سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الأحد، 4 يناير 2015

مقالات أدبية: محروس تاوضرس بقلم/ شوقى على عقل " أدب السجون" 4

في الزنزانة المقابلة المغلقة معظم الوقت كان يقبع عم محروس مرتديا البذلة الحمراء، وحده في الزنزانة رغم ازدحام العنابر، هكذا تنص اللوائح للمحكوم عليهم بالاعدام. في الاوقات القليلة التي كان يسمح له فيها بالخروج من الزنزانة كانت الاغلال الحديدية تكبل يديه وقدميه، ويحيط به حارسان. لم تكن القيود الثقيلة تمنع عم محروس القناوي الضئيل الحجم الذي تعدى الخمسين من الرقص رافعا يديه في الهواء واحدى قدميه الى الامام كلما رأنا، ومغنيا بلكنته الصعيدية قصته:

صبرت والاصيل ان صبر تخشاه
راح تشوف منه ان ظلمته ما تخشاه
كلواحقي والحق بالحق ما ينوكلش
وصاحب المال مال عليا ولا سألش
والغلبان وسط الديابه ما تـنصفش

عم محروس الغفير في شركة قطاع العام ، رفض ان يشترك مع بعض الموظفين في سرقة مخازنها، ورفض تركهم يسرقون وهددهم بكشف امرهم، حتى فصل من عمله وقدم للنيابة والمحكمة بتهمة سرقة المخازن التي كان يحرسها، كانت التهمة ثابتة بعشرات من الوثائق والمستندات المختومة والموقعة من الادارة، لم يكن هناك شك ان الرجل سيسجن بتهمة السرقة! لم يستمع اليه احد ولم يهتم بقصته احد، كان يترأس العصابة مدير الشركة واحد معاونيه.

فنسأله ونحن نعرف القصة ولكن كنا نحب ان نسمع غناؤه:

وعملت ايه يا عم محروس؟

- والمدير حسب سكرتيرته مانعاه
لما شاف التسعة مللي... والقضا وياه
راح ورا الحرمة يستخبى من قضاه

في صباح احد الايام انتظر حتى حضر الاثنان الى الشركة وصعدا الى مكتبيهما، صعد خلفهما وبمسدس مصانع حربية عيار تسعة مللي قتلهما وهو يلقي اهازيجه. قال لنا بثقة (الريس حيخرجني على طول، اصلي بعتله جواب قلت فيه على كل حاجة) ويستمر في غناؤه.

في نهاية ديسمبر وفي اليوم التالي لخروجنا رفع العلم الاسود على السجن واغلقت الزنازين ولم يخرج المساجين لفسحة الصباح، واعدم عم محروس. كنت دائما اتساءل عن رد فعله لحظتها، هل اندهش وتساءل كيف سمح لهم الريس بأعدامه، وفوجئ وهو الواثق من براءته وانه فعل ما فعله لـكي (يحافظ على فلوس البلد من الحرامية) كما كان يقول، هل خاف من مواجهة الموت، ام رقص وسط جلاديه وانشد:

الحر لما دق القضا على بابه
لاخاف ولا انحنى وفتح له بابه
خدني معاك يا مسافر ولا تقفشي
ماابقى على دنيا فيها الخسيس حكم
و الاصيل واقف يدق على بابه!

· سجن الاسئناف 1968

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق