سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الخميس، 10 مايو 2012

القصة القصيرة: ابتسامات بطعم الملح بقلم/ مروان محمد



المشهد لأول مرة

"لم يكن هناك ما يمكن ان يلفت انسان في بحر هائج غير انه هائج وحسب !!"
تذوقت ملح البحر العالق بشفتي مستمتعا بمذاقه, شعوري بالكآبة لم يغيره البحر بل أضاف اليه , ربما لأن ثورة البحر في هذا الشتاء هي المبرر للكآبة أو ربما لأنه ليس هناك مبرر حقيقي لتضاعف شعوري بالكآبة, رياح البحر التي تضرب وجهي وتمر من تحت ذراعيا وتتغلغل في قميصي حتي تنخر في عظامي تضفي علي شعوري بالكآبة شعور آخر بالبرودة.
- احنا لازم كل مرة نتقابل في المكان الزفت ده في الوقت الزفت ده.
استدرت اتطلع اليها ووجهي يسقط عنه اي تعبير اتجاه كلامها اللاذع , تحرك الميكروباص من خلفها بسرعه والباب ينزلق في مجراه ...تويوتا حمراء... ذاب صوت محرك الميكروباص مع صوت البحر الهادر.
- انت بتبص فين ثم انك مش بترد عليا؟
امسكت يدها الباردة فارتعشت ربما من لمسة ايدينا او من البرد ذاته وعبرت بها الطريق متجها لاحد الشوارع الضيقه المفضية الي البحر ,عندما دخلنا في ذلك الطريق الضيق اصبح هواء البحر يمرق بين فراغات اجسادنا بسرعة الصاروخ فيزيد من احساسنا بالبرد.
- انا سقعانة قوي ,البرد جامد.
- فعلا.
اسرعنا الخطي نحو شارع الي اليمين فذهب عنا الكثير من هذا الهواء المتدفق بقوة, لم تبقي فينا غير ارتعاشه بسيطة شيئا فشيئا ذهبت عنا واطلنا النظر لبعضنا حتي رسمت شفانا ابتسامة.
- انت ليك فعلا تصرفات غريبة رغم اني بشوفك اغلب الوقت عاقل وجد.
- مش ممكن يكون كل اللي شوفتيه ده تمثيل
- يبقي بطيختي طلعت قرعة
استغربت بالتاكيد من تشبيهها لي بالبطيخة حتي اني قلت مستنكرا:
- انا بطيخة
- هو البطيخ وحش, طب ياريت , هو انت تطول.
ضحكت وانا اقول :
- هو انت كده علي طول لسانك متبري منك.
ضحكت ولم تعلق , عندما مر بنا ذلك الرجل الصامت جدا المحدق فينا جدا رغما عني ركزت في عينيه التي بدت عميقتين جدا حتي تجاوزناه او جاوزنا فادرت رأسي للخلف أتطلع اليه فوجدته يلقي السيجارة التي في يده اليمني والتي لم ألحظها وهو يمر بنا.
- ايه فيه ايه؟
- مفيش.

المشهد مرة تانية
- حد ينزل في الوقت ده يا هادية.
- أنا يا ماما.
- طب وايه الحكمة يعني؟
- اهو بقي تقولي ايه؟, جنان علي عبط ,حعمل ايه؟, بختي!
عندما اغلقت باب الشقه استقبل جسدي الهواء البارد فارتعشت محدثة نفسي:
- الله يخرب بيتك يا سالم .
عبرت شارع الكورنيش الطويل بسرعة حتي وقفت علي رصيف الكورنيش انتظر اي ميكروباص قادم حتي اقتربت مني تويوتا حمراء فقلب لي الرجل مصابيح سيارته فأشرت له, فتوقف علي بعد ثلاثة امتار ,أسرعت اليه والجالس جوار الباب يفتحه لأرمي نفسي داخل الميكروباص وأنا اسمع صوت الباب وهو ينزلق في مجراه منغلقا من خلفي ليمنع تيارات الهواء الباردة التي تنفذ الي جسدي من ملاحقتي ,اخذت مكاني الي جوار رجل مسن يلف رأسه بشال صوف ولا يظهر من ملامح وجهه ألا انفه المدببة وشاربه الأبيض الكث, شعرت بدفء العربة التي تقطع طريق الكورنيش بسرعة متخطية التاكسيات والعربات الملاكي وكل حين تتوقف الي جانب الرصيف لتنزل احد الراكبين.
- قوليله يقف النفق اللي جي
نظرت اليه لثواني ثم رفعت صوتي أكرر عبارته للسائق الذي هز راسه ولم يرد وعاد ليرفع صوت الكاسيت مرة اخري ,وبعد خمس دقائق توقفت العربة فنزلت ليضربني هواء البحر البارد مرة اخري فينفض عني اي شعور سابق بالدف.
مد العجوز يده لي يطلب مني دون ان يتكلم ان اعاونه علي النزول وعندما نزل توقعت ان اسمع منه كلمة شكر او حتي دعاء المسنين ولكنه تجاهلني وتحرك ببطء لا يعبأ بالعالم من حوله, ركبت لأستعيد شعوري بالدفء مرة اخري.
- كامب شيزار ان شاء الله.
توقف الميكروباص بالقرب منه, تجدد شعوري بالضيق عندما شاهدته لأنه يذكرني بغباوة الميعاد الذي حدده للقاءنا , توقعت ألا يشعر بشئ فهو شارد في ذلك البحر الذي لا تبعث ثائرته علي أي شعور طيب.
- احنا لازم كل مرة نتقابل في المكان الزفت ده في الوقت الزفت ده .
شعرت أنه لم يكن من اللائق ان ابدا لقائنا بعبارة جافة كهذه ولكني سرعان ما تخليت عن شعوري بالندم عندما استقبلني بانفعالات هادئة او هي بالأصح باردة , واكثر ما أثارني أنه لم يكن ينظر الي ولكنه يتابع الميكروباص في حركته فوجدت صوتي يرتفع قائلا:
- انت بتبص فين ثم انك مش بترد عليا ليه
استطاع ان يخلصني من شعوري بالغيظ عندما أمسك بكفي فشعرت ببرودة اضافية أحسبها من نوع اخر , عبرنا الطريق في حالة محببة من الصمت حتي دخلنا في ذلك الشارع الضيق فأصبح مروق هواء البحر بين جانبتنا اكثر قوة وسرعة فهمست غير متعمدة التحدث اليه:
- انا سقعانة قوي , البرد جامد
- فعلا
دخلنا في شارع جانبي فتجنبنا الكثير من هذا الهواء الغبي جدا, لم أعرف لماذا ابتسمت عندما علقت عيناي بعينيه الضاحكتين, ربما لغرابة توقيت اللقاء, ربما لأن جنونه الذي اخاله يظهر في بعض الأحيان هو ما يجعلني ابتسم .
-أنت ليك فعلا تصرفات غريبة رغم اني بشوفك أغلب الوقت عاقل وجد.
-مش ممكن يكون كل اللي شوفتيه ده تمثيل
-يبقي بطيختي طلعت قرعة
شعرت بالأحراج بعد تشبيهي الأخير وقد زادت دهشته من احراجي ولكني قررت المضي مستمتعة برد فعله الأول اتجاه ما أقول حتي أني قلت بعد استنكاره:
-هو البطيخ وحش, طب ياريت, هو انت تطول.
لم اغضب لقوله واعتبرت أصباغه هذه الصفه السلبية علي بمثابه اطراء استحقه وشاركته ضحكه, لا اعلم لماذا لفت نظره الرجل الطويل الذي مر بجانبنا حتي انه ادار راسه له وكأنه يعرفه, حاولت ان افرغ رأسي من كل شئ واستمتع فقط بمسكة يده لكفي وسيرنا المتباطئ في ذلك الشارع الصامت جدا.

18-1-2004
الاسكندرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق