سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الاثنين، 13 مايو 2013

مقالات أدبية: مصيبة أن تعرف ! بقلم/ مروان محمد



كثيرا ما استعرض شريط حياتى العملية القصيرنسبيا مقارنة بآخرين, فأنا حصيلة خبرتى من الحياة العملية لم تتجاوز التسعة سنواتو لكنها كلها سارت فى طريق التطور و التقدم و أحراز المزيد من التقدم و لكنى لمأجد نفسى يوما بعد استعراض سريع لهذا الشريط القصير فى أيا من الأعمال التى عملتبها و أبرزها التدريس, ربما عملى كمصمم جرافيك لبعض الوقت هو كان الشىء الوحيدالأقرب لما أحبه بالفعل.

الحقيقة أننى أرتقى فى السلم المهنى كمدرسحاسب آلى و يمكن أن تقول أننى من المعدودين على مستوى الجمهورية الذين يتحصلون على أجر مرتفع نسبيا و لا مجال للمقارنة مع لصوص الحكومة الكبار الذين يتحصلون علىمئات الألوف شهريا أو عدة ملايين !!

و لكن هل أحببت ما أعمل؟, الإجابة أيضا علىهذا السؤال تنطوى على الكثير من النسبية, يمكنى أن أقول نعم و لا فى نفس الوقت وحالى هذا حال الكثيرين ممن يعملون أعمال لا يحبونها.

شعور رائع أن تحرز تقدم تلو الآخر فى عملك ولكنك فى ذات الوقت لا تستلذ هذا الشعور كثيرا ألا ربما من الناحية المادية فقط ولكن يبقى دائما الشعور بأن هناك شىء مفتقد فى كل ما يدور حولك و أن ما أنت فيهحاليا ليس هو المكان الذى تستحقه, من حقك أن تقول أنى أجحد النعمة التى أنعم اللهبها علي و الحقيقة أننى أشكره على نعمه الكثيرة على و خاصة فى مجال العمل و لكنىلا أشعر بأنى أنتمى بأى حال من الأحوال إلى ما أعمل, هناك الكثيرون على شاكلتى ولكن البعض منهم استطاع أن يتكيف مع وضعه و يتعامل معه و ينسى ما كان يتمناه والبعض الآخر أستطاع أن يحب ما يعمل و لكن هل أنتمى أنا إلى أى من هذين الفريقين؟,أبدا!!

دائما أنظر إلى حياتى العملية على أنها وضعمؤقت مثلما كنا نعمل إيبان فترة الصيف فى الجامعة, هذا مجرد عمل مؤقت و العملالدائم الذى أريده سيأتى فيما بعد, لا أعانى من غياب الرؤية أو أعانى من مرض التيهبحثا عما أحب أن أعمله, هذه ليست مشكلتى على الأطلاق و لكن مشكلتى تتلخص فى أننىموقن أن ما أحب عمله لا يكفى لأن يغطى احتياجاتى الشخصية بامتداد 30 يوم فى الشهر!!

فما بالك باحتياجات أسرة بالكامل و لذلكأصبحت رهينة العمل الحالى الذى أتصور أننى متألق فيه و لكن دائما ما كانت روحىغائبة فيه أيضا و لم استحضرها ألا مرات قليلة من خلال بضعة أعمال تقترب بصورة أوبأخرى مما أحب و أغلبها يبتعد عما أحب و لكن سوق العمل فى القطاع الخاص تحديدايفرض دائما عليك تحديات جديدة تجبرك على أن تدرس من أجلها أشياء لم تكن تتوقع أنتدرسها يوما ما و عليك أن تتقنها و تبرع فيها, كل من يعمل فى القطاع الخاص يدركمعنى ما أقول جيدا.

فتجد نفسك تخرج من الدائرة التى تحبها إلىدائرة أخرى بعيدة ثم إلى دائرة أبعد و هكذا حتى تجد نفسك دائما تقف فى الدائرةالأبعد من كل ما تحب أن تفعله و تجد دائما تلك الأسئلة السخيفة, كيف تعمل فى مجالغير تخصصك, هذا بعيد عما درست تماما, زملاء لك فى العمل أو الطلبة التى تدرسهممادتك أو حتى صاحب العمل الذى يجرى معك مقابلة العمل و هو يبتسم ابتسامةمبتذلة,اخترع الإجابات اختراعا أننى أعشق ما أعمل و أهواه فقط لأحصل على الوظيفة وفى المقابلة الأخيرة و جدتنى أقول بكل وضوح أن الصدفة البحتة هى التى ألقتنى فىهذا الطريق, بالتأكيد أى صاحب عمل لن يحب مثل هذه الإجابة , لذلك هز رأسه و أخبرنىأنه سيتصل بى إذا كانت هناك فرصة!!, إجابة مستفزة فى ثوب مؤدب لقول آخر " أنتآخر من نريده أن يعمل معنا فى هذا المكان"! و السخرية أن حتى ما درسته لم يكنله أدنى علاقة بما أحبه و بالتالى فقد كثرت الدوائر التى تبعدنى عن كل ما أحب, فمادرسته دفعت إليه دفعا على الرغم من أننى أخترته بإرادتى و لم يجبرنى أحد عليه ولكنى كنت كمثل من لا يملك أى خيار للاختيار فأختار ما هو مجبر على اخيتاره لأن مايحبه بالفعل أصبح من رابع المستحيلات, أضف إلى ذلك أننى لم أضحى بالشكل الكامللأنغمس منذ بادىء الأمر فيما أحب و دفعت ثمن قراراتى الخاطئة التى أبعدتنى تماماعن دائرة ما أحب.

ما أقوله ليس جديدا على أيا منكم و هى أبسطمن أن تكون قصة مميزة أو مشوقة لأن الألوف منا خاض هذه التجربة البسيطة جدا وتجاوزها و لكنى للأسف سقط فى دائرة عدم التكيف و عدم تقبل الأمر حتى بعد مرور 9سنوات, هذه هى المشكلة التى أعانى منها بالفعل و تؤرق مضجعى و أخشى أن تدفعنى يوماإلى أن أتخلى عن الحياة التى يتمناها أى شاب فى مقتبل العمر و بالتالى وقتها سأكونقد سقط سقطتى الكبرى و الأخيرة التى كفيلة ليس فقط لتدمير حياتى الشخصية و لكنحياتى الأسرية أيضا التى هى أهم منى بكثير, أصبح هناك عبء أضافى و أنك لم تعدمسئولا عن العبث بحياتك الشخصية فقط و لكن ستكون مسئولا عن العبث بحياة آخرين معكفى نفس القارب و أنت لا تملك ترف أن تعبث بحياتهم هذا إذا قررت أن أكسر المألوف وأعبث بحياتى الخاصة و للعلم أن كل من حذى حذو من عبثوا بحياتهم و حطموا تقاليدهاالراسخة ظنا منهم أنهم قد يصنعون فارقا جوهريا فى حياتهم الخاصة و العالم بأسرهأكتشفوا بعدما خاضوا تجربة الجنون هذه أنهم لم يحدثوا أى فارق فى أى شىء سوى أنهموقفوا ينظرون بحسرة إلى الآخرين الذيندمروا حياتهم جراء ما اقترفوه من خطوات مجنونة.

هذا قد نراه فى الأفلام فقط لأنها دائما تعوضلنا المستحيل فى حياتنا الواقعية و قليلا منا أو يمكن أن نقول أقل القليل منا ممنحالفهم الحظ فى جنونهم أو كانوا أهلا لخوض هذه التجربة المجنونة لما لهم من ملكاتشخصية قد وهبها الله لهم أو اكتسبوها هذا لا يشكل فارق بالنسبة لى و لكن تضافرت كلتلك العوامل على إنجاح هذه التجربة المجنونة و أنا لا أرى موقعى بينهم علىالأطلاق, قد يكون فقدان للثقة فى النفس أو ربما لأننى أعرف تمام المعرفة أننى لستمن أصحاب الملكات الفذة و لكنى أمتلك صفات عادية جدا كغيرى من سائر البشر.

أن تحترف مهنة الأدب أو الفن التشكيلى فىعالمنا العربى هى حقا مهنة الفاشلين و مهنة من لا مهنة لهم و طريقة مهذبة للفظعاطل عن العمل بامتياز, حتى هذه المرحلة على كل سواءتها قد تجاوزتها لأننى أصبحتالأن رب أسرة و لم تعد حياتى ملكا لى وحدى و لكن يشاركنى فيها آخرون رغما عنى علىالرغم من أن حتى هذا القرار بأن حياتى لن تعود ملكى بمفردى كان اختياريا باقتدار وهذا يثبت أننى إنسان عادى بامتياز أيضا !!

والدى الفنان التشكيلى مر بنفس التجربة وأثمرت التجربة بعد أكثر من ربع قرن عن أنه لم يصبح مشهور فنيا أو يصبح الفنانالتشكيلى الذى أراده يوما و لكنه نجح فى حياته العملية و الاجتماعية إلى الحدودالتى يتمناها أى إنسان مقبل على الحياة العملية و هل هذا سىء؟ و لكنه فى نفس الوقتخسر حلمه الكبير فى أن يصبح الفنان الذى أراده, الأن بعد أن تجاوز الستين من العمرأصبح يمارس العمل الذى يحبه لأول مرة بحرية تامة و بسعادة حقيقية و لكن دون أىعائد و دون وجود حقيقى يذكر على الخارطة الفنية فى مصر أولا لأن هذه الخريطة غيرموجودة و ثانيا لأن كل الجسور التى كانت موجودة من قبل بينه و بين هذا العالم قدتحطمت تماما فأصبح رواد فنه هم أفراد أسرته فقط!!

و يسعد كثيرا عندما يعلم أن هناك من أطلع علىأعماله الفنيه على الفيس بوك و يسألنى عنها دوما, يريد فقط الشعور بأن هناك آخرونيتابعون أعماله الفنية و ليس ألا, حتى و أن يعدوا على أصابع اليد الواحدة, أناأشعر بالمرارة من أجله و بالتأكيد هو يشعر بذلك و لكنه يذكرنى دائما بأن نجاحه فىحياته العملية و الاجتماعية هو النجاح الحقيقى و ربما لو كان ضرب بمسار الحياةالطبيعى عرض الحائط لكان هو الطرف الخاسر الأن, ربما !! فلقد رأيت من سلكوا هذاالدرب من رفقاءه و هم الأن فى حالة يرثى لها !!

هذا لأن عالمنا العربى للأسف الشديد غير قادرعلى استيعابنا, نحن ترف من العيش لا تحتمله مجتمعاتنا العربية المسخنة بجراح الفقرو الهزيمة و المرارة و الديكتاتورية و الذل و التبعية !!

أننى أرى نفسى فى موضع والدى بعد 30 عاما منالأن, شعور حقيقى بالمرارة و لا أملك خيار تغيير المسار لأن الباب مغلق بالضبة والمفتاح فى بلادنا العربية البائسة دائما, التى لم تضحك يوما و إذا ضحكت فهى تضحكمن همها!!

فى كل ما سبق هو تكثيف مزعج لمشاعر كاملة منالأحباط و الكآبة و غياب كامل للتفاؤل و إحلال تام للتشاؤم, هذا صحيح و لا تنجح أىشعارات فى فك طلاسم هذه المأساة التى يعيشها الكثير من شباب عالمنا العربى البائسلأنها تبقى مجرد شعارات, الناجحون المتألقون فى بلادنا العربية هم السماسرة ولاعبى كرة القدم و مطربى الفالصو و المجارى و أيضا حكومات النصب و الاحتيال و رجالأعمال السرقة و المقاولون و تجار المخدارت و السلاح و لا يجب أن ننسى كابريهاتشارع الهرم !!

من السىء جدا أن ترى نهاية حياتك بعد 30 عاماكيف ستكون؟, متجسدة فى والدك على الرغم من أنى أراه فى بعض الأحيان قد تخطى مرارةأنه خسر ممارسة ما يحب و لكن كنت أتمنى أنتظل هذه الحقيقة غائبة عنى حتى أصل إلى ما وصل إليه و عندئذ اكتشف مرارة الخديعةالتى سأكون ضحية لها و لكنى أعلمها الأن و على أن أتعايش مع هذه الحقيقة المؤرقةلثلاثون عاما إضافية إذا كتب الله لى طول العمر و قد يرى البعض أن هذه ميزة, أنأرى الحلم الذى اتشبث به ما هو ألا سراب و لكن الحقيقة أن اكتشاف هذا الأمر يؤرقنىأكثر و أكثر لأن على أن أتعايش مع هذه المرارة طول السنوات القادمة و كأنه لم يكنيكفى أن أعيشها فقط فى آخر حياتى!

زوجتى الجميلة الطيبة المؤمنة بأن الأقدارستحمل لى الكثير من المفاجآت الغير متوقعة لا تزال تخبرنى أن الفرصة ستكون مواتيةلى قريبا أو على المدى المتوسط و لكنها ستأتينى قبل أن أهرم و أحقق كل أحلامى فىأن أعمل ما أحب و أيضا سيكون مصدر جيد للرزق و أنا ابتسم لتفاؤلها الجم و ذلك لأنروحها الطيبة مفجونة بكثير من التفاؤل و الأحلام الوردية التى سقطت منى رغما عنىلما أراه من واقع لا يرسم هذه الأحلام الوردية بأى حال من الأحوال.