سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الاثنين، 28 أبريل 2014

قصة قصيرة: الرجوع للنقطة صفر بقلم/ علاء الشرقاوى

كان الأستاذ (فرج) مدرسا ً لمادة التاريخ بإحدى المدارس الخاصة ..كان مدرسا ً مجتهدا ً في عمله..محبوبا ً بين زملائه و إن كان حُبّ أصدقاءه خارج نطاق عمله أكبر ،و كم تمنـّى أن يكون مدرسا ً مشهورا ً خاصة ً مع كونه مثقفا ً ثقافة عليا تمكـّـنه من تدريس موادٍ أخرى لكنـّه كان يخشى ارتكاب مخالفة ٍقانونية ٍبتدريس مادتين فكان يحتفظ بمعلوماته لنفسه حتى تحين له فرصة دخوله حصة ًاحتياطيّا ًبدلا ً لزميل ٍله في غير فصله لإخراج ما يخفي و كان يفعل ذلك بحذر ٍخوفا ً من العقاب رغم سعادة و ترحيب الطلاب بأسلوبه.الأستاذ فرج كان قارئا ً جيدا ً في تاريخ مصر الفرعونية و كان يرى كمّ التقدم العلمي الذي وصلوا إليه قبل وجود حضارات إنسانية و قبل و جود رسالات سماوية ،ولكنهم استطاعوا أن يبهروا العالم بتقدّم في الطب و الفلك و غيرها من العلوم التي كانت قاعدة بنى عليها العالم حياته ،و رغم كون الأستاذ (فرج) مؤمنا ً بربّه إلا أنـّه كان يستاء من ذكر تاريخ قدماء المصريين بلفظ قبل الميلاد ؛فهو يعلم أنّ المقصود بالميلاد هو السيد المسيح عليه السلام، و لكنـّه كان يقول أنـّه مع علمه بأنّ هذا صحيحا ً فهل أقام هؤلاء العظماء حضارتهم قبل أن يولدوا؟!! و كأنـّه يريد أن يقول أنّ هذه الحضارة الضخمة هي ميلاد قبل الميلاد.

و نظرا ً لكثرة مطالبته بزيادة في الراتب أو ترقيته لمدرس ٍأول أو حتى نقله فكان إلحاحه في تلك الطلبات يحدث أثرا ً سيئا ً لدى إدارة المدرسة لكنهم كانوا يصبرون عليه لأنـّه ليس لديهم من هو أكفأ منه ليستحق ّ أن يشغل مكانه.

و في حياته الخاصة فرغم أنّ خلقه الطيـّب كان يحدث له رصيد هائل عند بنات حواء لم يكن الأستاذ (فرج) يريد أن يغامر بالزواج خوفا ً من أن يظلم فتاة ًمعه في ظلّ ظروفه الحرجة.

و عندما فكـّرت إدارة المدرسة في مكافأته قرّرت إرساله في بعثة إلى دولة روسيا،لم يفهم أ/فرج لم هذه الدولة بالذات و هو لا يعرف إلا القليل من اللغة الإنجليزية التي لن تفيده أصلا ً في هذه الرحلة الإجبارية و كان مضطرا ً لقبولها لأنّ الاختيار الثاني أمامه هو أن يجد نفسه مفصولا ً من مهنته و هذا الاختيار كان إجبارا ً له أيضا ً مثل الاختيار الأول ليس بإرادته.

انتهت الإجراءات الرسمية اللازمة لتنفيذ قرارسفره بسرعة هائلة و كأنّ إدارة المدرسة تريد التخلص من هذا المدرس المجتهد بأي شكل ٍو لم يصبح أمامه سوى حزم حقائبه استعدادا ً لملاقاة مشاقّ السفر كأول خطوة ٍللمعاناة في هذه الرحلة .

و كان الأستاذ (فرج) قد اطـّلع كثيرا ًعلى ما يسمّى فوائد السفر السبعة فأحسّ في نفسه أنّ هناك شيئا ً جيدا ً ينتظره في هذه الرحلة الغريبة،تفائل كثيرا ً حين وجد اهتمام من مسؤولي هذه الدولة به و حتى أهلها كانوا كذلك فبدأ الاطمئنان يسري في روحه حين علم أنّ تدريس اللغة العربية و علومها له مكانته في هذه الدولة ؛فرغم أنـّه لا يدرّس هذه المادة لكن سعادته كانت في أنـّه سيجد من يتفاهم معه دون وسيط.

عندما وضع قدمه في أراضي هذه الدولة واجهته أوّل مشكلة لم تكن في الحسبان و التي كادت أن تبدّد أحلامه و آماله ؛فقد أصابه الإعياء الشديد من الفارق الكبير بين طقس بلاده و هذه الدولة شديدة البرودة و لكن كان عليه تحمـّل صعوبات التجربة و لأنـّه خاضها وحيدا ً فكان من وقت لآخر يواسي نفسه بأنـّه لا مفرّ من التقدّم فيها لأنـّه لو فكـّرفي الرجوع بظهره إلى حيث كان سيجد حفرة عميقة تنتظره لا خروج منها فماضيه الذي تركه وراءه قد تغيـّر بعد رحيله عنه بشكل ٍلا يسمح له بالعودة إليه مرّة أخرى .

بعدما استقرّ به المقام في إحدى المدن الروسية و أصبح هو من المعالم الرئيسية في الحي الذي سكن فيه عادت به الذاكرة لأصدقاءه،فبينما كان هو وحيد أبويه اللذان توفـّيا منذ سنين فلم يجد من بقية أقاربه من يسأل عنه في وحدته و غربته إلا أصدقاؤه فاستمرّ تواصله معهم منذ بداية رحيله عنهم و كأنـّه لم يتركهم.

رغم أنّ الأستاذ (فرج) رأى في هذه البلاد ما حرّك رغبته نحو الزواج ،إلا أنـّه تذكـّر أنّ معيشته في بلاد الغربة وسيلة ينعش بها حياته و ليست هدف تمنـّى تحقيقه ،فقد جرفه الحنين إلى بلاده ما جعله يقرّر أنّ مثل هذه الخطوة لن يتـّخذها إلا في أحضان وطنه رغم ما وصل إليه من مركز مرموق و ثروة هائلة حقـّقها في الغربة .

في أحد الأيام حضر إلى ذهنه علمه بالرياضيات و علاقته بما هو عليه الآن،فقال: في نفسه أنّ الصفر عندنا رقم يرفع قيمة غيره لو وقف على يمينه و كلـّما زادت الأصفار زادت القيمة بينما ينزل بقيمة الأرقام للقاع لو كان على شمالها ،أمـّا لو كان واقفا ً منفردا ً فلا قيمة له.



أكمل عن الصفر فقال:أمـّا في بلاد الغربة فالصفر له مفهوم مختلف؛فالحرارة تحت الصفر و العيش بعيدا ًعن حرارة اللقاء بالأحباب و الأصحاب يجعل قيمة الحياة تحت الصفر،فرغم أنّ حالته المادية تحسـّنت إلا أنّ انعدام اتـّصاله المباشر بأحبابه جعله يتـّخذ قرارا ً ربـّما يندم عليه لكنـّه كان أفضل عنده من الغربة فتمنـّى الرجوع لبلاده و إن كان ثمن ذلك الرجوع للنقطة صفر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق