سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الثلاثاء، 11 فبراير 2014

القصة القصيرة: الخائن و الجشع بقلم/ أحمد بن محمد طبابي

...كان عقبة أول من راوده النوم هذه الليلة، بعد طريق طويل طوته قدماه. افترش شطر البطانية و التحف بالشطر الآخر و لم يترك للبرد منفذا . أما نصير فقد كان البرد يأكل من جسده أكل الجارح من فريسته. هو لم ينعم بالدفء بعد. حتى النار التي أشعلها تطايرت شرارتها بسبب الرياح الهائجة. استعطف رفيقه عله يشفق على حاله التعس لكنه لم يسمح له بمشاركته في الغطاء. انتصف الليل و لم ينم نصبر حتى الآن، لف جسده بالبرنس البالي كما كان يفعل من قبل. لكن هيهات. لم يجدي ذلك نفعا. حتى عشير العمر هذا لم يغني عنه شيئا و شاء القدرأن يذق لونا من العذاب كما ذاق صاحبه بالنهار. ارتعشت أوصاله، تجمدت أنامله، أحس بأصابع أطرافه قد ماتت و اصطكت أسنانه ببعضها وانتابه سعال مسترسل. تضرع الى السماء و جاهر بالنذور، استغاث بخالقه كي يخفف عنه من العذاب فلم يجد أفضل من التسليم للقدر و التعلق بالصبر. لوكان يعلم أن البرد سيبلغ هذا المبلغ من الشدة في هذه الليلة البليلة لدفع ما دفعه مقابل ذلك الحمار و أكثر فيما هو أحوج اليه الآن.امتلأ قلبه حقدا وبغضا على جاره. فكان أقرب الى استنباط الشر له أكثر من أي وقت مضى. فماذا وسوس له شيطانه هذه المرة؟ و ماذا ينوي أن يفعل يا ترى؟

استل نصير من قلب النار المستعرة عودا، ودسه في بطانية جاره الغائب عن الوجود. ثم تظاهر بالنوم. ما هي إلا لحظات حتى مدت النار لسانا جشعا و التهمت جزءا من البطانية فكادت تدرك لحم صاحبها الذي استفاق على رائحة الدخان.

استفاق عقبة مذعورا مستنفرا و أخذ يحث التراب على النار حتى خمدت. نظر حوله كانت كل الدلائل تشير بإصبع الاتهام الى صاحبه. فموقد النار كان أبعد من أن يصل اللهب الى ما وصل اليه. اغتاظ عقبة كثيرا من كيد رفيقه الذي لايزال يضمر له العداوة و البغضاء. ولما أيقن أن هذا الرجل لن يتغير طبعه الخبيث أبدا، قرر أن يرد له الصاع صاعين و يكيد له كيدا أعظم.

قبيل الفجر بقليل اتجه عقبة صوب الحمار البائس وكان صاحبه قد أخذته غفوة بعد ليلة طويلة، قاسية لم يذق خلالها طعم النوم و لا حلاوة الدفء.استل خنجرا حادا من تحت ازاره و شد رأس الحيوان المستضعف بشراسة ثم قطع له شفتاه بلا رحمة و لا شفقة و تركه ينزف دما. بألم طويل ضاق به الوادي الفسيح، فتح الحيوان البريء فكيه على الاتساع و رفع عقيرته بنداءات الشكوى الى المجهول.

عند الشروق أفاق نصير وهو لا يعلم شيئا عما لقيه حماره المظلوم من ويلات العذاب لساعات. استعجل أمره، و بصوت مفزع أيقظ رفيقه:

- عقبة..عقبة..انهض...انهض...بطانيتك احترقت يا صديقي ...انظر....

فتح عقبة عينيه و هو الذي لا يدري أنه كان أظلم و أطغى عندما استضعف مخلوقا بريئا وزر وزر مالكه. ثم قال لنصير:

- رأيت ذلك يا عشيري..و ما نبهني اليها هو حمارك الذي ما انفك يضحك على حالي منذ الفجر.

التفت نصير الى مربط الحمار و قد انتابه ذهول عميق لما في المشهد من قزازة، حمار بلا شفاه...حقا المنظر مقرف و معيف. عجزت عن رسمه حتى الطبيعة بعظمتها إلا أن هذا الانسان الضعيف استطاع أن ينحته بظلمه.

ظل نصير باهتا في أمره . لم ينطق و لو بكلمة واحدة. ماذا عساه أن يقول بعد هذا. هو غير ملزم لا بالاعتذار و لا بالقصاص كل واحد منهما اقتص من صاحبه على طريقته المفضلة. واحدة بواحدة حتى يقطع القدر هذه الرفقة المشؤومة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق