لما افرجوا عن جاسر (جاسر كان واحد من اصحاب مدثر) وهما متأكدين جدا أن مفيش أي سبب يخلية يملي حيز محتاجة جدا!, ودة لانهم معرفوش منة فين مكان مدثر أو اذا كان فية مخططات هجومية جديدة لان جاسر فعلا ميعرفش اي حاجة.
صاحبة التاني مات في المعتقل موتة طبيعية مفهاش اي نوع من الدراما , وجاسر ميعرفش لية فضل عايش, محاولش يفتكر نفسة محور لاي اسطورة جديدة, لانة عمرة ما أعتقد في نفسة انة يستحق دور زي دة, هو شايف نفسة تابع كويس وبس, ودة لان جاسر كان بسيط جدا مع نفسة حتي في تصرفاتة و نتيجة للبساطة دي برضة كان شغلة الشاغل وهمما بيفرجوا عنة انة ياخد معاة شيشة الجنة اللي صادروها وقت ما قبضوا علية في الجبل!
مسمعش عن اي اخبار جديدة لبرطمانات الدم ولا حتي عن سحب وردية جديدة بس الحادثة الوحيدة اللي حصلت طول فترة اعتقالة ان واحد فلسطيني عرف يدخل فندق تل ابيب وكان مخبي في الجاكيت "قلة" صغيرة كان فيها شوية من مطر السحب الوردي ورماة علي الناس اللي في حمام السباحة فغلت المية وشوت الكل قبل ما يلحقوا يطلعوا ويهودي سلح وتة في ساعتها برشاشة
بس الخبر مهموش قوي لانة كان مشغول باحساسة الجديد انة لسة شايف ان الشوارع اللي عارفها كويس بقت اكبر من انة يستوعبها ,لما خيروة بين المكان اللي يحاصروة فية ,اختار المكان اللي قبضوا علية فية.
علي عتبة فتحة الكهف حط ترابيزة وعلي بعد عشرة امتار وقف اتنين من العساكر ,جاسر مكنش بيعمل غير انة بس يدخن شيشة الجنة ويشرب القهوة ويسمع في الراديو مباريات الاهلي لانة اهلاوي متعصب!
كان غصبا عنة مش بيهيج في المباريات اللي بتجمع الاهلي مع الزمالك لان واحد من الاتنين كان زملكاوي متعصب برضة ووقت كل مباراة بين الفريقين كان يقعد العسكري قصاد جاسر وسلاحة في وشة!!
لما واحد من الاتنين طلب من جاسر انة ياخد نفس من الشيشة معترضش وناولة الشيشة فسحب العسكري نفس طويل وافلاتة المفاجئ للشيشة ساعدت جاسر لاول مرة علي انة يجتاز فترة صمتة الطويلة بالضحك الهستيري .
العسكري التاني متصورش ان فية مجال في الدنيا لاي تجاوزات فانتازية لان منظر زميلة وهو بيموت كان مثير فعلا وضربة لجاسر وبرضة محاولتة لتكسير الشيشة اللي منجحش يكسرها هي مجرد رد فعل لعدم تصديقة ان عقلة قدر لاول مرة يستقبل حقيقة ان فية اساطير فلسطينية , السلطة الاسرائيلية سحبت العسكري الاخير لانة ابتدي يناقش جاسر كتير في فلسفة الوجودية والمادية الجدلية وان حتي التوراة بكل ما فيها من اساطير مكنتش بتمثل لية اكتر من حكايات ليلية ممتعة وان اتجاهاتة العلمانية بقت سلاطة في مخة ,جاسر لثقافتة الضئيلة مقدرش يفهم كلام الجندي ولما كان العسكري الزملكاوي بيسأل جاسر عن رأية , كان جاسر يرد دايما باجابة واحدة وهي ان دين الاسلام احسن!
لما مشي العسكري حس جاسر بالوحدة الشديدة ولاول مرة جالة احساس بأن الزمن ممكن يتخلي عن دورة ويهجر الارض دي بكل أحداثها , مبقاش قادر يميز بين طعم الشيشة من نص ساعة فاتت ومن دلوقتي والنص ساعة اللي جاية, كمان دة غير انة فقد الشعور بالاشتياق للدخان ودة خلاة يقدر نعمة وجود الزمن في الدنيا .
لما شاف في يومة السابع الحفيد الاخير للابن الاخير علي عتبة فتحة الكهف فرح وقع يفتش فية كأنة بيشوفة لاول مرة , وشة بشوش وقميصة بيسرسب ريحة مسك وجزمتة بتلمع زي لمبة منورة.
قعد الحفيد جنبة ودخن معاة شيشة الجنة وجاسر عمل كوبيتين شاي مركز بالنعناع وفض قماشة ملفوف فيها فطيرة جبنة قريش وبقدونس ومع كل قطمة يأكد الحفيد ان أكل الجنة أطعم من أكل الدنيا بكتير, اتكلموا في امور كتيرة ملهاش دعوة بأحوال فلسطين , في نهاية كلامهم سألة جاسر بلهفة شديدة عن الحور العين والجنة.
قالة الحفيد انة ميعرفش بالضبط شكل الجنة اية لان الملايكة اللي بيسكنوها بيواربوا باب الجنة ويدخلوا واحد ورا التاني من غير صوت ويمسكوا مقشات مرمرية ويكنسوا بيها ارض بنور ومعرفش يشوف اكتر مما سمح لة حدين الباب الموارب غير كمان ولدان مخلدون ماسكين كئوس من معين بيمسحوها وحور العين علي الرغم من انة مصادفش واحدة منهم الا انة بيشم ريحته علي طول اللي هي حلوة بس مش لاقي ليها مثيل دنيوي ممكن يقربها لخيال جاسر اللي اصبح محدود جدا بالنسبة للحفيد.
ولما سأل واحد من الملايكة عنهم ابتسم لة وقالة انة ميعرفش حاجة عنهم ولما طلب منة الحفيد انة يخش الجنة اتسعت ابتسامة الملاك وطلع من جيبة تفاحة وقالة:دي من الجنة!
سألة جاسر وهوة بيضحك عن اخبار سلامة فقالة ان هية دلوقتي بتتلقي معرفة تانية خالص من الملايكة حتي ان الجني الصالح قاعد جنبها بسمع بنفس السذاجة اللي كانت سلامة بتسمع بيها الجني الصالح! والملايكة معتبرينها طفلة بتعمل دوشة مسلية مش اكتر اما عن الحفيد الاخير واصحابة بيحاولوا يخططوا ازاي يواصلوا الجهاد من مكانهم دة ودي هية المفاجأة الحقيقية اللي بلم لها جاسر بس كعادتة مما بيعلقش, دلوقتي بس حس ان فلسطين معادتش واسعة علية زي ما كان شايفها ,في الليلة دي بعد ما سابة الحفيد الاخير قعد يدخن الشيشة بشراهة غير اي مرة فاتت وأكل من التفاحة اللي سبها لة الحفيد الاخير ودار في دماغة اخر كلمة قالها الحفيد الاخير عن مدثر وهي انة راجع مرة تانية ولكن بشكل مختلف تماما .
جاسر والخمسة اللي كانو معاة مكنوش مصدقين ان هما ممكن يهاجموا نقطة تفتيش اسرائيلية برشاشاتهم بس,
ومش معني ان الشباب دول صدقوا شوية اساطير انهم يصدقوا برضة انهم ممكن يكونوا اصحاب اسطورة جديدة , جاسر قعد بيهم فوق التل وبص بصة واحدةعلي نقطة التفتيش تحتية وقال ربنا يبقي يرحمنا!
سألة واحد من الخمسة عن اللي حيحصل فكان تعليق جاسر بسيط جدا ان هو يعرف اللي هما ما يعرفهوش وضحك, طبعا كانت بالنسبة ليهم مش اكتر من استفزازوقعدوا يراقبوا الحفيد الاخير وصحابة السماويين وهما بيقربوا من النقطة وبيقفوا يكلموا مع عساكرها ويضحكوا معاهم زي ما يكونوا اصحاب وجاسر بعقلة البسيط حاول يحلل الموقف بس برضة عجز وطلع من شنطتة القماش شيشة الجنة وقعد يدخن,بالتأكيد كان لازم يندهشوا جدا لما يشوفوا ان العساكر بيسيبوا نقطة التفتيش وهما بيسلموا علي الحفيد وصحابة السماويين وبيركبوا عربياتهم وبيبعدوا بمنتهي السهولة.
لما نزلوا من فوق التل محدش سأل أزاي دة حصل ولكن بدون أي أتفاق مسبق وقف اصحاب جاسر في أماكن العساكر السابقة وبدأوا يستقبلوا الناس اللي عايزة تعدي الحاجز بالابتسام وبرضة الناس تبتسم ليهم, الناس كانت بتبارك لهم كما لو أن الامر يخص صحاب جاسر بس واللي كان بيخص الناس من الموضوع دة انهم مبقوش مضطرين يقفوا في الشمس كتير عقبال ما يعدوا ولما يسألهم واحد من الناس أزاي قدروا يعملوا كدة فكان جاسر يجاوب وهو ميت علي روحة من الضحك : جري اية هو فية حاجة بعيدة علي ربنا يا أخوانا.
لما العمليات دي اتكررت كتير وكانت نهايتها الطبيعية مرسومة زي ما كلهم عارفينها وحافظينها وهي أن بالتأكيد برضة القوات الاسرائيلية عرفت تقبض علي جاسر وصحابة وهما قاعدين في شقة صغيرة وكان جاسر بيقولهم عن اخر حاجة عرفها من الحفيد الاخير قبل ما يطلع في السما تاني مع اصحابة السماويين و هي ان العسكري الزملكاوي كل ما يقابل حد من جيرانة او اصحابة او اهلة يقولهم تعرفوا ان فعلا الاسلام احسن ويقوموا ضاحكين عليها قوي.
كان جاسر الاخير من العساكر اللي قبضت علية مع اصحابة انهم يسمحولوا يأخذ شيشة الجنة معاة في المعتقل!
8-7-2002
الاسكندرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق