفسي عن المجتمع.. عن العالم، عن كل شيْ، أستطعت أن أرقي بنفسي إلي مكانٍ نائيٍ معزول.. لا شيء من مجتمعكم يستطيع أن يحطم الأسوار العالية التي بنيتها بيني و بينكم.. لن تقدر علي الظفر بي ايها العالم الفاسد!. الآن فقط أشعر بآدميتي. الآن فقط أدرك كل هذا الجمال المحاط بي، كان قد تحول الي أشياء لا معني لها، لكنه - و مع نظرة أقرب، نظرة في عين الحقيقة- استطعت أن أدركه.. جمالٌ باهر تعجز حواسكم عن الشعور به.
لقد قسي عليكم عصرنا الحديث هذا حتي اصبحتم آلات! ماكينات الزمن الحديث.. تنفذون ما يفرضه الآخرون، و الآخرون يجتمعون و يبحثون و يتناقشون.. ثم يفرضون القوانين و اللوائح و الأوامر و المواعيد التي يختارها آخرون، و تظلوا أنتم و هؤلاء و أولئك تعملون جاهدين من أجل بقاء ما ابتدعتوه بانفسكم. فالأمر أشبه لي بقبائل الجاهلية الوثنيين؛ و كأنك ماثل أمام تمثال صنعته يدك ثم تظل تقنع نفسك أنه ربك حتي تُسَلِم، فتُصدق، فتعبده.. فوالله لو نطقت تلك الأوثان للعنت غبائك، ولو نطقت تلك اللوائح و القوانين للعنك غبائكم!.
الآن فقط و قد قطعت أميالا و أميال في ظلمات الفكر و بحور الخيال.. وصلت إلي ذلك المكان النائي، فالحياة هنا هادئة عذبة فيها نهار صافي و ليل ساكن. بعيدة عن ضوضاء الآلة و تكدس الطرقات.. الحياة هنا هانئة بسيطة ليست قاسية معقدة مؤرقة. الآن فقد استطيع أن آكل طعامي فأتذوقه. كنت قد وصلت الي مرحلة لم أعد قادرا فيها علي تذوق الطعام، فكله واحد، كله سواء.. فأنا لا أملك الوقت الكافي لتذوقه، فهناك مسؤوليات.. قوانين.. لوائح.. مواعيد..
الآن فقط أستطيع ان أنظر إلي البحر ساعة الغروب، إلي البساتين الخضراء تحت أشعة الشمس الذهبية، إلي رمال الصحراء الناعمة التي تداعبها الرياح فتنساب كما ينساب العسل الأصفر، إلي الأنهار، إلي الجبال، إلي السراب، إلي الطين، إلي الحُطام، إلي البعوض، إلي أيا كان! إلي كل ما تقع عليه عيني.. فأري جمال، أشعر بنشوة متناهية.. و كأنني طفل يري هذة الأشياء لأول مرة في حياتة فيظل يحرك عينه سريعا و هو يراقبها في دهشة و إعجاب.
الآن فقط- و أنا مستلقي علي فراشي، و بجواري أنبوب أكسجين، و يغطي فمي و أنفي قناع تنفس يبقيني علي قيد الحياة- أستطيع أن أتحرر من هذا القناع، من هذه الحياة.. لأول مرة أتقبل حقيقة أني لست خالدا، و أن هنا- و في خلال ساعات يعلمها الله- سوف ينتهي بي المطاف.. أنا لست خائفا من الموت الآن، أنا خائف من شيء أعظم منه؛ خائف من الغزو!. فعلي الرغم من أنني بنيت أسوارا ضخمة بيني و بين المجتمع و أنّي ذهبت بفكري بعيدا فترفعت عن مبادءه و أفكاره و أفعاله.. إلا أنني دائما ما أهفو فأترك فجوة ورائي، فهل يستغلها؟ هل هو بالفعل يتسلل إليّ في هذه اللحظة؟! لا أعلم..
لكن عندما تنتهي لحظة الصفاء التي أعيشها الآن و ينكشف العالم مجددا ليكشر عن أنيابه الحقيرة.. عندها فقد أستطيع أن أرفع يدي الي السماء متدرعا, و أتسائل في لهفة.. متي الخلاص!!؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق