سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 26 أكتوبر 2013

قصة قصيرة: منديل ملتصق بقلم/ مروان محمد

يسير بجوار والده العجوز.
لم يكن هناك ما يقال.
ينظر إلى الأمام قليلا ثم ينظر مرة أخرى إلى والده.
يتأمل ملامحه.
تجاعيده.
شعر الأبيض الخفيف.
عينيه التى فقدتا الكثير من الحيوية.
كيف يمكن أن يصف هذه الحيوية؟, هو لا يعرف و لكن يكفيه أن يركز فى عينى والده ليرى أنهما فقدتا نصف حيويتهما على الأقل.
أبوه يحرك شفتيه فى صمت ثم يطبقهما ثم يعاود تحريكهما.
- تعبت من المشى.
يهز الرجل العجوز رأسه و يواصل الصمت.
الشاب يخرج الموبايل و يقلب فيه لبعض الوقت, يجرى اتصال, ينخرط فى حديث جانبى و هو يسير إلى جوار والده الذى توقف بجوار سور الكورنيش يتأمل البحر, توقف الشاب على بعد أمتار يواصل حديثه الحماسى و الضحك المقتضب, والده يتطلع إليه للحظات و هو يدور حول نفسه و يلوح بيده اليسرى ثم ضحكة ثم تكشيرة ثم إنفراجة وجه.
يدير رأسه للبحر مرة أخرى, لم يعد يسعد بيود البحر كما كان من قبل, ربما من كثرة ما عبء صدره بيود البحر, لم يعد صدره يحفل به كما كان قديما.
يستند إلى السور, الشاب يقترب منه, و يقول فى غير حماس:
- إيه البحر حلو.
- حتسافر خلاص.
هل كان صمت الشاب رد كافى؟, بدى كافيا بالنسبة للرجل العجوز و هو يهز رأسه كأنه يعلن إنتهاء الحديث و أنه غير راغب فى مواصلته أكثر من مجرد السؤال, الشاب يقطب, يضع يده على كتف الأب الأيمن و يتأملا سويا البحر, الأب يقول فى هدوء:
- اشترى لى درة مشوى.
الأبن يتحرك فى صمت باتجاه بائع الذرة المشوى, فى حين الأب يخرج من جيبه منديل ورقى يفرشه على سور الكورنيش و يجلس عليه, يتقدم منه أبنه و يناوله الذرة المشوى, يقضم الأب منه عدة قضمات و من ثم ينظر إلى أبنه متسائلا:
- مشتريتش لنفسك ليه؟
- مليش نفس.
- أنت راكن العربية بعيد.
- لأ, أروح أجيبها.
- آه أنا تعبت خلاص.
يتحرك الأبن فى خطوات سريعة ليعبر طريق الكورنيش متجها إلى موقف السيارات, الأب بدون تركيز حقيقى يتأمل السيارات المندفعة أمامه جيئة و ذهابا, حتى تتوقف أمامه سيارة صغيرة, فيستدير ينظر للبحر لا يودعه, و لكن ليتأكد أنه لم يعد يترك لديه ذلك الشعور الذى أعتاد عليه لسنوات طويلة.
لم يبدو حزينا عندما استشعر اللاشىء, بدى غير مباليا, تقدم ببطء اتجاه السيارة, و الأبن يفتح له باب السيارة, المنديل يتطاير مع هواء البحر القوى, يحلق عاليا فى الهواء.
الأب يتخذ مكانه بصعوبة.
المنديل يصطدم بجزع النخلة و يظل ملتصقا بها, الأب يغلق باب السيارة بقوة.
المنديل بعد ثوان معدودة لدى مرور السيارة الصغيرة بالنخلة يواصل تحليقه مرة أخرى محمولا على هواء بحرى قوى فى غير اتجاه معين و لكن فى دوائر متعددة.

10/10/2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق