سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الأحد، 14 سبتمبر 2014

رواية (ذكريات ما قبل الموت): الحلقة الثانية 19 ديسمبر 2010 بقلم/ مروان محمد

- أنا خايفة قوى يا حسام.

- متخافيش, أهدى بس و قوليلى إيه الأخبار عندكم.

- بيطلعوا الناس من بيوتها, أنا مرعوبة و ماما قعدة بتعيط و بابا قاعد جنب الباب و ماسك مكنسة المطبخ فى أيده.

- أنت شوفتى حاجة بنفسك.

- لأ.

- يبقى أطمنى.

- بيسرقوا الشقق عندنا فى المهندسين يا حسام, أنا خايفة.

صوتها المرتعد يجعلنى أفقد التركيز, أسمع أزيز الرصاص بين الأشجار و أحيانا انحنى لرصاصات لا أعلم من أين تنطلق و لا إلى أين تذهب؟, أمسك بعصى حديدية بيمينى و الموبايل بيسارى, لا أعلم ماذا عساها أن تفعل تلك العصى سوى أن تبث إلى بعض الطمأنينة الزائفة.

****

19 ديسمبر 2010


أنا بحلم

أمال ليه مصدق أنه حقيقى

عايز أفوق من الحلم التقيل ده

أنا تـ...."

منبه الموبايل يرن, استيقظ, اعتدل فى فراشى و قدماى تبحث عن الشبشب, أنهض فى تثاقل و شعور شديد بالخمول, اتوجه إلى الحمام, الماء البارد الذى يضرب وجهى يسرب منى بعض الشعور بالكسل و الخمول, نفس الروتين الذى أمارسه كل يوم, اتجه إلى صالة البيت و اشغل التليفزيون, دائما ما تكون القناة الاخبارية هى القناة الوحيدة التى أطالعها كل صباح قبل أن أذهب إلى العمل.

"شهود عيان لرويترز أن مئات من قوات الشرطة وصلت إلى مدينة سيدي بوزيد اليوم لتعزيز الإجراءات الأمنية وذكر «الحزب الديمقراطي التقدمي» الذي يوصف بأنه أبرز حزب معارض في البلاد في بيان أصدره مكتب الحزب في سيدي بوزيد أن ما وصفه «الظلم والقهر الذي تعرض له الشاب سبب حالة من الغليان في الشارع الرئيسي للمدينة»، وطالب السلطات بـ«التحقيق مع المتسببين في هذه المأساة ومن بينهم محافظ سيدي بوزيد"

تنتقل الكاميرا إلى وجه المذيع الذى فرد إبتسامة واسعة على شفتيه و هو يقول:

- و الأن نستكمل الملف التونسى مع الجولة الاقتصادية و الزميل محمد هاشم.

التقط حذائى, أبدأ فى تلميعه و مذيع النشرة الاقتصادية يقول فى آلية:

تعتزم مجموعة "جلوبال وود هولدينج" السويسرية تنفيذ مشروع استثماري في تونس رصدت له إستثمارات بقيمة 900 مليون يورو وقال ألدو بونالدي نائب رئيس مجموعة "غلوبال وود هولدينج"، خلال مؤتمر صحافي عقده بمشاركة فؤاد دعفوس وزير أملاك الدولة التونسي، إن المشروع الذي ستنفذه مجموعته يتعلق بإنتاج الخشب المخصص للتصدير وأوضح أن هذا المشروع سيُنفذ في محافظة "تطاوين" الواقعة على بعد نحو 550 كيلومترا جنوب تونس العاصمة، وهو يشمل غراسة شجرة "الكالتوس"



" و بالانتقال إلى الشأن المصرى أعلن وزير المالية المصري يوسف بطرس غالي عن إصدار أول موازنة للمواطن في مصر وذلك في مبادرة من الحكومة لرفع مشاركة المجتمع في ترتيب أولويات الإنفاق العام سواء على مستوى الدولة في جميع محافظات مصر"



أضحك بصمت, أغلق التليفزيون مغادرا الشقة, الصباح يبدو رتيبا مثل كل الصباحات التى عهدتها من قبل, أقطع الشارع الطويل فى خطوات سريعة حتى الطريق الرئيسى و الباص يقترب بسرعة من ناصية الشارع, أصعد درجتيه, ألقى السلام على الراكبين متخذا مقعدى و أسند رأسى إلى ظهر مقعدى و أسلم جسدى كله الى غفلة أحاول أن أسرق فيها بضعة دقائق .


******

- شكلك نايم على الصبح.

التفت خلفى لأجد بسمة قد غادرت للتو الباص , انتظرها حتى تحاذينى فى المشى, متجهين مع مجموعة من المدرسين إلى المبنى الإدارى للمدرسة.

- أنت عاملة إيه؟

- مالك على الصبح.

- أصلى لسه سامع أن بطرس غالى ناوى يدندشنا و ينعشنا.

- و الله ما حد خارب الاقتصاد غيره.

أضحك بلا رغبة حقيقية فى الضحك, أقف أمام صندوق البريد الخاص بى و التقط الكارت لأمرره فى جهاز تسجيل الدخول و باقى المدرسين يتناولون كروتهم ليفعلوا المثل, نغادر سويا غرفة تسجيل الدخول باتجاه فصولنا و هى تقول:

- عندك إيه النهاردة؟

- عندى grade 11.

- الله يعينك, أنا مش عارفة أنتوا بتعملوا إيه مع العيال دى.

- أهى بتعدى.

- السى ديهات النهاردة متنساش.

- ماشى.

تنفصل عنى و هى ترتقى سلم على يميننا فى رشاقة, ابتسم و أنا أراقبها تختفى ثم أطلق نفخة قوية و أواصل المسير.

******

- أحنا رايحين النهاردة أنا و بسنت و رامى و فريد و سوسن سيتى ستار, ما تيجى معانا.

- و الله مينفعش يا بسمة, عندى شغل كتير أعمله فى البيت عشان الحفلة بتاعت بكره.

- هى كلها ساعتين.

- مهو ساعتين هناك و ساعة عقبال ما نبتدى نتحرك و نص ساعة عقبال ما أوصل للبيت, يبقى اليوم مات و أنا ورايا شغل متلتل.

يتسلل الصمت بيننا و هى تومىء برأسها و قدمها اليمنى تدحرج حجر صغير من على الرصيف, ثم رفعت رأسها كأنها تذكرت سؤال آخر لتسألنى:

- أنت مسافر الإسكندرية الأسبوع ده.

- أيوه.

- تعرف أنا نفسى أعيش فى الإسكندرية جنب البحر.

- لو اتجوزتينى فيه أمل أنك تعيشى هناك.

نضحك و لا تجيب, لم أكن انتظر أجابتها, لأن الإجابة بنعم فى تلك المواقف حتى لو كانت من باب الهذل فأنها تعنى الشروع فى ارتباط رسمى, مما يعنى تحمل مسئولية لست مستعداً لها الأن و لا أجدد مبرر لعدم رغبتى فى تحمل المسئولية, لا أستطيع أن أدعى أنى أقرأ فى عينيها رسالة تمنى أو حث على أن أقولها بشكل جادى, كأنها تقرأ فى عينى أنا الآخر, الهروب من تلك الإجابة.

الباص الخاص بها يتوقف على مقربة منا, تصعد درجتيه و من ثم تلتفت إلى قائلة فى حماس طفولى:

- لو غيرت رأيك أحنا قاعدين فى سيتى ستار لحد سابعة و نص.

- ماشى.

- سلام.

- سلام.

يتحرك الباص و اتابعها للحظات حتى يلفت انتباهى اقتراب الباص الخاص بى, أصعد الدرجتين و ألقى السلام على الجميع, يبادرنى عمر أبيض البشرة و جسده الممشوق و شعره البنى الغامق الذى يلمع دائما و هو يقول:

- مش قبضوا على شبكة تجسس, الخبر جابته الجزيرة.

- تجسس إيه المرة دى؟

- مصريين بيتجسسوا لصالح الموساد و الحكومة مأكدتش الخبر و لا نفته حتى و المفاجأة بقى يا معلم أن أغلبهم كان شغال فى شركة من شركات الاتصال بس مذكروش أنهو شركة و نيابة أمن الدولة بتحقق معاهم و تبين بقى أنهم كانوا بيتجسسوا على مكالمات دولية لمسئولين كبار فى البلد و جابوا أجهزة من أمريكا عشان يعرفوا يتجسسوا.

- و الله بيسرحوا بينا.

- بيسرحوا إيه يا عم, الإسرائيلين ولاد الكلب مش ساكتين, هما اللى خاربين البلد هنا.

- أنت لسه بتصدق الكلام ده يا عمر.

تدخل عم أحمد السائق قائلا:

- أمال إيه يا أستاذ حسام, هما اللى حطوا لنا المواد المسرطنة فى الخضار عشان يجى لنا سرطان و كده.

- يعنى حطوها بنفسيهم يا عم أحمد مهو فيه حمير كبار هما اللى بيشتروا الحاجات دى.

لوح عم أحمد بيده اليمنى و رأسه أيضا تنفى بقوة و يقول بحسم العارف بالأمور:

- يا أستاذ حسام ده شغل صهاينة و أمريكان عشان مش عايزين البلد دى تقف على رجليها.

- و الله ما حد خاريبها ألا اللى ماسكينها بس أحنا بنغمى عنينا.

تدخل عمر قائلا:

- أنت دايما كده بتجادل.

رفعت له يديا مستسلما قائلا بابتسامة:

- لا يا عم و أجادل على إيه, هما الإسرائيلين ولاد الكلب اللى حيورثوا جمال الحكم كمان.

ضحك الجميع و عم أحمد يضغط على الكلاكس منبها أحدى السيارات التى حاولت أن تتجاوزه, و يتمتم بغضب:

- سواق حمار.

جلست على مقعدى ليتسلل النوم سريعا لعينى و عمر ينشغل بالحديث إلى أحدى المدرسات حول خطورة شبكة التجسس الإسرائيلية التى أحبط مساعيها جهاز أمن الدولة و كيف أن هذا الجهاز يعرف كل شىء و من أخطر الأجهزة الأمنية ليس فى مصر فقط و لكن على مستوى العالم, كانت كلماته تخفت تدريجيا كلما اندمجت فى نومى أكثر فاكثر, حتى أختفى صوته تماما و حل محله صمت و وش ضعيف سرعان ما انقضى لأنام بعمق مستمتعا بتلك الشاشة السوداء و ذلك الهدوء المطبق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق