سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الجمعة، 6 ديسمبر 2013

مقالات اجتماعية: عذار هنادى بقلم/ عبد الرازق أحمد الشاعر


"أنا كنت ميتة فعلا في انتظار الدفن،" كلمات أسرت بها "هنادي" لأمها وهي تنتظر خالها الذي جاء من أقصى البداوة يسعى حاملا في طيات ثيابه طعنة أخيرة لصدر يحتضر. وحين أراد الرجل أن يجز عنقها بخنجر التقاليد البالية، نظرت في عينيه ذاهلة وكأنها تناشده الخلاص من واقع لا يحفظ عذرية ولا يقبل عذرا. لكن صرخات الفنانة زهرة العلا المكتومة ودعوات الكروان إبراهيم الموجي لم تترك في آذان المصريين المولعين بالاعتداء والدفن ما يليق من صدى. ففي كل عام، وطبقا لإحصائيات وزارة الداخلية، تتخلى عشرون ألف مصرية عن عذريتها كرها تحت تهديد الخوف من الفضيحة، فمنهن من لا تجد خنجرا من قريب ملكته أمه أمرها، ومنهن من لا تجد صدرا حانيا تواري فيه سوأتها، لكن المؤكد أنهن جميعا يلقين ما لا يليق من إهمال في أقسام الشرطة إن تقدمن ببلاغ، وما لا يحتمل من مجتمع لا يحترم نساءه، وإن كن مغتصبات.
وقد أظهرت حالة الانفلات الخلقي مؤخرا نزوعا جماعيا نحو الاغتصاب، وكأن الخوف من القضبان كان رادع الشباب الأول، وليس الوازع الديني الذي تباهي به الخطباء من فوق منابرهم عهدا. صحيح أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، لكننا لم نكن نظن أننا بهذا الفساد حتى كشفت الثورة عوراتنا الخلقية وتديننا الهش. ولو اكتفينا بإحصاءات الداخلية، ولم نلق بالا للمنظمات الحقوقية التي تقول أن عدد المغتصبات يتجاوز الرقم المعلن بعشرة أضعاف، لأدركنا أننا في حاجة إلى ثورة خلقية تسبق وقفاتنا المستحقة أمام مجلس الشورى وقصور الرئاسة.
أي مجتمع هذا الذي يدافع ثواره عن حرياتهم في التظاهر وهم يعجزون عن حماية فروج نسائهم في ظل فوضى أخلاقية لا سابق لها في مجتمع تجاوزت حضارته سبعة آلاف عام، وناهز متدينوه التسعين بالمئة؟ لقد تجاوز المغتصبون في مصر كافة الأعراف والقيم وداسوا بأقدامهم القذرة فوق أقدس الحقوق البشرية استهانة بقانون تفرغ لشحذ مواده ضد ثلة من أبنائه فأوسعهم بنودا وأحكاما. ولو اقتصرت انتهاكاتنا الجنسية على بنات جلدتنا، لظلت الكثير من جرائمنا الجنسية طي إذعان ومهانة، لكن مشيئة الله أبت إلا أن تحرج محاكمنا البليدة وقوانيننا العاجزة بأضواء كونية كاشفة لتبين ما وصلنا إليه من تجاوز لكل الأغشية الحمراء. 
اليوم تتحدث كبريات الصحف في العالم عن فضيحة اعتداء لا تنتهي بخنجر معقوف في طيات ثياب بدوية، فالجريمة مصرية بامتياز، لكن الضحية هنا لم تكن ميتة في انتظار الدفن كهنادي في "دعاء الكروان". اليوم تعتذر وزارة الخارجية البريطانية عن جرم ارتكبه أحد المصريين الواقفين عند معبر تفتيش بسيناء، تشك الآنسة ميم بأنه ضابط نظامي. لكن رفرفة العلم المصري فوق رأس صاحبنا لم تمنعه من اغتصاب امرأة لجأت إليه طالبة الأمن بعد خلع مبارك بثلاثة أشهر. أما البريطانية العاملة في مجال حقوق الإنسان التي توسمت في نجوم صاحبنا خيرا، لم تجد عنده ما يكفي من النخوة ولا ما تستحق من كرم الضيافة. 
كانت الفوضى عارمة، وحظر التجوال يجبر النسوة اللاتي قطعن طرقهن باللجوء إلى أقرب نقطة تفتيش هربا من الرصاص الطائش وأعين المنتمين إلى طرف ثالث لم يحدد بعد. لكن النزل الدافئ لم يكن آمنا بما يكفي لحماية بريطانية ضالة انقطعت بها السبل إلا من كمين. يومها اكتشفت البريطانية المولد أن الكمائن في بلادنا ليست خيرا كلها وأن النجوم التي تلمع في السماء لا تضيء على أكتاف بعض الواقفين عند حواجزنا الأمنية. لكن الخارجية البريطانية التي قصرت يومها في حق امرأة تحمل جواز سفر آدمي، واكتفت بإجراء اتصالات هاتفية تذرعا بالحظر عادت لتعتذر للسيدة المغتصبة وتقدم لها تعويضا ماديا ووعدا بأن لا يتكرر معها أو مع مثيلاتها ما حدث على أرض الفيروز.
صحيح أن مبلغ ألف جنيه استرليني لن يعوض الفتاة ذات الخمسة والثلاثين ربيعا عما فقدت من بكارة وما تعرضت له من تجاهل، لكن انتداب جولي ميلر من قبل البرلمان البريطاني للتحقيق في الواقعة أكبر دليل على أن المجتمع الإنجليزي لا يتعامل مع السيدة إم كما يتعامل المصريون مع كل "هنادي" تتعرض للإهانة والاغتصاب دون أن يهتز لبرلمانها كرش أو لحكوماتها المؤقتة والدائمة علم. ولأن السلطات المصرية لم تتقدم حتى اللحظة بتعويض مادي واعتذار مستحق للسيدة إم، أجدني مضطرا نيابة عن المصريين الشرفاء الذين لا يتعاملون بمنطق خال "هنادي" مع ضحايا الاغتصاب والعنف، أن أتقدم بخالص الإعتذار والأسف للآنسة إم. أعتذر لها عن اغتصابها في أرض كان الناس يدخلونها حتى عهد قريب آمنين، وأعتذر لها عن معاملة ضباط الشرطة الذين استخفوا بمصابها فراحوا يطالبونها بتصوير مواضعها حال اغتصابها. كما اعتذر للحكومة البريطانية وللشعب البريطاني عن عجزنا المؤقت عن حماية فروجهم وفروجنا، وعن تعاملنا غير اللائق مع السيدة إم بمنطق خال جاء من أقصى البداوة يسعى ليغسل عارا خضب ثيابه وكفيه بدماء امرأة عجزت ككل حكوماتنا المتعاقبة عن حماية فرجها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق