سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الخميس، 10 مايو 2012

القصة القصيرة: أساطير فلسطينية: برطمانات الدم 1 بقلم / مروان محمد




حفيدها الأخير لأبنها الأخير قبل ما يخرج من البيت باس سته سلامه، كانت بتعمله فطاره و فى نفس الوقت محضرة نفسيها عشان تقوله عن واحدة من تحليلاتها الغريبة دايمن, بس هو إبتسم لها و فهمها أن هو مضطر يخرج دلوقتى و عشان يطمنهأ أكد لها إنه حيبقى يشرب معاها الشاى المركز بالنعناع تحت شجرة الكافور فضحكت و ضربته فى كتفه و قالت أن هو مش محتاج يضحك عليها عشان هية فاهمة كويس هو رايح فين.

سلامة ست مش ذكية لدرجة أن هي ممكن ترتبك بشدة لو اتجمع في أديها فئات مختلفة من الفلوس و

لكذها كانت و لازالت علي علاقة بجني صالح عنده خلفيه واسعة عن نظرية المؤامرة و وجودها في صفحة التاريخ السياسي الطويل جدا و ده لأن مساحته العمرية ممتدة من أزمان بعيدة.

الجني الصالح كان بيرتاح لسلامة و شايف في سذاجتها أرض خصبة لأنه يطلعها علي تحليلاتة المدهشة جدا, وفي الوقت نفسه قمة في التعقيد و لكن ببساطة شديدة بيقدر يشرح لها كل أفكاره المعقدة جدا. سلامة جوزها استشهد و أبنها الكبير برضة و بتها راوية سافرت مع جوزها المصرى القاهرة و أبنها الأخير خلف بنتين و مات في مظاهرة بعد ولادة أبنه الأخير، بتها عرضت عليها كذا مرة أنها تسيب فلسطين وتيجي تعيش معاها في مصر بس هي رفضت و كان رفضها مش عشان حبها لفلسطين بأكتر من عدم قدرتها علي مفارقة الجني الصالح اللي رافض يعيش في أي مكان تاني ألا فلسطين.

الحفيد الأخير للأبن الأخير استشهد في صباح يوم تمت فيه سلامة تقريبا مئويتها، مستغربتش ولا أندهشت و لا صوتت، الأخبار دى بقت عادى جدا بالنسبة ليها , طلبت من شباب جيرانها أنهم يودوها لحد مشرحة المستشفي، اترددوا شوية ، خافوا تولول وتصوت رغم أن عمرها ما عملت كده.

استغربوا جدا أن هي طلبت في المشرحة كيس جديد و لما سألوها عن السبب قالت لهم أن هي عايزة تصفي دم الشهيد فيه، الر فض كان رد الفعل الطبيعي للمحيطين، بس كلبشتها فوق جسم الشهيد و ألحاحها خلاهم يسمحوا ليها بالفعل المجنون ده و صفت دمه في الكيس و ربطته كويس و رجعوها لبيتها و وشها عليه ابتسامة كبيرة قوى و عيون صافية مفهاش و لو دمعة واحدة.

لما عدوا عليها أصحابه الأربعة تاني يوم، حاولوا يمارسوا دور الحفيد الأخير للأبن الأخير بس هي رفضت بشدة و عرضت عليهم كيس الدم اللي فيه دم حفيدها و آمرتهم بأنهم يوزعوا دمه في برطمانات و في مظاهرتهم يبقوا يرموها علي الإسرائيليين , الأصحاب الأربعة كانوا مندهشين جدا علي الر غم من اعتيادهم لغرائبها و لما حست في عيونهم محاولة مبتذلة لإرضائها ثارت و غضبت و في الآخر قالت لهم أن هي تعرف

اللي هما ميعرفهوش.

واحد من الأربعة كان تقريبا مصدق كلامها و لكنه خايف يعلن عن تصديقه ليها قدام صحابه لحسن يسخروا منه و لما خرج معاهم في اليوم المحدد للتظاهر كان معاه شنطة قماش فيها ست برطمانات حمر ولما سألوه عن اللي في الشنطة قالهم ده دم الشهيد، محاولوش يعلقوا علي كلامه لأن لا الوقت و لا الظر وف تسمح بأى مجادلات.

لما حصل الأشتباك بدأ الشاب يراجع نفسه و يندم علي أنه صدق كلام الست المخرفة دى و لكنه هو حس أنه مش خسران حاجة لو جرب وخصوصا لما سقط قدامه واحد من صحابه برصاصة ما بين عينيه، بسمل علي كل برطمان ورماه فانفجر في جنون زي ما يكون هو راخرغضبان قوي ، الفلسطينيين و الإسرائيليين علي حد السواء اندهشوا جدا و الشاب كان أكتر واحد مندهش فيهم.

الدبا بات اتدخلت و ضربت جموع الفلسطينيين بقذائف عشوائية، الفلسطينيين اتراجعوا و اتشتتوا بسرعة، بس كان آخر مشهد منطبع في أذهانهم وشوش الجنود الإسرائيليين المذهوله جدا، كان الذهول مش من الموت ولكن من أثر البرطمانات الحمرا.

المتظاهرين بقوا يحاولوا بقدر الإمكان أنهم يكبسوا دم الشهدا اللي بيسقطوا لحد ما يوصلوا المشرحة و يفضل الدكاترة والممرضين يستخرجوا دم الشهدا في أكياس محكمة الأغلاق، الستات مبقتش تبكي زى الأول و كل ما يسمعوا نبأ شهيد يزغردوا مش عشان يغيظوا الإسرائيليين و لكن كانت الزغرودة طالعة من القلب فعلا و بفرحه و ده لأن كل واحدة بقت تفتخر بأن شهيدها بقي قنبلة حكاية مطلعة زرابين الإسرائيليين !.

الظاهرة الملاحظة كمان أن كل شهيد بيستخدم دمه كعبوة ناسفة بيظهر لأهله، مثلا سلامة كان حفيدها الأخير لأبنها الأخير بيجي يخبط عليهإ الباب في المسا يشرب معاها الشاى المركز بالنعناع زى ما كان بيحب و يكون معاه أحيانا شيشة قالها أن دى هدية من الجنة، يعقدوا يدخنوها سوا تحت شجرة الكافور يحكي

لها عن أبوه و أخوه و أحوالهم إيه في دنيا الأموات وهي تحكي له عن أخبار فاطمة اللي كان ناوي يتجوزها بس هما كانوا عارفين أن دة مكنش ممكن يحصل لأنه كان ناوي علي الموت ,وبعدين ضحكتهم تجلجل وتحس سلامة بأن دخان الشيشة لا بيحرق الصدر و لا حاجة لكن بيخلي مزاجها عالي قوي.

الجيش الإسرائيلي في الاشتباكات اللي بعد كده بقي يصادر جثث الشهدا بأي وسيلة ,وكتير من تجار السلاح اليهود والعرب كان انزعاجهم أشد من الجيش الإسرائيلي لأن سوق السلاح أتوقف حاله ,علشان كدة بدأوا يشتروا من المستشفيات أكياس دم الشهدا ويعبوها في برطمانات أحجامها مختلفة بأسعار مختلفة ويبعوها تاني للفلسطينيين !,باع تاجر يهودي دم الشهدا للجيش الإسرائيلي وفرح قوي لما باع كميات كبيرة بسعر مغري, استعملها الجنود الإسرائيليين في ضرب الفلسطينيين و مع أول قنبلة انفجرت فوق دماغات الفلسطينيين نزلت علي هيئة مطر أحمر ,جزم الكتير أن فية ريحة مسك , وبعد ما تنفجر عبوات دم الشهيد الواحدة ورا التانية قدام ذهول الجنود الإسرائيليين كان الفلسطينيين يضحكوا من جوا قلبهم ويقوموا مطلعين برطماناتهم البسيطة ويرموها علي الإسرائيليين اللي يا كانوا بيتفرقوا في دربكة أو تبدأ الأعيرة النارية والقذايف التانية في الأنطلاق العشوائي.

طبعا الناس مصدقتش سلامة لما خرجت عليهم بتحليل جديد تماما غير أي تحليل سابق , المرة دي كان غريب جدا ومجنون جدا وهو أن ياسر عرفات روحه دلوقتي بترفرف في السماء العليا ,طبعا ضحكوا وهي كالعادة توقعت منهم السخافة دي, المرة دي برضه محاولتش تفهمهم الحقيقة اللي أبعد من كل الحقايق الأرضية ,استخسرت فيهم معرفة كبيرة كان ممكن يعرفوها.

روح ياسر عرفات رفرفت في السماء العالية من ساعة ما بدأت الانتفاضة وأن اللي بيحرك جسمه دلوقتى جني حاقد بيعيد تاريخ أباءة الأولين اللي فضلوا عبيد لسليمان أربعين سنة ميعرفوش فيها أنه مات والسوس لما زهق من غبائهم قرر يكشف لهم السر البسيط فأكل العصاية اللي سليمان كان متسند عليها والجني الحاقد ده بيمارس نفس اللعبة علي البشر عشان تتاح ليه هو راخر فرصة السخرية من البشر !

طبعا لو كانت سلامة صرحت بكدة كان وصل الخبر ده للسلطة الفلسطينية وكانوا اعتقلوها ومش بعيد كانت الحكومة الإسرائيلية استغلت الفرصة وضربت بصاروخ موجة عن بعد الزنزانة اللي قاعدة فيها سلامة.

السياسة الإسرائيلية اضطرت أنها تتبني سياسة تانية خالص اتجاة الفلسطينيين فأصبح السلاح اللي مع الجنود قاذفات مسلية لللدموع ورصاص مطاطي وممكن كرتون كمان ولمزيد من التأمين جابوا دبابة تزأر عشان بس تخوف الفلسطينيين مش أكتر.

وبعد أسبوع تاني أصبح بيرافق كل وحدة مسلحة إسرائيلية فرقة طبية ,أعتقد الفلسطينيين أنها عشان تداوي جراح جنودهم ولكن الفرقة الطبية كانت بتنزل ميدان الاشتباك بعد كل اشتباك تداوي جراح الفلسطينيين وتتمني للشباب الفلسطيني مزيد من الصحة والسعادة وتعلق في شوارع القطاعات الفلسطينية يافطات مكتوب عليها"دمائكم هي أغلي عندنا من أنفسنا "!,سلامة بدأت تستعد للموت في هدوء و اتقابلت لأخر مرة مع الجني الصالح عشان تودعه فشافت في عنيه نفس الاستعداد الهادي للموت ,قالها في اليوم دة أنه بقي بيرتبك !!بشدة لما تتجمع في أيده فئات مختلفة من الفلوس

9-3-2002
الاسكندرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق