سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الخميس، 10 مايو 2012

القصة القصيرة: جسد بلا رأس بقلم/ مروان محمد





(1)
وقف في الترام الصفراء ينفخ معبرا عن ضيقه, توقف الترام في احدي محطاته, عندما فتح الباب الاوسط لعربتي الترام امسك الجميع بروؤسهم, أندفع عدد ينزل وعدد اخر يصعد ليتزاحموا جميعا عند درجات الباب وقد اشتبك الصاعد والنازل في صراع غير مقصود.
حاول هو ان يتفادهم في حرص متراجعا بضعة خطوات الي الخلف ولكنه في الاخير لم يستطع أن يتفادي"قفة" الفلاحة التي ضربت راسه من الخلف ففصلتها عن مكانها لتتدحرج علي أرضية الترام فوثب جسده في جنون يضرب كفا بكف بينما الرأس تصرخ :جسمي,يا نهار أسود,رجعوا لي جسمي يا اخوانا!!
أغلق الترام بابه الاوسط وعاد ليتحرك وبداخل الترام حالة من العصبية والتحركات العشوائية , وقد شارك معظم الراكبين في عملية البحث عن الرأس !
- لقيتها ,لقيتها خلاص.
ضغط احد الواقفين بجوار الجسد علي ذراع الجسد في انفعال فصفق الجسد بيديه في سعادة ومد يديه في الفراغ.
- معلش حسبتها راسه طلعت حاجه تانية.
يربت الواقف جواره علي ظهر الجسد فيضرب كفا بكف في حنق وربت راكب اخر علي ظهره قائلا:
- هون عليك يا ابني دلوقتي تلاقيها.
- يا حج دماغه ضايعه يعني مش سامعك.
- اهيه , اه صحيح ,بس معلش الكلمة اللي تطيب الخاطر كويسة برضه!
كان الجسد يحرك يديه في عصبية وحسرة ثم يلوح بهما مزمع الصبر , صاح الكمسري:
- وقف يا صالح راس تانية وقعت يا سيدي.
صاح السائق في غضب:
- هو احنا مش هنخلص من الموال الاسود ده.
امتدت يد خفيفة لم يراها احد متسللة الي الجيب الخلفي لبنطال الجسد تسلبه محفظته, في حين أن الراكبين يبحثون وسط الاقدام الملتصقة عن راس الرجل , وثب الجسد ويداه تتحركان تطلبان الاستغاثة ثم أشار بيمناه لجيب بنطاله الخلفي.
- لاحول ولا قوه الا بالله, الراجل ضاعت راسه وكمان محفظته.
صوت اخر:
- يعني ابن الكلب اللي سرقها مش يقدر المصيبة اللي فيها الراجل علي الاقل ,دي راس يا جدعان مش لعب عيال !
خلع الجسد ساعه يده , أشار اليها ثم حرك يديه يرسم في الهواء راسه فتحرك الركاب كلهم هذه المرة في حماس أكبر حيث أن الساعة بدت قيمة للغاية!!
- لقيت راسه
- اي , دي راسي انا !
- أسف خدها !
رفعت أمرأة عجوز بطيخة مقاربة في الحجم لرأس الجسد وقالت بصوت عالي حاد النبرة:
- ما تاخد البطيخة دي ياابني بدل راسك اللي ضايعة وأهي حاجة تستر والسلام!

(2)

- يا ناس جسمي في الترام اللي لسه ماشي ده من هنا
عض الراس شفته السفلي في غيظ والمتجمهرين حوله في الطريق يتهامسون ولا يبالون باستغاثته, مال احدهم يسأله في صوت هاديء و وقور:
- انت متأكد.
صرخ الراس:
- ارجوك ,متحرقش دمي اكتر من كده و أنت شوفت بنفسك جسمي في قلب الترام قبل ما يتقفل بابه و يمشي .
تأمله السائل لحظات ثم انتصب واقفا يهمس الي شخص جواره في انفعال بالغ مهملا الرأس الذي صرخ:
- يا ناس ,أرجوكم رجعوا ليا جسمي , أنت بتكلموا في ايه وسايبني كده.
مر صرصور كبير من امام انفه فعقد حاجبيه في قرف وأطلق زفرة قوية من فمه لتدفع الصرصور بعيدا عنه, أرتفع صوت يقول :
- لازم نبلغ البوليس.
صرخ الرأس:
- هو انا حفضل مكاني هنا لحد ما يجي البوليس ,مستحيل طبعا.
مال رجل من الواقفين ليمسك الرأس ولكن عجوزا ما صاح:
- أوعي تلمس الرأس لحسن تدخل في سين وجيم وكنت بتعمل بالراس ايه , خاف علي نفسك.
ابتعدت يدا الرجل بسرعة في خوف في حين سأل شاب بدا ثملا الرأس:
- أنت معاك بطاقة شخصية؟!
بكي الرأس في احباط ويأس بالغ وبدأ ينتحب حتي تعالي صوت نحيبه ولكن لم يبالي أحد ,منهم من حوقل وبسمل ومنهم من علق علي نحيبه بمصمصة شفتيه , ألتفت العجوز الي الشباب الواقفين يبتسمون ويهمسون الي بعضم البعض يتندرون بموقف الرأس يسألهم:
- حد اتصل بالبوليس عشان ييجي؟
حك شاب منهم ذقنه يغمغم في حذر:
- تفتكر أنه لازم نبلغ الشرطة بنفسينا ؟!
انكمش العجوز حول نفسه وتمتم:
- الله اعلم , علي العموم ,أعملوا اللي أنتوا عايزينه!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق