سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الخميس، 30 مايو 2013

المقالات الاجتماعية: البديل... معادلة واقعية حرجة بقلم/ محمد جودى


يتسارع الزمن بوتيرة متلاطمة في اتجاهه نحو المستقبل، وفي خضم هذا تبقى ذاكرة الإنسان تتماوج بين الصدى والراهن لترسم مسارا لطريقها الجديد والمتجدد. وإن تعاقب الزمن سريعا أو بطيئا في أوقات السلم أو الحرب، فإنه يترك بصمته على الإنسان، فهو يُؤثر فيه ويصنعه، فقد يقبل وضعه أو يرفضه ويقوّضه ويفكك أركانه، محاولا في الوقت نفسه طرح البديل والتغاير، تزامنا مع الواقع وتعاطيه الفكري والإنساني لوضعياته المختلفة في ظل تغير أنماط التفكير وانفتاح المكان على وسائط معرفية ومعلوماتية جديدة وغير مألوفة، تنقله من حدود جغرافيته الضيقة إلى أفضية مفتوحة وأكثر قابلية للتغيير والاشتغال الحر.

وإن كان التغيير مطروحا في أيامنا بأشكاله المتعددة، لأنه ينطلق من الإنسان نفسه، الذي يرفض ويقبل ويطوّر ويتفاعل في صناعة مستقبله في ظل تأثيرات القوى المتنامية، وتبعا لذلك تتغير ذهنيته في الثقافة والسياسة والاقتصاد، وتتحوّل نظريات قديمة إلى أخرى جديدة أكثر سهولة وقابلية للعيش في عصر السهولة والتمازج. 

ومن جانب آخر يعيش العربي فكرة ما بعد الحداثة في زمن الاستقلال على معزوفة اشتراكية في سبعينات القرن الماضي، استمرت في الدوران والتدوال حتى نهايته تقريبا. ففي مشهدية التغيير هذه يكبر الإنسان العربي فكرا ونقدا وطرحا لبدائل واقعية مستنسخة في أكثرها من منظومات بعيدة في العقيدة والفكرة والواقع والمخيال الثقافي بعد أن كبّله الاستدمار طويلا، بحثا عن حريته في صراع الحضارة الكبير، حيث يطرح هذه المرة بديلا جديدا في شكل حضاري يكون بخطاب مديني أكثر فاعلية ورواجا، حيث يعتبر المدينة نموذجا معماريا ماديا له تأثيراته الثقافية والفكرية الكبيرة في صناعة البدائل العربية للتطور وتجاوز ظلامية المُستدمر. فكان الدور في بداية هذه النقلة للمكان الضيق وهو الريف، مساهما في نقل التحوّل إلى المدينة المعقّدة والمُتخمة بشخصية الآخر، وإن كان التوفيق في هذه المهمة بنسب متفاوتة بين المشرق والمغرب.

وفي ظل تأزِيم الحضارة لواقع العربي، يتموقع الريف في صناعة الحدث والمعادلة الجديدة، حيث أن أغلب هذه التحّولات حصيلة نمو بطئ لقرى صغيرة في المساحة، لكن الشيء الذي كانت تعدّه تحت معادلة الحاجة الملحة للتجديد والنهوض من ركام الهزيمة فيه حركية ومبادئ معدّة للتغيير والفاعلية، حيث قام الريفي بإعداد تنظيمات المجابهة المسلحة لمناهضة الاستدمار الغربي الممنهج، لأنه المنفذ الوحيد لتعبئة الجماهير العربية للعمل النضالي وإن كانت قُراه صغيرة ومعزولة وغير معروفة. 

ويكفي أن نذكر نضال الشعب الفلسطيني في تدليلنا على قولنا مثالا لا حصرا؛ حيث انطلق الكفاح المسلّح من الريف بتنظيم وخطط عسكرية مدروسة بدقة وإخلاص لمناهضة التواجد الإنجليزي والصهيوني. فتحوّل الفلاح الفلسطيني البسيط إلى رجل حرب ومقاوم ثوري. وهنا أصبحت مجريات حياته متغيرة، حيث سافر إلى المدينة مناضلا، مجاهدا، فدائيا، حارسا أمينا عليها، وقائدا لثورتها، وقاضيا في محاكمها العسكرية قبل نكبة 48م، لأن المدينة العربية في بداية مدها الثوري كانت تستقبله من الريف، وتتعلم من علاقته بالأرض قيم الهوية والانتماء والموت والجهاد والإخلاص. 

ومع تقدّم التاريخ وطرح الحداثة الغربية لجملة من الرؤى والأفكار الجديدة في كل تحوّل يمر بالإنسان والأرض يكون التلقّي العربي مُوحدا في شكله ومضمونه بين الريف والمدينة، لكن التأثير يختلف تبعا لثقافة ومخزون كل مكان عن الآخر، فالمدينة تبدو أكثر واقعية وعقلانية في معاينتها الفكرية وإن كانت تتعدد رؤيتها الاستقبالية، لأنها كبُرت قرية ضيقة الأفق، محدودة النشاط، لتصبح مدينة تنسلخ عن مكانها الأصل، ليتلوث فكرها بين العودة إلى الأصل أو مقاومتها للجديد. ومن جانب آخر تبدو القرية بفلاحها البسيط أكثر رسوخا وثباتا وقناعة بدورها التاريخي الكبير في صناعة الوعي المديني والفكر القيادي في الحواضر البعيدة عن مجالها الفكري، لكن الأمر تغير كما تغير العربي عامة في محاولته تعويض واقعه وجدانيا، فلم يعد الريف مكانا محصورا بين حدود الجغرافيا وتزمينات التاريخ، إنه مكان يُكابر وضعياته ويحاول أن يجد لنفسه دورا جديدا في صراع الحداثة الكونية، التي تلغِي في كل لحظة تجديد ظِله القديم وتراثه الأصيل، فقد صيّرته مضامين الحضارة إلى مخزون تراثي يتعلق بأمجاد سابقة لم تعد صالحة لمتغيرات العصر، فالريفي تقاعد بعد نجاحه في إعداد المدينة لدورها الجديد، لكنه اليوم ينضج بهدوء بقيم أكبر منه، ويستطرد في كل مرة أنها قيم حضارية مجيدة، وإن كانت التضحية كبيرة في سبيل استعادة الأمجاد المهدورة في السابق، فاقتنع الريف بدوره الآن في محاولة تعويضية لخسائره التي تجشمها طيلة تضحياته السابقة. ليتحول إلى مدينة في مساحة فكرية ضيقة ومحدودة في النهاية، إنه يُشكّل في لاوعيه أفضية كبيرة ومتسعة، يستوعب ما تلفُظه الحضارة بحُمولتها الصحية والزائفة، وقيمها الوجدانية والمظهرية والشكلية، هروبا من نمطية الفلاح القديمة في تلقي الحدث ومحاورته المتغيرات الحضارية، حيث تتبدى هذه النمطية رجعية وهدمية لصراع الإنسان، فتحوّل فعل احتوائها إلى خلخلتها وطردها من ذاكرة القرويين. 

يكبر الريف العربي في الزيف الثقافي والتلوث الحضاري، ويطفو زيته الاجتماعي فوق مياه الحضارة المغلوطة، ليصبح في انتفاخ ثقافي كاذب، بعد أن اعتقد إنسانه أنه أصبح مدينيا يمتلك شروط الحضارة وتقاليد الإنسانية، لكنه وقع في خندق سحيق من المُيوعة الأخلاقية والتكدّر المعرفي المرهِق، لإيمانه الوهمي أنه انتقل إلى بديل مريح ومُعقّم بعد معايشته لقيم غير أليفة لسبل العيش الآمن والحرية المعلومة، إيمانا من إنسانه أنها لا تتوافق في هذا الراهن مع نمطية عيش الفلاح وعقلية المرأة الريفية البسيطة. ولذلك تحولت صناعة البديل الجديد إلى فشل ثقافي وإنساني وتاريخي واقتصادي أمام نمذجة الريفي المُتمدن محاولة أو تصورا أو اعتقادا، رغم أن شروط الحضارة لا يجب أن تقترن بالجمع بين الريف والمدينة تحت مظلة واحدة، لأن المعادلة الصحية تجمع الحضارة من أي مكان ينمو نموا صحيا انطلاقا من واقع الإنسان الاجتماعي والنفسي والثقافي، فكل مكان يتلقى عناصر الحضارة يقوم بتكييفها وتشريحها، لأن صناعة الحضارة في المدينة من الريف تعتمد على رحلة الأخير إليها محافظا على شكله ومضمونه في كل المستويات، وهنا تتحقق المعادلة وتكون جميع آفاقها واضحة، ولكن إذا انتقل الأمر بشكل عكسي فإن المعادلة تكون أكثر مأساوية وأقل إنتاجية وأكثر استلابية لهوية الإنسان.

مقالات سياسية: أصحاب القرار في بلادي بقلم/ محمد جودى

يهرب أصحاب السلطة في الشرق في خطاباتهم من واقع شعوبهم المسحوقة بنعال الفقر والبطالة، ويلجاؤون إلى لغة إنشائية مُتكلّف في أسلوبها، ولا يهمهم سوى استعمال أسجاع مختلفة لنعت شعوبهم بفقاعات الصابون والهوس والبلادة وقطعان الخراف.

في بلادي الهم الوحيد عندنا وسؤال مركزي يسيطر على لقاءاتنا هو كيف نختار جارية أو لاهية أو أربع نساء، وكيف نقيم دولة للشذوذ، وكيف نبني مواخيرا في كل حي، وكيف نحافظ على النوادي الروتارية صامدة في مدن الشرق، وكيف نجهّل الشعب ونجوّعه، ونُدخله زريبة التبعية ونُعلّمه تاريخا التعفن وفتات الحضارة.

وحدهم أصحاب القرار في بلادي نجحوا في تحقيق خطط التهديم، لأنهم تتلمذوا بجد علي يد العابثين والمُتملقين، وتفوقوا على دول وحكومات أخرى في القمع والسفك والتشهير، كانوا يتهمونهم بالفاشية والنازية والنرجسية. 

في بلادي الشرق يتعرى عن كرامته كل يوم ألف مرة، ولا يستحي أصحاب القرار فيه حين يصنعون وحدة لشعوبهم في المآسي والندب واللطم والخدش. 

وحين يخرج الشعب في بلادي يهُب قائد أو حاكم أو والي لاعتلاء منبر الخطابة، ويلوك لسانه بلغة قديمة في السب والشتم والقذف، وشعوبه تسمع هذه الأجراس في الماضي القريب، وتقنع بوضعها ولغته في الحاضر. ربما تدخل إسطبل حروفه العفنة في المستقبل، رغم أن للشرق أذنا سليمة غير ملوثة، تريد أن تنهض وتستنهض همتها ومجدها القديم. فلقد تحركت من مدة تحت الماء، واليوم هي تطفو إلى السطح بهدوء وتؤدة.

تغير الحال وتحوّل الوضع في حقيقة الحقيقة، وتطور الإنسان الشرقي في فكره، لكن بقي حكّامه مرهونين بلغة قديمة وثوب ألسني محنّط، فراحوا يُخاطبون شعوبهم بلغة السفه والمجون، لكن هذا الشعب أصر واستكبر، فنجح وألغى بعض الحكّام من الحياة وأحال غيرهم إلى العدم والذهول، وبعضهم الأخر استحال مُحنطا، مريضا بمرض الذاتاوية رغم أنه ساقط هالك بعد جولات كثيرة ولو بعد حين. ومع كل هذا بقي الحاكم ينسج على منوال قديم، ولغته تُخرجُ من أسطوانة قديمة هسهسة ضعيفة المعنى.

لم ينجحوا في أي أمر إلا في إطالة أعمار كراسي الحكم، والتوريث والفساد وإضاعة المال والتطبيع، وإقامة الحدود والخراسانات الوهمية بين الشعوب العربية. هذه هي مدارس الشرق لإعداد القادة العرب، أفلم يتعلم أصحاب الشأن والقرار في هذه المدارس أي درس من لغة شعب بسيطة المبنى والمعنى؟؟؟