كنا نصعد سلم السجن الحديدي بصعوبة، فالسلم المتاكل الزلق المليء بالقاذورات والماء الوسخ قد يجعلك تقع وترتطم بدرجاته المعدنية الحادة ان لم تحترس.
ولكن عوكل ذو الساق الواحدة والعكاز الخشبية كان يمرق بيننا طائراً خاطفا الدرجات مع بعضها.
كنا نسأله:
- على فين يا عوكل؟
فيجيب وهو يغيب وراء منحنى السلم:
- ح اقابل الولية!
عوكل النشال الفخور سقط تحت اطارات حافلة وهو يهرب من مطاردة، فقطعت ساقه.
كان يقول:
- الواحد لازم يبطل الحرام، وما يخدش من الغلبان اللي زيه.
- ولكنك بتنشل الغلابة يا عوكل؟
- عشان كده ربنا خد رجلي، بعد كده توبة ربنا يشهد وحاشتغل هجام فلل!
لعوكل الوسيم المرح امرأة شابة تحبه، كانت تجمع النقود من عملها كامرأة ليل لتدفعها للسجانين ليسمحوا لها برؤيته، وفي بعض الليالي حين يستبد بها الشوق اليه كانت تأتي وهي سكرانة تترنح لتقف في حارة درب سعادة خلف السجن وتنادي عليه. كان صوتها يغطي على صوت المنادين الاخرين، ومن شباك الزنزانة الضيق بالطابق الثالث كان عوكل يسبها بغضب مسامح:
- روحي يا بنت الـ ..
فترد عليه المرأة :
- انزل يا عوكل يابن الكلب عشان.....و نجيب عوكل الصغير!
فيضحك المساجين وتنطلق التعليقات البذيئة ولا يغضب عوكل، وتنصرف المرأة الشابة بعد قليل مع احد الواقفين، ويغيبهما ظلام المدينة العجوز وقسوتهاالمذهلة اللامبالية.
· سجن الاستئناف 1968

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق