سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الجمعة، 20 ديسمبر 2013

مقالات أدبية: لا تبكي يامُوتور العمر ..!! " أدب السيرة الذاتية " بقلم /حامد أبوعمرة

أكثر شيء يثير الاشمئزاز برأيي .. هو سرعة استغلال بعض التجار الطامعين الذين يسري الجشع في شراينيهم كالدماء ،أولئك الذين يغلي طغيانهم وعشقهم المال في بطونهم كغلي الحميم 
اليوم فقط اتخذت قرارا حاسما ،بإعادة تشغيل محطة الوقود الخاصة بي، ،وقررت إعادة تشغيل الكهرباء في منزلي عبر موتور الكهرباء ،الذي بدت ملامحه تثير الشفقة ،والعطف بعدما تم هجر غرفته المغطاة من الرياح وسقوط المطر،و المنعزلة ،مرت أشهر طويلة لم أتفقدها ، كانت دلالات الكآبة تكسو ملامح جسده المعدني أي الموتور ،والذي رغم اتخاذ كافة التدابير الوقائية إلا انه وثبت فوق سطحه أكوام ترابية متناثرة،و متمردة ،كم كانت سعادته لما كشفت عنه الغطاء ،أحسست بأسلاكه تهتز فرحا كالبلابل عندما تشدو فوق الأزهار ، ،ولما سكبت كمية من البنزين في حنايا خزانه سمعت صوتا غريبا لأول مرة أسمعه منه ، ذكرني ذاك الصوت .. بأزيز النحل وكأنما يجسد لوحة فريدة من لهفة و شوق ، بعودة الروح إليه .. ﻗﺪ ﻳﺘﺴﺎﺋﻞ ﺍﺣﺪ ﻣﻨﻜﻢ أيها القراء الأعزاء ،وما شأن كل هذا السرد ،والإطناب الوصفي للموتور بجشع التجار ،وهنا أجيب ببساطة شديدة ،همس بأذني كثير من الأصدقاء على ضرورة اقتناء جهاز اليو بي إس ( UPS )كعلاج فعال لأزمة الكهرباء المزمنة، وذاك الجهاز يعتمد في تشغيله على بطاريات الشحن ،وذلك بديلا عن المواتير الكهربائية التي باتت تحتاج لغذاء غال الثمن حتى تعمل.. فتخيلوا جميعا أحبابي أنه في خلال ثلاث ساعات أي ربع مدة انقطاع الكهرباء الدورية حيث يأكل فيها الموتور ما يقارب 2.5 لتر بنزين ،والبنزين الذي يجتاح محطاتنا الغزاوية.. بعد انقطاع البنزين المصري ،هو بنزين احتلالي بغيض يكلف اللتر الواحد 7 شواقل أي ما يعادل قيمة 2دولار، وهذا أمرٌ غاية الصعوبة ،فهل في ظل الغلاء الفاحش ،وظروف الحياة المريرة.. هل يشتري المواطن المسكين الذي فقد الثقة بعودة الكهرباء إلى حالتها الطبيعية سواء توفر الوقود القطري أم غيره ،وسواء تم تزويد محطات الكهرباء أم لا ..هل يشتري الخضار وأرغفة الخبز لبيته أم يشتري البنزين ؟! بالطبع الإجابة واضحة ،وبكل بساطة يعلمها الجميع .
المهم اليوم حكى لي أحد الأصدقاء أنه اشترى ذاك الجهاز السالف الذكر ،ولما بحث عن بطارية له ،لم يجد ،ولما وجدها كان السعر شيء خرافي يفوق الوصف أي ما يقارب ضعف الثمن ،فعكف عن شراء تلك البطارية لكن المشكلة انه لن يستطيع إرجاع الجهاز فرقد ذاك الجهاز عنده بالبيت ،حتى يجعل الله له من أمره مخرجا ..!!،والسبب ليس كما يشيع أصحاب الوشاية التجارية أن ذلك بسبب انقطاع بطاريات الشحن ،وبسبب إغلاق المعابر أو...بل هي الامبريالية المجتمعية الجديدة بصورة مصغرة،التي غزت بلاد الشرق ،والتي يتبعها الكثير من التجار هذي الأيام ،أولئك الذين يركبون موجة الحصار الخانق ،والوضع المادي المتدهور ..هم يريدون نفخ جيوبهم وبطونهم حتى ولو كلف ذلك مجاعة وعري الآخرين إنها حالة السادية sadism،والتي أصابتهم ..نعم هم يتلذذون بتعذيب الآخرين لا بابتزاز أموالهم فقط ،ولذلك ألغيت بكل بسالة فكرة شراء اليو بي إس ،وكان البديل السريع هو مقولة تذكرتها علمناها من كبارنا : "من فات قديمه تاه " لذلك عدت للموتور لكني إذا كنت اليوم أغذيه لساعة أو ساعتان حرصا على الاقتصاد الوقودي ،إلا أني لا أعلم كيف سيكون حاله بالغد ،من الغريب لما أطفأت الموتور هذا المساء وجدته وكأنه يحملق فيّ ،ّ بكل آسى وبعدما دبت الروح فيه من جديد وكأن لسان حاله يقول لي بصوت ٍ خافت : أرجوك لا تنساني مرة ثانية من الغذاء ..!!

قصة قصيرة: يوميات قرد ... اليومية الأولى بقلم/ مصطفى المأمور

تفتق ذهن القرد بعدما سافر إلى غابة أخرى بعد أن استدعاه أشقائه القرود هناك للعمل حيث أن تلك الغابة قد اشتهرت بثراء الأجور و الفرص و ظل يعمل معهم حتى صاروا أثرياء بحظوظ وفيرة و كانت علاقته بغابته هي الأجازات و في إحداها عرف أن هناك حفل كبير تحييه الأسود و آن له أن يجلس بينهم و يأكل اللحوم مثلهم بعدما صار ثريا فنهض في الحال و ارتدى أفخر الثياب و استقل سيارته الخشب و ذهب إلى الحفل فرحبت به الثعالب و الذئاب و الظرافات ثم دخل على الأسود فانهاروا من الضحك على شكله و هو يرتدي البذلة الفاخرة ثم سرعان ما انتهوا حتى لا يحرجوا الضيف أكثر من ذلك ثم خاطبه أحدهم و قال له كيف حالك أيها القرد و كيف حال أشقاؤك فشكره القرد على السؤال و قال له بأنهم بخير و في أحسن حال و يرسلون إليكم السلام ثم قال الأسود للقرد تفضل و اجلس بيننا فطار قلب القرد فرحا بذلك .. ! .. ثم جلس متجاهلا الغمز و اللمز عليه من باقي الأسود اللذين يكتمون الضحك بمجهود رهيب .. ثم عادوا لحواراتهم الجادة حتى حان موعد الطعام الذي أمر كبير الأسود بإحضاره .. فأحضروا اللحوم المشوية و قدم إليهم و هنا انهار القرد عندما فوجئ بدخول الخادم و معه ثمرات الموز و هو يسأل : أين القرد الضيف ... ؟!

شعر: عامية - فصحى: وداعا سليمان خاطر بقلم/ مصطفى المأمور

سليمان كان جنديا

حين كان صبيا

عرف من أوراق ناصر

كيف يكون وفيا

تعلم أن التراب أغلي من الدماء

و أن الرصاص من الأعداء

شرف سخيا

و عن طريق الخطأ

كان جنديا في الزمان الخطأ

سليمان من جند الأقصى

فتح مع صلاح الدين و ضحى

في يديه خطوط سرية

و رموز البرية

معه مفاتيح العروبة

و العزة المفقودة

سيفه سيف الوليد

و بأسه بأس الحديد

و لم يتوان بالفراسة

حين كلفه الذئب بالحراسة

و أعطاه بندقية

ليحرس حدودنا الشرقية

وقف يرتل الآيات

و ينشد الأبيات :

بلادي بلادي بلادي

لكي حبي و فؤادي

و كل الأغاني الوطنية

فلمح بالأفق يهود

يعبرون الحدود

فجال في خاطره أمجاد الجدود

و حذر الأوغاد من العبور

و تبعات المرور

فلم يبالوا و استباحوا

و مروا و راحوا

فرد سليمان عليهم بالتباهي

لا تدنسوا أرض بلادي

فسخروا و فجروا

و تمادوا و عبروا

فأرداهم سليمان قتلى

قرودا و حمقى

شكرا سليمان خاطر

حميت مصر من المخاطر

فانتظر النياشين

و الورود و الرياحين

و ثناء قائدك الأمين

ننتظرك سليمان علي قلعة صلاح الدين

و سنحكي حكاياتك على ضفاف النيل

النساء و الأطفال و الفلاحين

فاليوم تعود إلى قاهرة المعز

بنصر مبين

و سيهديك الخليفة قمرا

و ستهديك العروبة قنديل

عفوا سليمان

الخليفة الآن مشغول

بأمور الحكم مسئول

لا تغضب إن وضعوك بزنزانة

و ألبسوك ثوب المهانة

إنها سليمان السياسة

و أسواق النخاسة

و العملاء و المأجورين

فصهيون الآن غاضب

و حبل الوداد ناضب

و جحافل السلطان مجتمعة

للطغيان مستمعة

عفوا سليمان فربما

يأتي الغيث حيثما

نهض الشعب من ثباته

و نهر السلطان بذاته

و ستأتي قريش بسيفها

و جنود الرشيد ببأسها

و يحرروك من براثن فرعون و هامان

و يلبسوك ثوب الرهبان

و يغمدون السيف في قلب الشيطان

عفوا سليمان لم يأتي أحد

و لم ينهض أحد

فالعروبة في حيضها تنتحب

بالراقصات تصطحب

و كؤوس الغواني بالحانات قبلة

و موائد القمار بالصالات قبلة

إلى متى أرض العروبة بالعاهات مأوى

تلفظ الأسود و للكلاب تهوى

ما عاش عليك رعديدا

إلا و كانت له جدوى

عفوا سليمان لم يأتي أحد

فالشيطان مع الطغيان قد اتحد

فأهدوك مكان الوسام حبلا

كيف تشنقون سليمان مهلا

عل بالأمر التباس

فهل فقدنا الشعور و الإحساس

و هل تشنق الهوية

و أصولنا العربية

كيف تقتلون البطولة في أرضها

كيف تسحقون الرجولة في مهدها

عار علينا في وجه الزمن

كيف نكون الضحايا و ندفع الثمن

وداعا سليمان

علمتنا كيف نكون من بني الإنسان

و أن التراب أغلي من الأثمان

وداعا سليمان و سامحنا

فطيفك دوما يطاردنا

يقاتلنا

يذكرنا بأننا شنقنا الهوية

و أصولنا العربية

في أرضها و في مهدها ..

وداعا سليمان

مقالات أدبية: و مات بهنس بقلم/ عد الرازق أحمد الشاعر

على رصيف تجمدت فوقه آلاف الكتب المهملة، خطا محمد حسين بهنس آخر خطواته نحو الهزيمة، وفي قلب القاهرة البارد، انكمش الرجل في ثيابه ليصبح أول رجل ثلج يصنعه شتاء القاهرة القارس. وفي صباح ليس ككل الأصباح، التفت حوله أعين كثيرة لم تكثرت لملامحه السوداء أو لملابسه الرثة في ليل البلاد الكالح. وكأن التشكيلي الرائع قرر أن يجعل من جسده النحيل أيقونة اتهام تعلق في رقاب ميادين القاهرة الثائرة. 
ذات بؤس ويأس وقلة حيلة، قرر الصعلوك بهنس أن يفر من خريطة السودان المقسمة إلى خرائط أكثر جاذبية، ففر من ظلام أم درمان الدامس إلى عاصمة النور، وفي فرنسا صنع أجمل منحوتاته، لكنه تركها تزين جدران الإليزيه ذات يوم على مضض مخلفا طفلة لم تكد تلوك حروف اسمه الأولى بلسانها الغض. ثم عاد ليفر من مسقط أحزانه إلى شوارع القاهرة المشغولة وقلبه موزع على خرائطه مهشمة. وفي بهو شقة بائسة بمنطقة العتبة، كوم الراحل أعماله الرائعة، وشغل أمسياته الحالمة بعزف منفرد على جيتار الغربة. 
كانت شوارع القاهرة ربيعية دافئة، أسالت قريحة الرجل السودانية الخصبة، وحركت شياطين الشعر في جمجمته الصغيرة، فتحركت أنامله الرقيقة تعزف تارة وتكتب أخرى ليتحول الصلصال بين يديه إلى وجوه ثورية تنبض بالحياة والأمل. وداوم صعلوك الجليد على زيارة ميدان التحرير حتى صار محجا له، وحين طاردته الحاجة والفقر وأجبرته قلة الحيلة على مغادرة شقة العتبة، لم تجد قدماه سبيلا للبقاء إلا التسكع فوق أرصفة الميدان الدافئة.
لكن السوداني المتيم بليل القاهرة لم ينتبه إلى تغير المواسم، ولم ينتبه إلى الربيع وهو يفر من ميادين الحرية دون حذاء هربا من القنص، فنام قرير العينين فوق بلاطه البارد، وغادر دون أن ينتبه لأعضائه المتيبسة أحد. وفي غفلة من المارين نحو شئونهم الصغيرة، تحول الفنان المدهش إلى رقم عابر فوق رصيف لا يكترث للراحلين. 
لم يكن قلب القاهرة أدفأ من ليل باريس، ولا صدرها أرحم بالأطراف الباردة من فلوات أم درمان. فالهم واحد، واليأس واحد، والموت احد. قدرك أيها الفارس السوداني المترجل أنك جئت إلى أم العواصم في الوقت الخطأ، وظننت بميادينها السادرة خيرا، فطفت بها كما فعل بن الملوح ذات هيام تقبل ذا الجدار وذا الجدار، وحملت حجارتها الفاجرة بين كفيك كمن يحمل بين يديه رضيعا. لكنها هزمتك كما فعلت بثوارها، ولم ترقب في أطرافك المقددة رجفة ولا رعشة. فتحولت أيها المتيم بالعواصم الباردة إلى بركان من يأس وطوطما لفجيعة.
في بلادنا يموت المبدعون مرتين، لكن طرافة موتتك أيها الطريد البائس تمثل منعطفا خطيرا في منحنى الهزائم التي يتقاسمها المبدعون في بلادنا، وتثير الاشمئزاز في قلوب من بقي حيا في بلاد فقدت عذريتها بموتك. ففي وقت تبدل فيه الساقطات عدسات كلابها اللاصقة لتناسب ألوان الفجور في مواسمنا الكاذبة، تموت أنت ككومة من القش فوق أرصفتنا البليدة دون أن يلتفت إلى نقوش حنائك أو تقاسيم كفيك وزير ثقافة أو حتى وزير بيئة، وكأنك الذر في مواسم الغبار. 
لم يخطيء الشتاء حين أقسم برؤوس الأربِعة أن يعري ادعاءاتنا الزائفة حتى النخاع، وأن يكشف زيف دفء القاهرة لكل ذي عين وقلب يعي. ولم يخطيء جليد المشاعر حين تسرب إلى أعضائك المستورة بتاريخ رث وادعاءات عجفاء، وقرر أن يصنع من نحات مثلك منحوتة جليدية هشة تناسب هشاشة واقعنا الثقافي البائس. فليسقط بعد تيبس ملامحك السمراء أيها الصعلوك الراحل شبكات الدعارة الإعلامية، وكل وزراء الإعلام، وكافة دور النشر التي لا تطالب بحقوق الدفن لكتاب الزمن القبيح. ولتسقط حروف لغة يسقط نحاتوها فوق الأرصفة الباردة فيتجمدون كالذباب بين صفحاتها المطوية دون أن يكترث لهم قارئ.
بالأمس القريب مات شاعر ملأ الدنيا صخبا، وجالس المسؤولين في كافة البلاد الناطقة بالضاد، ثم دفن كعابر سبيل في مقابر صدقة دون أن يحضر لدفن تاريخه مسؤول، واليوم تأتينا بسمارك الشاهق وأياديك الملونة بأحبار الشقاء لتنام ككتلة من البؤس فوق خريطة مستقبل أهملت عن عمد وعن سوء طوية حقوق المبدعين. لترحل أيها العربي الفارس ولتضم بين جنبيك المتخشبين روايتك الذابلة "راحيل"، فأمتنا التي كانت تحتفظ للكتب بمواقع فوق كافة الأرصفة قد نزع بلاطها الثوار والباعة الجائلون، لترحل عن أمة يسوقها الجهلاء بآية، ويفرقونها بحديث، ولا يجيد ساستها إلا التهييج ولا يتقن كبراؤها إلا القمع،. فارق أيها الحلم المثلج في خرائط العرب عن ميادين لا يعرف ثوارها طريقا للحرية إلا بانتعال أحذية البذاءة، ولا يطالب حقوقيوها إلا بمراسم دفن لائقة بالمواطنين. 
لو مات بهنس في بلاد تستحق البقاء فوق الخرائط لثارت شعوبها وحجارة ميادينها، ولخرج المصلحون فيها إلى قمم الجبال يجأرون إلى الله بالدعاء، لكننا أمة ألفت الموت وألفها، وضاجعت الدماء حتى حملت باليأس سفاحا. وتحولت طقوس القتل فوق ربوعها إلى تراث فلكلوري مؤسف، ولم تترك شعوبها من لون أعلامها الزاهية إلا الأحمر القاني وبياض الثلج. وداعا أيها الصعلوك المغامر، يا من طاردت الميادين حتى طردتك، وتحركت في بطون الفصول العربية المضحكة حتى حولتك إلى تمثال ثلجي بارد. وفي مشرحة زينهم ستجد مئات المثلجين مثلك من إخوة كرامازوف الذين حولهم البرد أو الحمق أو الحمل الربيعي الكاذب إلى تماثيل وطنية رخيصة. وعما قريب سيذوب عنك الثلج وتفقد ملامحك في ذاكرة شعوبية مؤقتة، ثم تدفن إلى الأبد.
عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات
Shaer129@me.com

مقالات سياسية: تونس تتقدم برأسين بقلم/ عبد الرازق أحمد الشاعر

قد تسير ثورة بلا رأس مسافة ميل أو ميلين قبل أن تصطدم بجدار واقع اجتماعي بائس أو تقع في بالوعة صرف سياسي، فتتحول على إثر الصدمة أو السقوط من جدار حماية إلى أيقونة بؤس لا حول لها ولا إرادة، وهو بالضبط ما حدث في ثورات الربيع المزعومة من ليبيا إلى اليمن، مرورا بمصر وسوريا. وتبقى الخضراء وحدها عصية على تسريبات الإعلام وقنابل الغاز وزجاجات المولوتوف، تبحث في فضاء اجتماعي مشوش عن إشارة جديدة لبث روح ثورة أقسم مدشنوها فوق جثمان البوعزيزي أن تكتمل.
وهكذا ينتصر النموذج على ظله، وتعود شعلة الغضب إلى مسقط حرائقها، وتبقى تونس الملهمة أيقونة لامعة في رأس تاجنا الثوري المعاصر وعلما يهتدي به من تبقى من ثوار في بلاد غادر الربيع ميادينها دون أن ينظر خلفه. وعلى من يتطاول على وقائع سردي هنا أن يراجع دفاتر ما بعد الثورة ليعلم أن في تونس رجالا صدقوا ما عاهدوا الميادين عليه، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، لكنهم لم يغيروا أقوالهم أمام محاكم التاريخ التي تعتد بالأفعال ولا تهتم بالأوراق والصور كما تفعل محاكمنا الموقرة عادة.
أما نجما المرحلة بلا منازع، فهما فارسان من أقاصى اليمين المتشنج واليسار المتفرنج، رجلان لم يجمعهما يوما إلا العداء فوق كل الطاولات ومن تحتها، لكنهما استطاعا رغم ذكرياتهما المؤلمة أن يقفزا فوق محيط الذكريات دفاعا عن قسم خشيا أن يحنثا به ذات ثورة. ولأجل الخضراء، تصافح رجلان ظنا كل الظن أن لا تلاقي في عالم السياسة أو في رحاب الدين. فما أن أحس الباجي قائد السبسي زعيم حزب نداء تونس بحرارة الواقع التونسي وبأحلام التونسيين البسطاء تتبخر فوق مرجل الثورة وتدور في فراغ عدمي مقيت، حتى مد بساطه على الهواء مباشرة لغريمه اللدود الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية ليتصافحا تليية لنداء الحاجة. 
بين حزب نداء تونس العلماني وحزب النهضة الإسلامي كما يشهد أهل تونس والمتابعون للشأن التونسي ما بينهما من تاريخ مشحون بالبغضاء والمقت، لكن هذا لم يمنع رجلا شغل الرأي العام في تونس على مدار عقود، وشغل أهم ثلاث وزارات في بلاده بين عامي 1963، و1991 أن يخاطب رجلا حوكم في عهده ثلاث مرات، وصدر الحكم في اثنين منهما بالسجن مدى الحياة قائلا: "إنك مسئول عن هذا- يقصد الوضع المتردي في تونس - وأنا أدعوك لتكون جزءا من الحل." . كما لم تمنع مرارة النفي رجلا في قامة الشيخ راشد الغنوشي أن يتجاوز عن قسوة المهجر وأن يتناسى مرارة اثنين وعشرين عاما قضاها في بريطانيا محروما من تأشيرة دخول لبلد كانت له قبل أن يحكمها السبسي وحزبه. 
لم تمر إلا عشرة أيام عجاف حتى هاتف الشيخ الغنوشي خصمه اللدود وطار خلفه إلى فرنسا استجابة لنداء تونس للقاء لم يكن أشد المنظرين تفاؤلا يضعه على جدول تخميناته. وأخيرا، أسقط الزعيمان الخيارات المرة ووضعا الثورة التونسية من جديد على طاولة الممكن، بعد أن وضعتها الأحداث الأخيرة في مهب رياح نكدة. فقد تحولت تونس بعد فوز الإسلاميين هناك إلى ساحة كر وفر وترد أمني واقتصادي هائل بين شباب ظن أنه وقود الثورة، وآخر ظن أن بلاده اختطفت على حين غرة من أهلها وسقطت في حجر من ليس لذلك بأهل. وتحولت الساحات والأندية والمقاهي ودور العبادة وقاعات الدراسة إلى ما يشبه الواقع المصري المؤسف حاليا. لكن اغتيال شكري بلعيد ومحمد براهمي صب مزيدا من الوقود فوق نار غضب تضطرم في قلوب التونسيين. وزاد الطين بلة انسحاب أعضاء لجنة صياغة الدستور مما هدد بوقوع البلاد مجددا في أتون الفوضى الدستورية والعودة إلى المربع الصفري. 
وفي تلك الظروف العصيبة، جاءت الدعوة الرائعة من رجل قدر الموقف حق قدره، ووضع أنانيته الحزبية أرضا، فأطلق مبادرة لإيقاف النزيف التونسي بأي ثمن، ووضع سجله الكبير محل مراجعة وانتقاد من محبيه وأعضاء حزبه، كما غامر الغنوشي بما لم يستطع إخوانه في مصر أن يغامروا به، ووضع راية تونس بين عينيه. وأسفر لقاء الرجلين عن حكومة انتقالية يرأسها مهدي جمعة. صحيح أن بعض التعليقات الصادرة عن السبسي تؤكد تحفظا على اختيار جمعة باعتباره أحد المحسوبين على التيار الإسلامي، إلا أن موافقة نصف الأحزاب العلمانية على شخصية الرجل تبشر بانفراجة محتملة في الواقع التونسي المتأزم.
رصاصتان غادرتان وقنبلة آثمة ذهب ضحيتها عدد من الجنود التوانسة كانت كفيلة بإخراج الرؤوس الكبيرة من رحم بلد يترنح، ولأن مصر ليست كتونس، لا أحد يتحرك ليوقف شلالات دماء تتدفق كل يوم فوق أعتاب الثورة، ولا تلفت النعوش الطائرة في شوارع المحروسة أبصار الرجال ولا بصائرهم، والكل مُصر على خوض حرب الاستنزاف الأهلية حتى آخر قطرة من حمق. اليوم تتفوق تونس على مصر برأسين للاشيء، وإن كان البعض يظن أن إلقاء الطرف الآخر في البحر أسرع وسيلة للاستقرار، فهذا يؤكد أن فريق النخبة المصرية يحتاج إلى رأس حربة بقامة السبسي أو بمقام الغنوشي لنتأهل مع تونس ونصل إلى دوري المحترمين.
عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات
Shaer129@me.com