عند باب القدر القي عليه السلام من أصحاب اللحي و حالقيها،
و المحجبات و المتبرجات و أطفال الغبار.
كل يسوق النظر إلى تضاريس جسده، مصدر ألمه، ثيابه، عينيه،
شفتيه، يديه، وانكسار صوته إن بدأ بالسلام.
غرفة مضيئة الأركان، يغويها القدر على بقائها هذه الليلة بهذا الوضوح،
لعلني أجيد وصفها للعابرين من أمامها يوم تكون فيه مظلمة.
مكانها علبة في أقصى الخطوط التي لا تتحرك قطاراتها أو سيارتها،
علبة تقيم عند كل بقاع الأرض الخالية من العشب و من الماء و من هواء الإنسانية .
أما الضوء فهو الوحيد الذي تملكه الغرفة، عفوا أقصد العلبة و طبعا برضاء من القدر.
بضع أغطية، بضع صفيح ، يتشابهان فوق العلبة،
كلاهما يقف ضد البرد ولو قليلا إن كان كثير
وسادة الأحلام خالية مهما كان الليل طويل فالأحلام يحرم عليها دخول العلب
و إن دخلت خلسة أمسكت بها كوابيس الحقد و الكره،
حتى تسود سمائها فتخرج من نافذة الصباح تشهق عند ربها،
أما الملبس و المأكل و القلم و الكتاب،
العلب ليست بحاجة إليهم فمن يلجأ إليها آخر المساء لا يصنف من البشر.
وإذا الصبح طوى صفحات الليل المتشابه، يأتي بعده التسول ليطرق باب العلب
وبما أن العلب ليس لها باب فيقصد باب العقل و البطن معا،
! ليخرج صاحبها إلى مجتمع لا زال يحقق النظر في تضاريس جسده
كل يتفقده بعين، عين شفقة، عين رحمة، عين رهبة، عين تذمر،
و عين كِبر و اختاروا من الأعين ما يناسبكم بعدما ينتهي هذا النص .
يوم من أيام الشارع الغريب ولد طفل على حافة الطريق دون حبل سري
و دون صوت خشن ينتظر ولادته.
فرحت به الابتسامات التائهة من العشرينيات إلى الستينيات و اعتبر مصدر رزق و درهم أصفر يغري جميع الناظرين .
سبع سنوات من عمر الطفل، من يد المتشردين إلى المتسولين،
وسط المارين بأعين أغشتها المسميات البائسة.
تعلم النطق، تعلم تفاصيل الطرقات، تعلم الوقوف عند حافة الحياة.
كانت غرفته هي علبته و حياته لا حياة فيها ، لا أقصوصة قبل النوم
ولا حاجة له غيره يقضيها.
صامد يخطوا فوق الأرض عليل النفس و الجسد،
مثقل بالمشاهد الباردة و الساخنة و الذاكرة الممتلئة بالظلم و الذل و الاغتصاب،
و هو بالعمر سبع ، فكيف أراه إن أضفت عليها عشر و عشرون ؟.
جلس بالحديقة فوق كرسي فارغ يرقب من بعيد، لعله يصيد رجلا أو امرأة
يطلب منها قليلا من الطعام أو المال .
إذ بكرة تأتيه عند القدم و تقف،
و قبل أن تلمسه يداه وقف أمامه طفل يقربه بالطول و العمر .
أشقر، وسيم ، وقف دون أن يتمم بكلمة، والسؤال المشترك بينهما و الوحيد
لما أنت هكذا ؟؟
متسخ، نقي، ما هذه اللمعة في عينيه ؟ ما هذه الدمعة في عينه ؟
لما هو هناك و لما أنا هنا و لما تجمعنا كرة ؟.
أفاق من كل علامات الاستفهام بصوت صاخب يقول:
" تعال إلى هنا يا بني، اتركها له سوف اشتري لك أخرى،
إياك أن تقترب منه، تعال إلى هنا.."
ذهب الطفل و ترك له الكرة مع قطرات من الألم و المر
الذي يمطر فوق عمره الأسود و الذي لا بد له أن يفيض عند امتلائه.
عاد إلى مكانه دون أن يحرك ساكنا أو يلتفت للكرة
بعد 10 دقائق اقترب منه رجل قد شاهد موقف ذلك الطفل
أو بالأصح قد أحس بموقفه، جلس بقربه ثم قال له ما اسمك:
أجابه الطفل : ينادونني سعيد
!قال : و ما أنت بسعيد
رد الطفل: لا أنا سعيد.
ابتسم الرجل بوجع ، ثم قال: أدرك يا سعيد أنك سعيد.
1 يونيو 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق