سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 25 يناير 2014

قصة قصيرة: حائط المحكى بقلم/ علاء إبراهيم

في صباح أحد الأيام توجـّهت الشمس لمكان عملها لتمارس ما اعتادت من متابعة الرائحين والغادين أمامها ، و كان الناس ممعنون ـ كعادتهم ـ في مقارنة الصيف بالشتاء دون جدوى . أمـّا الشمس فلم تكن تملّ من بذل طاقاتها فتلذع حينا ً وتهدأ حينا ً وتختفي حينا ً آخر، و كانت أحاديث الناس تتجوّل بين أحداث اليوم الذي يكون نصفه حركة ونصفه الآخر جلوس لسرد ما كان ، إلى أن جاء اليوم الذي بدت فيه البيوت و الشوارع كمدينة ٍمهجورة ٍحتى نفوس الناس كذلك ، و كان السيد/ حسنين دائم التردّد على صديقه عادل ليتبادلا الهموم أملا ً من كل ٍ منهما في هجر حارتيهما و ما يملأ حوائطهما من أحاديثٍ كثيرة ، و كان لهما حوائط ٌأخرى يستندون إليها عسى أن يجدا من وقوفهما هناك ملاذا ً من المشاكل وكان كلا ًمنهما يرضى بقليل ٍ من الكلمات منها يقتات ليومه و يخزّن لما تقدّم من أيـّام ، فبدأ حسنين يتكلـّم عن الحائط الأوّل فقال :ذهبت عند هذا الحائط فوجدت أناسا ً قليلين أعرفهم كثيرا ًوجدتهم يتكلمون في المأكل و الملبس والدراسة والعمل و المرض و الزواج و أنا أدسّ رأسي بين يدي ّ فهذا هو المكان الوحيد الذي ألجأ إليه عند سماع أحاديث ٍلا تشغلني كثيرا ً، و وجدت من يحاول إقحامي فيما يحكون فكنت كمن صعقه ماسا ً كهربيا ً. 
تابع صديقه عادل الحديث معه فقال : أما أنا فقد كنت مارا ً بالصدفة لدى حائط ٍ تفوح منه حرارة الأحاديث فوق حرارة المكان الذي امتلأ بالروائح الكريهة بشكل ٍ يجعلك تشك أن ّ من بداخله بشر ٌ مثلنا .
عند هذا الحائط امتزجت مشاعر أناس ٌ قلما يعرف بعضهم بعضا ً و لكنهم يتشاركون لحظة ً معينة ً قد لا تكرّركأنّ هذه سمة ٌتلازم هذا الحائط ؛ فتجد آذان و ألسن ربما تصل إلى أيادي تتلاقى معك بغير مناسبة ٍ لدرجة ٍ تشعر معها أنّ هؤلاء الناس ولدوا عند هذا الحائط ،و مهما تمر الأيام تجدها متشابهة الأشخاص و الأحداث كأنهم يصورون مسلسلا ً غير معدود الحلقات و الكل يحفظ دوره دون مراجعة .
أتبع حسنين صديقه عادل بقوله : سآخذك من هذه الروائح لحائط ٍ أفضل ، ففيه أناس لهم لقاء ٌ موسمي يمتليء بالعقول الراقية ...............
قاطعه عادل بقوله : أحمدك ياااااااااارب 
قال حسنين:لا تتعجل و اسمع للنهاية ، فهذه العقول تشغل بالها كثيرا ًبأمور ٍ ليس لها أهمية بقدر مالها من رفاهية . عشت كثيرا ً خلف هذا الحائط لدرجة ٍ كادت أن تجعلني أشهر من يذهب عنده على الإطلاق و كنت أضيع على نفسي الفرص ظنـّا ً منـّي أنـّها بحر ٌ لن ينفذ، و لم يمنعني من ارتياد هذا الحائط مرض أوعمل أو دراسة أو غيره ، فقد أخذ هذا الحائط منـّي أكثر ممـّا أعطى بكثير.
و كانت هناك عدة فرص أن أكون سفيرا ً لهذا الحائط لدى حوائط أخرى تشبهه فكنت أرفضها مع استغراب كل من حولي ، فانقطعت فجأة و دون سابق إنذار بعدما صرت الوحيد الذي يتردد عليه دون انقطاع و دون سبب ، ورغم جرأتي في أخذ قرار البعد عن هذا الحائط
إلا أنـّه خلـّف حزنـّا ً عميقا ً لكثرة ما أحببت ورائه.
واصل عادل الحديث فقال : آخذك الآن لحائط يخفي ورائه مئات الناس التي يطول تمنيها لسكنه ، ولكن سرعان ما يستغلون الفرصة بشكل ٍ خاطيء . فهذه الناس تكون مرسلة بناءا ً على طلب آخرين لبحث أهم فروع الحياة و قليلا ً ما ينجحون فرأي صاحب هذا الحائط يكون الأهم وتجري قراراته فوق رؤوسهم جبريا ً فتضطر الناس للمنافقة كي يكسبوا ودّه و يستمرون في مكانهم ،ومهما تغيـّر صاحب الحائط أو مرتادوه فقوانين إدارته واحدة لا تتغيـّر ما جعلني لا أتمنى لنفسي أن أسكن خلفه
أتبع حسنين حديثه و هو في غاية الملل فقال : أمـّا هذا الحائط فموعده واحد و أصحابه لا يتغيرون و لا يجددون كلامهم و لايفكرون في تغيير ، وما يزيدك مللا ً أن الوقت مفتوحا ً لديهم لفعل وقول مايريدون . 
قال عادل لصديقه : كفانا اجترارا ً لهمومنا و هيا بنا لكوكب ٍ آخر نصنع حوائطه بأنفسنا
فقال حسنين : انتظرني أنا آت ٍ معك 
علاء إبراهيم 
الإسكندرية في 8/3/2012م
الساعة 2:25مساءا ً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق