سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الثلاثاء، 11 فبراير 2014

مقالات أدبية: صحافة المزاج العالي‎ بقلم/ محمد فرعون


هي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة .

بتاريخ (4) مارس2012 نشرت صحيفة السياسة الكويتية تصريحات لوزير الدفاع السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز في حوار خاصا مع رئيس تحريرها أحمد الجار الله ، ولم ينته اليوم قبل أن يعلن مصدر مسؤول في وزارة الدفاع السعودية أن الحديث الصحفي المنشور في جريدة السياسة الكويتية ، والمنسوب الى الأمير سلمان بن عبد العزيز غير صحيح ، وأن الأمير لم يجر أي حديث صحفي مع أي صحيفة منذ تعينه ، وأن رئيس تحرير صحيفة السياسة كان من بين الذين حضروا إستقبال الأمير سلمان للمواطنين جريا على عادته ولم يجر معه حوارا صحفيا خاصا كما إدعت الصحيفة .

مرة أخرى وفي صفحتهــــــــا ( مقابلات ) نشرت نفس الصحيفة في عددهــــــــا الصادر في (6) فبراير 2014 تصريحات للمشير عبد الفتاح السيسي في مقابلة خاصة مع رئيس تحريرهـــــا أحمد الجار الله ، لتتلقفه على الفور العديد من الصحف المصرية والعربية وتنشره على صفحاتهــــــا .

وقبل أن ينتهي اليوم أيضا يعلن المتحدث العسكري العقيد احمد محمد علي بصفحته الرسمية : أن مانشرته جريدة السياسة الكويتية مجرد إجتهادات صحفية وليست تصريحات مباشرة مع المشير السيسي وتم تحميلهــــــا بعبارات والفاظ غير دقيقة .

يأتي تصريح المتحدث العسكري ليضيف علامات إستفهام أكثر مما يعطي إجابة واضحة ، فهو لم ينف الحديث ، ولم يؤكده أيضا وكان الأجدر به أن يكون أكثر وضوحا وصراحة في النفي ، فقد ساهم بتصريحه في إحداث المزيد من البلبلة والتخبط وتغذية الشائعات .

بالعودة الى نص الحوار المنشور يتلاحظ أن اللقب المستخدم من قبل المحاور للضيف هو المشير ، وهو ما يعني أن اللقاء تم خلال الأيام القليلة الماضية ، خاصة وأن المشير قد مُنح هذا اللقب قبل فترة بسيطة ، كما أن الصيغة التي تم بها الحوار والتي جاءت في شكل سؤال وجواب تعطي إنطباعا بأن المقابلة تمت وجها لوجه ، بالإضافة الى أن الصور المنشورة مع الحوار لم تكن قريبة الى الحد الذي يمكن معه معرفة الرتبة العسكرية الموجودة على كتف المشير السيسي ، والتي يمكن من خلالها التعرف على الموعد التقريبي لهذا الحوار من عدمه ، خاصة وأن الجريدة لم تشر الى تاريخ الحوار أو مكانه .

لنفاجأ بتعليق لأحمد الجارالله لا يقل في غرابته عن تصريح المتحدث العسكري خلال مداخلته لبرنامج ( يحدث في مصر ) المذاع على فضائية ( m b c ) يوم السبت (8) فبراير 2014 ردا على المتحدث العسكري بقوله : لقد تقدمت بلقاء السيسي وإجراء حوار معه ووافق وعرضت عليه وجهة نظر مجلس التعاون الخليجي ، وأضاف : إذا كان كل ما ينشر غير صحيح فكل ما ينفي أيضا غيرصحيح فالمتحدث العسكري لم ينف بشكل قاطع ترشح السيسي للرئاسة ( ولم ينف أو يؤكد هو الآخر ) .

الملاحظات السابقة ، والتصريح غير الواضح للمتحدث العسكري ، ورد الجار الله المبهم ، كلها تشير الى هذا الحوار الصحفي قد تم بالفعل سواء وجها لوجه أو من خلال أسئلة قدمها الجارالله وجاءته الإجابات عليها مكتوبة ، ليكون بالون إختبار للتعرف على ردود الأفعال ، وإن صح هذا التصور فهي سقطة كبيرة في حق الصحافة المصرية ، وتحسب على المشير السيسي ، فهو لم يكن في حاجة لها .

الصحافة أداة من أدوات التنوير والمعرفة للمجتمع ، وعندما تحيد عن هذا الهدف ، وتصبح من أدوات إشاعة البلبلة ، وبث الفوضى ، ونشر الشائعات فقد حادت الى أهداف سيئة السمعة ليست من أهداف الصحافة الحقيقية نرى بعض آثارها حاليا .

أتمنى على نقابة الصحفيين في مصر ومثيلاتها في الدول العربية أن يكون لها وقفات جادة مع مثل هذه السقطات الصحفية التي تضر أكثر مما تفيد لما تساهم به في نشر الشائعات ، والإساءة الى مهنة الصحافة ، والى من ينتسبون اليها .



الرياض في 10/2/2014

القصة القصيرة: قصص قصيرة جدا بقلم/ محجوبة صغير

مـــأجور 

يؤمن أنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، فبادر لتنفيذ مهمّة التفرقة التي أوكل بها .

غـــــــواية 

ســـال لعابه حينما علم أنّ الجيوش نصفها نساء ، لبس سترته وسار للجهاد.

مـوزاييك

هي فتاة لازالت تعيش عقدها الثاني بهوس وجنون عارمين ..فراحت تخلط ألوان لبسها واكسسواراتها المـــاجنة ، ولما سألوها ردّت بكلّ ثقة :"هي هكذا الأوطان العربيّة ."

قـــارورة غـــاز

سلبوها قارورة الغازالوحيدة وتركوها تئنّ من وجع الضرب ، قائلين لها :" كان عليك التصريح بها أيّتها الارهابيّة."

قصة هروب إلى الله


ارتفع صوت الأذان ، فتجمّع الناس أمام مكتب المسؤول لإلقاء التحيّة ،تزمّت من روائح أجسادهم وخرج من الباب الخلفي قاصدًا المسجد.

شعر: عامية – فصحى: بلانكا ....كل شئ في دمشق يموت .....بقلم آيشا الرامي

 

بلانكا
    حمامتي الحسناء بيضاء الريش و القلب, ولدت في دمشق من أنثي شامية وذكر حمصي عاشت فوق أسطح دمشق القديمة تشرب من نافورة غيلان وتتقوت على قمح تغسله وتنشره فدوى  الحلبية  ...هناك ربت ريشها كبرت جناحيها وصغارها ..فوق جبل قاسيون تعلمت أن تطير وتعشق رب الحرية...كانت تأخد من كل عاشق جرعة صبر تشربها و زهرة غرام تأتيني بها تأخذ بدلها بعض حبات القمح الشهية ...
    لم تأتي بلانكا منذ شهور....انتظرتها حتى نام الليل واستيقظتم...ونمتم واستيقظتم و إستيقظ النهار معكم...ونمتم  وفقتم مرات كثيرة ..... انتظرتها حتى فقدني الأمل...
عدت إلى عملي  ومجاملة الأيام والأحداث ...عدت إلى الحياة الميكانيكية والإختلاط  بالأغراب ...بين كل صبح وليلته و بين وجبة و أخرى كنت أنتظر بلانكا و أناجيها بشفاه مطبقة.....

******************************************
  
 أهذه أنت يا سوريا ؟
 ليست ملامح الشام هاته؟
أم هي ملامحك قد تشوهت؟
لما أكلتم وجه الوطن؟
 أين دفنتم قصائد نزار؟
أين بقايا الياسمين؟
أين القبل المسروقة من خلف ستار الخجل؟
متى صرنا نزف عرائسنا في فستان أحمر ؟
 متى صرنا نزف بلا زغاريد و لا حناء ولا غزل  ؟
كيف أصبحنا مشركين بفن السلم و متى امتهنا القتال واختلقنا حربا بلا مبادئ و لا أمل؟
أقلبك يا دمشق هذا الذي تشمع؟
أكبدك المطعون هذا الذي  انتحب ؟
أشرايينك يا الشام هذه التي تمزقت؟
هذا ابنك  يأكل قلب آخر من صلبك حبا في الأسد
وهذا يقطع  رأس أخيه ظنا منه أنه يبني درجا إلى الجنة
 أارضك يا أبية صارت تشرب من دماء أكبادها؟
ألم تلديهم على نفس الأرض ؟
ألم تخرجيهم من نفس الرحم ؟ ألم ترضعيهم نفس الحليب ؟
اليوم كبروا
 خرجوا من تحت جناحك
 قرأووا ما كتبتي  لكنهم لم يفهموا سوى ربعه
 قطعوا الثدي و دفقوا الللبأ
مضغوك ياأمي و قالوا:  "نظفوا الرحم إنه مشترك" بعضهم  يقول حرام بعضهم يقول كافر لا يعبد الأسد

***********************************                              
!.. فجر اليوم ايقظني نقير على زجاج النافذة ...حمامة.
 بلانكا ...بلانكا" صرخت"
 فتحت نافذتي وأدخلتها لكن بلانكا لم تكن سوداء
 ربما هذا ريشها قد اتسخ ...اردت أن أصدق لكني فهمت أنها مرسال... أعطيتها حفنة كبيرة من القمح أكلت نصفها و شربت ماءا من فمي... أزحت لها السجاد فبدأت تكتب فوق الأرض رسالتها بما تبقى من حبات قمح  وأنا    أقرأها حرفا حرفا استغرق الامر ساعات حتى غفيت في مكاني       
عزيزتي
 صارت سوريا أما لكل الألام ووطناً لكل المجازر مشنقة تطبق على نفس كل شئ وأي شئ ...كل المبادئ  وكل الأفراح  لم تعد تفرق بين بريء و ظالم
يموت الحيوان والطفل  كما يموت الخائن و الثائر والوطني والعاشق واللص والقاتل وعابر السبيل , يموت المصلي  بنفس الرصاصة التي اخترقت رأس الشيطان ., يقتل الثائر وبنفس الذنب يشنق الرضيع ويعدم الجندي كما الشيخ والمرتد والسكير...أتصدقين؟ أني رأيت بأم عيني غيلان وفدوى يموتان بأيادٍ حلبية قطعت رأسهما  بسيف جبانة صنعت في الصين! لم يعد  دم السوري يسيح لأغراض وطنية بل إنه نافورة  تروي فضول المصورين و تسلي العالم في ملله و تجبرالبعض على عبادة  الخوف و تسعى لآخرين في نوم عميق .أمانحن فصرنا ننام في قبورنا مغسلين لابسين أكفاننا لكي لا يتعب الأخرون  قبل دفننا.إنك تعرفين كل شئ عن حمام الشام و لكني أحببت أن أودعك قبل أن أنام.                                       
أحبك ......بلانكا
لم تختنق حمامتي بغازات سامة ّبل أوقفوا قلبها برصاصة طائشة.....سلبوا منها  حقها في الحياة بكل بساطة وسلبوا

... مني حقي في بلانكا...ارتاحت هي  و تركتنا  أروحا نصف ميتة مدفونة في وطن يحتضر

مقال أدبى: لما لا تكون ملاكا حتى لا تأكلك الشياطين ..!! بقلم /حامد أبوعمرة

منذ أن تعلمت أبجدية الكلمة، ولما عشقت الثقافة والمعرفة تعلمت بألا أسلم بأفكار وآراء الكتاب أو المحللين سياسيين أكانوا أو عسكريين.. فكل شيء عندي يخضع للفحص والتدقيق ..فمثلا من الأقاويل التي انتقدتها بشدة ولا زلت عندما يحاول البعض إلى المسارعة ،وبكل تعنت في إيذاء ٍ متعمد للآخرين ،وعندما نلومه أو نعاتبه آو ننتقده.. نجده يدافع عن نفسه بكل شراسة وكأنه صاحب حق متمسكا بشعار ٍ يتنافى مع الإنسانية جمعاء فنجده يقول بكل سفاهة، وكأنه يفتخر : لأنه يجب علينا أن نكون ذئابا حتى لا تأكلنا الذئاب ..!!هكذا تعلمنا حسبما يقول ،ونسي أمثال هؤلاء أن الإنسانية صفة راقية ومكانة مرموقة لما لها قدسيتها من حيث الأهمية فعندما يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وقوله الحق : "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ "لما يصر أولئك السفهاء على الدونية والنزول من البرج العاجي و تحويل الدنيا لغابة كبيرة ،أو حديقة حيوانات ،ومسخ الإنسان لذئب ؟!!..ولما لا نُعلم أولادنا النقيض من ذلك تماما وبتغيير ذات الشعار إلى :كن ملاكا حتى لا تأكلك الشياطين..!! لأن الملاك والشيطان كالخطوط المتوازية لا يلتقيان أبدا ،أذكر أني ضحكت يوما لما انتقدت مثل تلك الأقاويل وتحدثت عنها مع احد الأصدقاء ،حيث تصورت انه قد اقتنع برأيي لكنه فاجأني بقوله لكن لا مانع من أن تتعامل مع الناس على أن يكون فأسك دائما مرفوعا ،وكأنه يرى البشر أمامه أراضي تحتاج إلى قلع ٍ وحرث ..!!

مقال أدبى: آهات فى ظلال الجحيم بقلم/ محمد كظيمي


إلى كل من علمني الحرف فمبدأ الحياة.
إلى معلمي السيد حسبان معلم اﻹبتدائي للغة العربية، والذي علمني دون أن ينهرني يوما.
إلى كل من أطعمني كسرة خبز ليستقيم بها عظمي..
إلى تلك التي آمنت بي أني الفتى الوسيم فقدرتني، إلى زوجتي و أختي فاطمة الزهراء.
إلى رفيق الدرب في الكفاح أخي عبد الصمد كظيمي.
أهدي نجاح وحيد..

آهات في ظﻻل الجحيم.


يسود نوع من الهدوء الناعم اللحظة. و على غير عادته يمعن النظر بلا غض بصر، كما لو كان ﻷول مرة يسمعها أو يراها. قد تظن في حملقته تلك أنه مغرم أو مجنون يفتعل حركة النظر في ﻻ توازن هذه. فعﻻ، يعشق الحصة اﻵن في شغف و هو يتابع في تركيز، كثيف حديثها عن موضوع قد يمس صباه في ذكرى أضحت تعاوده في رعشة بين الفينة و الأخرى. وفي تناسق حركة الجسم مع نغمة الكلمة و نور الفكر حيث هدوء الحضور من الطلبة، تلقي محاضرتها ذات العينين الزرقوتين والشعر اﻷشقر المتسلسل الناعم، وكأنها تريد بذلك إلقاء قصيدة شعرية غزلية. مازالت أركان المادة تشد الطالب وحيد في اهتمام و تأثر كبيرين وهي تتمايل أمام الطلبة في تراقص بﻻ مباﻻة و كأنها ثملة في سكرة تشرح النقاط اﻷساسية اﻷربعة بخصوص علم التربية الحديثة. شرح المحاضرة السويدية كاميليا أندرشون في سكنات الفصل الذي كان يسوده سكون أبنائه من الطلبة الذين كانوا يتكونون من خمسة عشر طالب و طالبة، جعل وحيد يدخل في حالة هبنوزية تخترق ما وراء الزمكان، ليهيم به ذاك كله و ينقله في سهو بين طيات الطفولة المدرسية و ذكرياتها..

القسم الرابع ابتدائي عند المعلم قسمان.

الصباح الباكر من الموسم الدراسي لتسع مائة و ألف و سبعة و سبعين ليس ككل اﻷصبحة، حيث السكوت التام، إﻻ أنه ليس كهذا الذي يتملكه الآن.

الصمت هناك بداخل الفصل كان يتخلله سكون مميت تلفظ اﻷطفال معه أنفاسها، إذ أن كل أنواع العصي و السياط اتخذت لها أحسن مكان بخزانة السيد قسمان، معلم اللغة الفرنسية بمدرسة بﻻل في حي بورنازيل بالدار البيضاء. أشبه ما يكون بجﻻد سجون وهو يمارس هواية العقاب في كل صباح كان يبدو قاسم اﻷطفال، اﻹسم على مسمى. ﻻ شيء سوى الرعب و الخوف بالفصل رقم عشرة، الذي كانت تمارس فيه كل أنواع العذاب و التمييز.. لم يكن للسود حظ في هذا القسم، حيث أقصوا بأحد الصفوف اﻷربعة البعيدة عن مجلس المعلم، صحبة الكسالى و ذوي المﻻبس الرثة من أبناء المعوزين القادمين من أحياء الصفيح. صف سيلتحق به التلميذ اﻷبيض البشرة رشيد في ما بعد بسبب اسمه العائلي لكحل. و في هجر تام لم يكن لهؤﻻء الجمع من اﻷطفال حق في المشاركة بمعظم الحصص عدا ساعة العقاب ضربا بالسياط أو إحدى تلك العصي حتما، و التي كانت ترتعش لها فرائسهم.. "سبيس دي كوشو نوار" ياخنازير السود، كانت هي العبارة الفرنسية و الشتيمة التي يخاطب بها المعلم قسمان تﻻميذته المهمشين في فصله. عبارة سيورثها لزميليه في التعليم، المعلمان منصور الطويل و الطامزي ذو العصبية الحادة الهيستيرية المعروف بها، و اللذان كانا بدورهما أداة عذاب لنصف جيل بأكمله مر بهذه المحطة المرعبة قبل سنة تسع مائة و ألف و سبعة و سبعين.

وحيد، طفل أسمر من أصول صحراوية بفيﻻلة، نحيف البنية و ذو الحادية عشر ربيعا. وراء صمته الدائم كانت قصة والدته التي كانت تهجر بيت أبيه و إخوته السبعة على الدوام. هذا الهجر الذي سيطول في ما بعد إلى اﻷبد حيث ﻻ أحد سيعرف لها أثرا. ترى على محياه مسحة من الحزن، ولون السمار يبدو أحيانا إما داكنا أو ذابﻻ بسبب الجوع و الخوف الدائم من موجه دعوته المعلم قسمان. الحقيقة أن التلميذ وحيد عرف إقصاء فيما بعد حتى في صف محرومي قسمان. زمﻻء الفصل كانوا ينادونه "ولد الفاعلة" لسبب غياب أمه الدائم والذي كانت تعلمه كثير من أمهات هؤﻻء الصبية الخنازير من فصيلته.. لقب ولد الفاعلة كان أشد وطأة من هذا الذي كان ينعث به هو و رفقاؤه من طرف المعلم قسمان. هو يعلم علم اليقين أن أمه بريئة من افتراء زمﻻئه، حتى وإن لم يكن يفقه ذاته سبب الهجر ذاك.. فضﻻ عن أنه كان دائم السكوت، فهو كان يسهو كثيرا بنظرات ضائعات كما لو كان يبحث عن شيء. سهوه ذاك كان عادة سبب عقابه في عديد من المرات. إلا أن هذه المرة ارتمى على الأرض وفمه يسيل دما، ﻻ تستطيع أن تميزه عن رعافه اللذان غطيا وجهه تحت ركﻻت المعلم قسمان في ذلك اليوم الذي كان ذكرى مغادرة أمه بيت أبيه.. الذكرى، يريد الطفل أن يعيش معها مﻻمح أمه التي كان يتفقدها في تحسس بنظراته تلك، والتي ستكون أحد أسباب التنكيل به.. كأنه يسجد في انحناء ارتمى الطفل وحيد على الأرض بالصف الخلفي وراء زمﻻئه من الشاكلة و هو يئن في ألم و في أنين صوت كأنه ما بين أزيز النحل و صوت الطنين بل، و كأنه يتفوه في وجع أمي أبي، ملقى بجنب الحائط..

فرص الدراسة في السويد.


السيد وحيد ما بك؟ ما الذي يبكيك؟ يصحى الشاب ذو المنكبين القويين و الصدر العريض اﻵن على سؤاليها في رعب يظن أنه في فصل المعلم قسمان. . و في ذعر مازال يﻻحقه و حزن معا يتعتع، ﻻ شيء س..يدتي كاميليا.. تذكرت فقط أ..مي..ممعن النظر من جديد إلى محاضرته و كأنه يتوسل الرحمة...

كلمة آسف بها ينهي مبرره متابعا الحصة من جديد.

سي س ن، csn هيأة حكومية سويدية تهتم بنفقات الطﻻب المدرسية. يحق لكل تلميذ أو طالب يعيش في السويد و ابتداء من سن السادسة عشر، الحصول على نقذية مدرسية في كل شهر تقارب اﻷلف و ثلاث مائة كرون سويدي، كما يحق لكل الطلبة الجامعيين أو حتى اﻻستدراكيين على مستوى الثانوية من الكبار االذين تتراوح أعمارهم مابين الثامنة عشر و إلى ما ﻻ نهاية الحصول على إعانة أو حتى قرض مدرسي يؤهله للعيش الكريم تتقاضى عليه الدولة ضريبة رمزية تخبر السيدة كاميليا شيئا من هذا الطلبة حيث وحيد مازال يمعن بكل اهتمام. خبر حصوله على اﻹعانة الخاصة و التي يخصصها المعهد بتعاون مع البلدية لتفوقه الدراسي أعاد إلى الطالب وحيد السرور من جديد.

مناهج التربية و التعليم في السويد.

السويد شأنه شأن بقية الدول المتقدمة، بلد استطاع أن يفرق بين الثقافة و التربية. فالتربية في المدارس و المؤسسات التعليمية السويدية تأخذ في معانيها تلك الصورة اﻷفﻻطونية حيث إعطاء الجسم و الروح كل ما يمكن من الجمال والكمال، وﻻ أحد له الحق في إفساد هذه التركيبة الفلسفية حتى و إن كان المفسد الوالدان.. فالتربية بهذا المفهوم تنمو عبر مراحل في قناة رئيسية إسمها الثقافة والتي يستمدها الطفل من شبكات فرعية عدة بدء من البيت والتلفاز و المدرسة فمرورا بالجمعية الرياضية فالصديق الذي عادة ما يحصل عليه من هذه الأخيرة أو المدرسة. الثقافة هي تلك المعرفة التي تؤخذ عن طريق الإخبار والتلقي والاستنباط في شكل متناسق مع ما يسمى التربية. هذا التناسق في تكوين أكاديمي يؤدي في ما بعد إلى تحصيل علمي بالمؤسسة التعليمية، حيث إجماع هنا أن العلم هو المعرفة التي تؤخذ عن طريق الملاحظة والتجربة والاستنتاج مازال يتابع الطالب وحيد شرح المحاضرة السيدة كاميليا أندرشون قبل أن تخلص الحصة ليخرج من الفصل منشرح الصدر و هو يعلم أنه لن يعود إلى فصول قسمان، منصور أو طامزي.. كما أنه لن يحضن أباه. هذا الأخير الذي كان قد هجره مباشرة بعد رحيل أمه بسنتين و الذي علم بوفاته من وقت قريب.

وما إن تذكر تسجيله بالقنصلية المغربية والذي لم يكتمل في المرة السابقة حتى انتابه الذعر من جديد. فتعسفات مبارك هناك تذكره بظلم المعلم قسمان والسفارة أضحت لديه كالفصل رقم عشرة. ليقرر أن ﻻ يذهب و يكتفي اليوم بحزنه على أبيه.. يطأطئ رأسه وهو يهمس بصوت خافت في دعاء، رحم الله أبي

شعر: عامية – فصحى: الدنيا حلوة بقلم/ هبة عبد الفتاح


الدنيا حلوة من حوالينا

دى حقيقة واضحة ادام عينينا

افتح قلبك و حب الناس

و خلّى معدنك زى الماس

و حتى لو حد ضايقك في يوم اعمل انك ناسي

و متخليش قلبك أبدا قاسي

اضحك دايما و خلّى البسمة على وشك

و ابعد عن كل انسان حاول انه يغشك

كن متفائل بحياتك و جدد فيها

دى الحياة بنعيشها مرة و بكره تندم عليها

ثق دايما ان ربنا هيديلك نصيبك

و اتعلم من اى مكروه يصيبك

اضحك و ابتسم للدنيا من حواليك



و خلّى الفرحة دايما جوه عينيك

شعر: عامية – فصحى: آهات المحن بقلم/ محمد كظيمى


قصيدة مقفى 

حسبت الناس أهلي ومن لي، فيهم ود فمال نصيبي عن الوصال.

أن ظننت اﻷرض لي مطرحا، و ما لي فيها غير ما ﻷهلي و الأحباب.

سافرت بﻻد الدنيا أقتات عيشا فأجعت الفؤاد حسبي من الجياع. 

فﻻ الشريك من الحزن أشفاني و ﻻ بعد اﻷوطان أنساني في اﻷتراب.

مسكين من كال مده من الدنيا و كان صاعه ما بالغربال.

يحسب الصاع صواعه و إن جادت الأرض ما باﻷنقاب(1).

يا ساعيا في البسيطة جل كما شئت و اسبغ للغذ عودة في اﻷوتاد.

إن اﻷغصان تزهو بأرض إن الجذوع تغيب في أحقاب.

فمن تمزقه اﻷيام مثلي من رتقها يبصر حياة بمنظار.

ﻻ يخاط فتق دهر و لو بمخياط حكيم من كل اﻷقطاب.

و من لم يسعفه حظ في دنياه فتى حبى في اﻹبكار.

يعد الكرة كهﻻ، إن الحياة تؤخذ أسبابا ﻻ بالعتاب.


(1) نقب جمع أنقاب، و هو الطريق الضيق بالجبل.

شعر: عامية – فصحى: الأرض بقلم/ عبد الخالق منصور


الأرض ضاقت و الفضاء بأمّتي ******* و قلوبنا بلغت الى الحلقومِ

فلقد سئمت العيش في زنزانتي ******* فالعيش فيها مؤلمٌ كجحيمِ

في معصمي قيدٌ و في امنيّتي ******* قيدٌ ليمنعها من الاحلامِ

و عيون جلادي تهُزُّ مروءتي ******* قد الجمونا ايّما إلجامِ

و قسوة السجّان زادت رغبتي ******* في الموت كي انجو من الآلامِ

كثرت معاناتي و قلّت حيلتي ******* فالسجن خلفي و الممات امامي

و دقائقي طالت فزادت كربتي ******* و الشهر عندي صار كالاعوامِ

انات صدري اصبحت اغنيّتي ******* و صدى السلاسل اصبحت انغامي

خارت عزيماتنا و جفت دمعتي ******* و الحزن اذهب راحتي و منامي

و الهم في قلبي يبدد قوتي ******* و الجوع حطمني و هد عظامي

و مصيبتي اني و كل احبتي ******* في وسط هذا السجن كالاقزامِ

و الدمع في عينيّ حرق وجنتي ******* فاحـبتي يتألــّموا قــدّامي

كيف السبيل و كيف انقذ إخوتي ******* و انا الملقب بالفتى المقدامِ

اسفي عليّ فقدت كل شجاعتي ******* و عدو ديني جرّني بزمامي

يا امّتي من ذا يحل قضيتي ******* فقضيتي قد اثقلت اقدامي

يا امّتي ردّي اليّ عزّتي ******* و لتنقذوني من لظى الاجرامِ

يا امتي فلتُرجعي حرّيتي ******* حتى وإن امسيتُ دونَ طعامِ

يا امتي عودي لرب العزّةِ ******* و تمسّكي بعقيدة الاسلامِ

فإذا رجتي سو تُشفى عِلّتي ******* و لسوفَ احيا دائماً بسلامِ

و إذا دنا اجلي و ذقت منيّتي*******سأنامُ في قبري بخيرِ منامِ

و إذا بعثتُ فمنزلي في الجنّةِ ******* و يكون جاري سيّدي و إمامي

و الحمد لله القوي ذي المنّةِ ******* الواحدِ القهارِ ذي الإكرامِ



ثم الصلاةُ على نبي الامةِ ******* و الآلِ و الاصحابِ خيرِ انامِ

شعر: عامية – فصحى: جنتي في صدري بقلم/ عبدالخالق منصور


أنا إن سُجِنتُ فإن سجني خًلوةٌ****فيها اناجي الله ليلَ نهارِ 

و إذا طُردتُ فإن طردي رحلةٌ****وسياحةٌ في معظم الاقطارِ 

و إذا قُتِلتُ انالُ خيرَ شهادة****و يكون في اعلى الجِنان قراري 

فافعل بنا ما شئتَ إني جنتي****في داخلي و حسيبُنا القهّارِ 

لا حبسُنا يُجدي و لا طردي ولا***قتلي سينفعُ شلّةَ الاشرارِ 

أنا مسلمٌ و عزيمتي لا تنثني****أنا مؤمنٌ بالواحدِ الجبارِ 

قرآننا هو منهجي و نبينا****هو قدوتي معَ آلهِ الاخيارِ 

أنا مذهبي دينُ الالهِ و ملّتي***هي ملّةُ الاسلامِ و الاطهارِ 

فالحمد لله الذي اعطى لنا****ديناً ليرفعنا من الاقذارِ 

ثم الصلاةُ على النبيِّ محمدٍ***خيرِ العبادِ و سيّدِ الابرارِ 



اليمن- محافظة صعدة

القصة القصيرة: لهذا أيضا أنا أحب الأبلة إيمان بقلم/ شريف سمير

ذبابة.. ذبابة في أنفي، تدفع نفسها صعودا، ذبابتان أمام عيني، ذباب عديد، هش الذباب يتطلب يدا ويداي تتشبثان برأس أمي ، تزحزحان طرحتها، بينما تتدلى ساقاي علي صدرها وظهرها كأنهما تلفيحة أبي. لم تعد تحملني بين يديها كما كانت تفعل في السابق، صرت أثقل من أن تتحملني ذراعاها، تحملني علي كتفها الذي يؤلم مؤخرتي، تسند ظهري بيد و تحمل حقيبتي المدرسية باليد الأخري، وتضرب بقدميها الأرض باعثة هبات من الغبار الندي ذي الرائحة الأليفة الخانقة، أري جبهتها تنتج العرق مع ما في جو الصباح الباكر من برودة، أراها تبتسم من تحت أنفها أم أنها تكشر ألما؟ تقول : الشنطة تقيلة قوي ياحمد، فيها ايه؟ فأتذكر الكراسة الجديدة فأقول بمجهود أستجمع له العون من كل جسدي، مجهود تهتز له رأسي ، وتلتوي ذراعاي فتضطر أمي إلى إسناد ظهري بحرص أكبر: ألاسة تديدة ببـ بس، واحدة بس.
تركني العيال وحدي في الفصل و خرجوا جريا إلي حجرة الحاسب يتسابقون بسيقانهم الصلبة، أنا لا أحب السيقان الصلبة، أحب السيقان الطرية، سيقان او سوق الكلمتان صح جمع ساق كما قالت الأبلة إيمان، أنا أحب الأبلة إيمان كثيرا خاصة عندما تحملني بين ذراعيها ، رائحتها حلوة، لا كرائحة أمي، ليست حلوة كرائحة الصابونة، أحلي، وليست كرائحة المدينة المنورة التي يضعها أبي حين يشد البردعة علي الحمار و يأخذني أمامه أحيانا. عاد بعض الأولاد مندفعين متصايحين و حملوني فيما بينهم من ذراعي وساقي، خامس حمل حقيبتي، في هذا الوضع بان سقف الفصل أمام عيني، ثم سقف الطرقة ثم السماء، أري جذوع زملائي تتمايل حولي كعيدان الذرة، أري وجوههم تصحبني عبر السحب والنور المبهر، أعجبني ذلك ولم أكن أريد لهذا الوضع أن ينتهي، وسمعت أحدهم يقول ضاحكا: أحمد المحمول بتاع الفصل، أعجبني ذلك جدا.
كانت الأبلة إيمان تصر علي أن أقرأ عندما يحين دوري في حصة القراءة، ولقد كنت أحاول جهدي أن أقرأ من أجلها فتخرج الكلمات من فمي حروفا متناثرة ، كما أن رقبتي تلتوي غصبا عني فتأخذ عيني بعيدا عن الكتاب، لكنها ذات مرة جلست بجواري و طلبت مني أن أقرأ قراءة صامتة، قالت : يعني تقفل بقك، و تقرا بعنيك، أنا مش عايزة أسمعك ، عقلك هو اللي هيسمعك. لهذا أيضا أنا أحب الأبلة إيمان.
كنت أقرأ، حين سمعت أحدهم يصرخ في التليفزيون، نظرت فرأيت رجلا بلحية هائلة يخبط يديه علي المكتب أمامه صارخا: المرأة محمولة على أقربائها، أعجبني ذلك، أتمني أن أقابل هذه المرأة المحمولة مثلما أنني أحمد المحمول، بل الأحلي أتمني لو كانت الأبلة إيمان هي المحمولة.

شعر: عامية – فصحى: أسير الدموع بقلم/ جواد الدريويش


اقترب من الأقصى وبكى

بكاء اليتيم و الحزين

وقال له كلما حاولت النسيان

ولدت دمعة في عيني اسمها فلسطين

كلما تمنيت لو لم تكن في مدينتي

رفض قلبي أمنيتي

كلما جاء الليل بظلام

يضل ولا يهدي

صرخت في وجه الشمس

لماذا تركتني لوحدي

كلما جاء الشروق

صرخت في وجه الغروب

لماذا العذاب

فانا لست بأيوب

كلما سألتك يا أقصى

لا تجيبني إلا بصمتي

فأجابه الأقصى

لا تبكي فان النصر سيأتي

وزار قبر أمه

وقد جعل من يديه منديلا

يجف به دموعه

وقال لها يا أمي

إن الله لدعائك قد استجابة

إن النصر قد اقترب

وحكى أحزانه للقمر

وصاحب الليل والسهر

ومشى في الظلام

واشتاق للسلام

حتى رسمت دموعه نهرا على خده

ورفع عيناه للسماء

فرأى نجمتا تشتعل

فابتسم ابتسامتا كالزهراء

التي بجانب واد تتفتح ولا تذبل

رأى أملا في تلك النجمة

التي بين عيناه تنتقل

قال إن الليل إذا راني يجهلني

وان النور إذا راني يشتعل

وان العين لأجل أهلي تدمع

وان القلب لأجل الأقصى لا يصبر ولا يحتمل

أسير الدموع وأسير الأقصى

حتى ولو كان العالم كله ضدي

فانا سأتحداهم لوحدي

فانا طفل الحجارة

وأنا من جعلت منك يا فلسطين



ملكة لا تقبل الخسارة

شعر: عامية – فصحى: نظرة بقلم/ أحمد البحيري

تغيرت بها معالمُ القلبِ

وإنتقل إلى عالمِ الخيالْ

يهفو ويرفرفُ إشتياقاً 

لفتاةٍ تحملُ معنى الجمالْ

أصابت قلبي بسهمِ الشوقِ

وخروجُ السهمِ شئٌ محالْ

وحين أقتربُ لأتحدث

تُبنى على لسانى الجبالْ

وصرتُ وحدي في ليلٍ 

أسبحُ فى نهرِ الآمالْ

وتجالسَنى إبتساماتها على الوسادةِ

ويرافقني لسانُها شريف المقالْ

ويختصمني النومُ في الليلِ

ويتركني طليقا ًأشكو الضلالْ

يزورني المحاقُ ويرحل

ويمر البدرُ ويداويني الهلالْ

وأنا أفكر وأتأمل ويكاد

عقلي ينوي الرحالْ

ويأتي اليومُ المرتقب ُ

ويستقبله قلبي بالإبتهالْ

ويشاء القدرُ أن يمنعني



وكأن الحلم صعب المنالْ

القصة القصيرة: الخائن و الجشع بقلم/ أحمد بن محمد طبابي

...كان عقبة أول من راوده النوم هذه الليلة، بعد طريق طويل طوته قدماه. افترش شطر البطانية و التحف بالشطر الآخر و لم يترك للبرد منفذا . أما نصير فقد كان البرد يأكل من جسده أكل الجارح من فريسته. هو لم ينعم بالدفء بعد. حتى النار التي أشعلها تطايرت شرارتها بسبب الرياح الهائجة. استعطف رفيقه عله يشفق على حاله التعس لكنه لم يسمح له بمشاركته في الغطاء. انتصف الليل و لم ينم نصبر حتى الآن، لف جسده بالبرنس البالي كما كان يفعل من قبل. لكن هيهات. لم يجدي ذلك نفعا. حتى عشير العمر هذا لم يغني عنه شيئا و شاء القدرأن يذق لونا من العذاب كما ذاق صاحبه بالنهار. ارتعشت أوصاله، تجمدت أنامله، أحس بأصابع أطرافه قد ماتت و اصطكت أسنانه ببعضها وانتابه سعال مسترسل. تضرع الى السماء و جاهر بالنذور، استغاث بخالقه كي يخفف عنه من العذاب فلم يجد أفضل من التسليم للقدر و التعلق بالصبر. لوكان يعلم أن البرد سيبلغ هذا المبلغ من الشدة في هذه الليلة البليلة لدفع ما دفعه مقابل ذلك الحمار و أكثر فيما هو أحوج اليه الآن.امتلأ قلبه حقدا وبغضا على جاره. فكان أقرب الى استنباط الشر له أكثر من أي وقت مضى. فماذا وسوس له شيطانه هذه المرة؟ و ماذا ينوي أن يفعل يا ترى؟

استل نصير من قلب النار المستعرة عودا، ودسه في بطانية جاره الغائب عن الوجود. ثم تظاهر بالنوم. ما هي إلا لحظات حتى مدت النار لسانا جشعا و التهمت جزءا من البطانية فكادت تدرك لحم صاحبها الذي استفاق على رائحة الدخان.

استفاق عقبة مذعورا مستنفرا و أخذ يحث التراب على النار حتى خمدت. نظر حوله كانت كل الدلائل تشير بإصبع الاتهام الى صاحبه. فموقد النار كان أبعد من أن يصل اللهب الى ما وصل اليه. اغتاظ عقبة كثيرا من كيد رفيقه الذي لايزال يضمر له العداوة و البغضاء. ولما أيقن أن هذا الرجل لن يتغير طبعه الخبيث أبدا، قرر أن يرد له الصاع صاعين و يكيد له كيدا أعظم.

قبيل الفجر بقليل اتجه عقبة صوب الحمار البائس وكان صاحبه قد أخذته غفوة بعد ليلة طويلة، قاسية لم يذق خلالها طعم النوم و لا حلاوة الدفء.استل خنجرا حادا من تحت ازاره و شد رأس الحيوان المستضعف بشراسة ثم قطع له شفتاه بلا رحمة و لا شفقة و تركه ينزف دما. بألم طويل ضاق به الوادي الفسيح، فتح الحيوان البريء فكيه على الاتساع و رفع عقيرته بنداءات الشكوى الى المجهول.

عند الشروق أفاق نصير وهو لا يعلم شيئا عما لقيه حماره المظلوم من ويلات العذاب لساعات. استعجل أمره، و بصوت مفزع أيقظ رفيقه:

- عقبة..عقبة..انهض...انهض...بطانيتك احترقت يا صديقي ...انظر....

فتح عقبة عينيه و هو الذي لا يدري أنه كان أظلم و أطغى عندما استضعف مخلوقا بريئا وزر وزر مالكه. ثم قال لنصير:

- رأيت ذلك يا عشيري..و ما نبهني اليها هو حمارك الذي ما انفك يضحك على حالي منذ الفجر.

التفت نصير الى مربط الحمار و قد انتابه ذهول عميق لما في المشهد من قزازة، حمار بلا شفاه...حقا المنظر مقرف و معيف. عجزت عن رسمه حتى الطبيعة بعظمتها إلا أن هذا الانسان الضعيف استطاع أن ينحته بظلمه.

ظل نصير باهتا في أمره . لم ينطق و لو بكلمة واحدة. ماذا عساه أن يقول بعد هذا. هو غير ملزم لا بالاعتذار و لا بالقصاص كل واحد منهما اقتص من صاحبه على طريقته المفضلة. واحدة بواحدة حتى يقطع القدر هذه الرفقة المشؤومة.

شعر: عامية – فصحى: ويعود الليل بقلم/ مراد طهوري

ويعود الليل في بلادي ...
وأنا ألبس الظل ...
أتلون كسحاب أسود مخيف ...
سحاب يمطر في كل يوم عيد ...
أرتشف قهوة الصباح .. المساء ...
قهوة الظهيرة المرة ...
كيف حالك يا فل ...
ويبدأ العسل ...
تغني نادين أغنيتها  الحلوة ...
وتنادي الطيور تارة بأعلى صوتها ...
وتارة اخرى ترمي القمح بعيدا على الجدران ...
فتبدأ الرياح القوية تدخل الكنائس ...
لتدق الأجراس بقوة الملل ...
معلنة عن سواد متعب يجتاحها ...
سواد يحتل قلوب الضعفاء ...
الأبرياء ...
بل قل عشاق البحر ...
السفن أعلنت مسارها والبواخر في كل مكان  ...
وقوارب الصيد تبحث عن رغيف ...
رغيف يبعد الكسل ...
البحارة ألهمهم البحر فغنو له اغنية  من أغانيهم الحزينة  ...
وترى الحوت من كثرة الشباك في البحر مفجوع  ...
يرقص رقصة الخوف والحذر ...
الرصاص ..الرصاص ..
الرصاص في كل مكان ...
في الأرض ..الجو ..
البحر ...
ومازلت ألبس الظل ...
وعيون الشمس تبكي شوقا ...
تنادي السماء .. تنادي الإله ....
هي تنادي الكل ...
لعل الجو يغرد صاح ...
والعصافير قد إبتسمت  لحشيش الأرض ...
تراها باللألحان تطير ...
وفجأة توقفت البنادق عن صوتها المزعج ...
وتنفست القرية السعداء ...
لتعلن عن نهاية فصل الربيع ...
وبداية حلم الشمس التعيسة المذل ...
فأنحنت جيوش الشرق ..الغرب ..
الشمال .. الجنوب ..
لقد إنحنت للسلام ...
لتسمع  كوكب الأرض ضاحكا يخلد إلى النوم ...
وهو بأضواء الهدوء  مضيئ ...
فترى كواكب الكون كئيبة تبكي حظها ..

تحي الأرض بالتصفيق ...

الاثنين، 10 فبراير 2014

دراسات و بحوث: قول في الرواية القصيرة جدا بقلم/ حميد الحريــــــــــزي

           شهادة  ميلاد  خارج محكمة الدينصاورات

الاجناس الادبية – الولادة والتطور – الثبات  والتحول
لم تأتي  الاجناس  الادبية  منزلة  من السماء ،  لم تولد مرة واحدة في  حجر  المبدع  الانسان ، انما  هي   كانت منذ البدء  مرادفة الى احساسات   وهواجس  الانسان  ضمن  فترة زمنية  معينة ، متناسبة مع  ظروف  اقتصادية واجتماعية  محددة ، حيث يجد الانسان انه بحاجة الى التعبير عن افكاره  وأحلامه  وطوماحاته  بهذه الطريق  او  تلك ن ولاشك  انها كانت  عبارة  عن حركات  والتواءات  واهتزازات للجسد ، تتوسل  او تغري او تخيف  وحسب علاقة الانسان بالمخاطب ............
لا نريد ان نسهب  في  عرض تاريخ الاداب والفنون  ولكننا نريد ان  نوضح  عملية  التطور  لهذه الاداب  والأجناس  من جنس  الى اخر  .... الشعر  والحكاية والرواية  ، قصيدة العمود  والحر  والنثر والنص المفتوح ......
القصة  الطويلة  ، القصة القصيرة ،  والقصة القصيرة جدا ......
وهنا  لا يمكن ان تختلف  الرواية  هذا  الفن المديني  بامتياز  عن  بقية  الاجناس   الادبية ..... فالرواية  ولدت  بإحجام  وأساليب  مختلفة  وكتبت وفق مدارس  ادبية وفنية مختلفة   ... فهناك الرواية الطويلة جدا   والمؤلفة من عدة اجزاء ،  والرواية  الطويلة ، الرواية المتوسطة ، الرواية القصيرة ........... وهنا  فلا غرابة  ولا  شذوذ  ان   يولد جنس    روائي  يحمل  اسم الرواية القصيرة جدا
ففي  بداية كتابة الرواية التي رافق عصر التنوير  ونهوض البرجوازية الاوربية   ، وشغفها الكبير في اكتشاف  المجهول  والبحث في ادق  التفاصيل   ، سواء  في الطبيعة  ومتطلبات السيطرة عليها  عبر  تملك ادق التفاصيل  عن  مكوناتها  من  مياه وبحار ونباتات وحيوانات   ،  ومكونات التربة  واكتشاف  المعادن المختلفة وخصائص كل منها ،  الضرورة الملحة  لكي يمد الرأسمال  نفوذه في كل  ارجاء المعمورة ، تطلب دراسة اساليب حياة البشر  وعاداتهم  ، مسكنهم ،   مأكولاتهم  ، درجة تعليمهم  ، ما يحبون  وما يكرهون ، دراسة تفصيلية  لنفسياتهم .... كم  يكتشف خواص   احد المعادن   لغرض  تطويعه   واستخدامه  في  مختلف الاغراض الصناعية والزراعية والحربية ....
ان الحاجة  للإيغال في التفاصيل  انعكست  بشكل   كبير على الادب  وقد استجابت  له   استجابة كبيرة  واشبعت  فضوله  الرواية  الطويلة ... التي لم   تترك  شاردة ولا واردة  صغيرة او كبيرة إلا   ذكرتها بخصوص  اسلوب  حياة الشخصيات  وعاداتهم   ملبسهم  مأكلهم   معمار البيوت  والمدن التي  يسكنوننها .... الخ .. فمن يقرأ احدى هذه الروايات  يستطيع ان يكون صورة  شبه  كاملة عن  احوال  الناس   موضوع الرواية  ومعرفة ادق  تفاصيل حياتهم بما فيه  شكل  افرشتهم  وغرف  نومهم  وأثاث  بيوتهم ..... كان الكاتب يضطر للسفر الى هذه  الاماكن  مهما  بلغت من البعد  والاختلاف عن بيئته ، يعبر البحار ويقطع  القفار  ليكون  صورة واضحة   عن ابطاله  لتكون  كاملة   مكتملة امام  انظار   القارئ  ... فلم تكن  وسائل  الاتصالات   متطورة  بما فيه الكفاية  ولم  تكن   الفضائيات  ووسائل نقل   الصورة  كما هي   في عصرنا الراهن .....
التكثيف والاختزال - 
الرواية القصيرة والقصيرة جدا ولادة زمن   ملال
وكلما  تطورت تكنولوجيا  المعلومات  ووسائل  الاتصالات  كلما  اخذت  الرواية تتقلص  وتختزل  العديد  من التفاصيل  التي  اصبحت  زائدة  ولا تضيف  معلومة غير معروفة للقارئ  وقد يرى فيها  امرا  زائدا  مملا  لا حاجة له به .....
وهكذا  جاءت القصة القصيرة  اختزالا للقصة الطويلة  ومرادفا  محبوبا   للرواية الطويلة  وحتى عن الرواية  بحجمها المتوسط ، ناهيك  عن  ازدياد عملية تخصص  العلوم  لتكون   فروعا  دقيقة ضمن  العلم الواحد  سواء في العلوم الصرفة  او  في العلوم الانسانية  وما اليه ، هذا الامر تطلب  ولادة جنس ادبي  يسلط الضوء  على  فئة بذاتها   او  شخص بذاته خارج  الجماعة .....
فكانت  القصة القصيرة  تدور احداثها  حول  شخصية محورية واحدة ، تبدأ لأجله  وتنتهي   بما آل اليه ، ثم تطلب الامر  تجريد  هذا  الفرد  من  الكثير من ديكوراته  واكسسواراته  لأنها  اصبحت  زائدة  عن   الحاجة  ، مما  استولد  جنس القصة القصيرة جدا ، حيث الاختزال  والتكثيف  الشديدين  بحيث   لم تزد بعض  هذه القصص على السطر الواحد  او عدة كلمات   فقط ... وهنا  لا يمكن ان تكون  الرواية بمعزل  عما  وصلت اليه  القصة  ، حيث اخذت   شجرة الرواية التخلي  عن العديد  من الفروع الزائدة ،  والفروع  تخلت عن العديد  من  الوريقات  الفائضة  عن   الحاجة  ولم تبقي  إلا  ما  هو ضروري جدا   للثمرة ، التي  اخذت تزداد  حلاوتها  حسب درجة تمنعها   وعدم  مطاوعتها  المتلقي  بسهولة ، فأكسبته  متعة  بذل  الجهد المشتهى  لقطفها  والاستمتاع  بطعمها ، رغم انها اختزلت  له   زمن القراءة ، في حين  وسعت له مدى الرؤيا  ورياضة الفكر ....
وفق هذا المنطق  وهذه الحيثيات  لتطور  الفنون  والآداب  وتحولاتها  ضمن مسيرتها التطورية  يفترض ان تكون  مفهومة  جيدا  بالنسبة  لذوي  الاختصاص  ،  ومن  يحتسب  على الاكاديمين  ومن حملة  الدالات  عموما   ومن المهتمين  في  الادب  خصوصا ، ولكن  الغريب حقا  ان  تجد  من  ينكر على الاديب  والمبدع   محاولاته  ومغامراته  التجريبية والكتابة في جنس ادبي  ان  لم  نق   غير مسبوق  فهو غير شائع ، وتقع كتابة الرواية القصيرة  جدا  ضمن هذا الحقل التجريبي في الادب ، ولأنني ازعم انني  كتبت اكثر من رواية قصيرة  لاقت  بعض الاستحسان   والقبول  من قبل  بعض  النقاد  في العراق وخارجه ، اي حصلت  على   شاهد اثبات ولادة  وشرعية وجود  مثل  روايتي  القصيرة جدا ((القداحة الحمراء))، وهي  رواية تحكي  معناة  قوى اليسار العراقي   ومعاناة  الشعب الكردي  زمن الديكتاتورية ،  وسط  بيئة  اهوار جنوب العراق  حيث   هجر الاخوة الاكراد قسريا  الى  هناك  بعد  انهيار  الثورة الكردية  عام 1975.......
 ورواية  قصيرة اخرى  بعنوان ((ارض الزعفران)) وهي  رواية   وفق  المنهج  الغرائبي  والواقعية السحرية ، يهتم  بتغيرات القيم  الاجتماعية  وتحولات  البنية الاقتصادية  الاجتماعية   وأثرها  على سلوكيات  وطبائع  الناس ......
اقول  المفارقة اننا  نجد من الاكاديمين  المحسوبين على الثقافة والادب ، من  يستنكر ويستكثر  ان لم يحرم  على  الاديب   خوض   مثل هذه  المحاولة الابداعية التجريبية ودون  ان  يقرأ  ويطلع  على نصوص  الرواية  القصيرة  والقصيرة جدا  ولم يطلع على اراء النقاد  فيها  ..
 نعم  ان هذا  الجنس الادبي  غير شائع  على  ساحة السرد  العربي  عموما والعراقي خصوصا  ولكنه  موجود  وقد اتى واثقا من  شرعيته  ، ليس تهويما  او عبثا  ابداعيا   بل   كضرورة  جمالية  تطلبها  زمن  اختزل  كل شيء  المكان والزمان  واختزل المسافات ،  ولاشك  بانه  لازال بحاجة للتقعيد  والتنظير  وترسيخ  اسسه  وتآلفه مع  الاجناس الادبية  الاخرى  وخصوصا السردية ، فلا ثابت  إلا  المتغير  .. وخصوصا  في مجال  الادب ، لأنه   المتجاوز دوما  وعابر للتقليد الراكد ،   الحالم  المتطلع  نحو المستقبل  ،   عابر الواقع  بالمتخيل ،  وعابر الساكن  بالمتحرك ..... ولنا في  الشهادات   التالية للعديد  من النقاد  وقولهم بشرعية  هذا الجنس الادبي  الرائع ، هذا الجنس المعبر عن حاجة موضوعية ،كما اوضحنا   انفا ، انه وليد  تقاس جماليته  وعافيته  و مناعته  على قدرة المبدع  على التركيز  والتكثيف  والاختزال  وعمق  الفكرة  وقوة الحبكة  ورشاقة اللغة ...... ولابد انه  قد حصل على  شهادة ميلاده  خارج  محكمة الدينصورات ......
وكما  كتب (( سعيد يقطين )) قائلا (( ان للروائي الحق في ان يكتب وفق اي خيار يشاء )) ص87 قضايا الرواية العربية  الجديدة – الوجود والحدود .
قالوا في الرواية القصيرة  جدا :-
قال الاستاذ الدكتور عبد الاله الصائغ  عن الرواية القصيرة جدا في   مقال  بعنوان ((فليحة حسن هل بشرت برواية قصيرة جدا ))عن رواية ((نمش ماي)) :-
((الرواية القصيرة جدا مواسم قادمة مصطحبة معها مبدعيها ونقادها ووسائلها لنجومية الجنس الجديد(( ! .
وقال أ.د. عبد الرضا علي   في مقالة حول رواية  الاديب العراقي  سلام كاظم فرج  القصيرة جدا ((مكرو نوفل )):-
((((فهذه الـ" مكرو نوفل"  أو " الرواية القصيرة جدّاً" التي كتبها سلام كاظم فرج قد بُنيتْ رمزيّاً: (حبكة ً وأبطالاً وموضوعاً)، فاختصرت أربعين سنة ً من عمر البطل وتأريخه النضالي في خمسةٍ وعشرين سطراً ليس غير، من خللِ صعوده لحافلة النضال،ونزوله منها))  أ.د. عبد الرضا علي   حول  ((مكرو توفل )) رواية قصيرة جداً  لسلام كاظم فرج    المثقف 29-6-2011)). 
قال  الناقد الدكتور محمد عبد الحليم غنيم  ضمن قراءة لرواية (( عصا ابنوس دات مقبض ذهبي)) للروائي محمد عبدالله الهادي ، مبينا  الاسس الرئيسية للرواية القصيرة :-
((من المفيد أن أشير في عجالة إلي مفهوم الرواية القصيرة وخصائصها ، فهي من حيث الحجم تقع في منزلة وسطى بين الرواية الطويلة و القصة القصيرة ، ومن حيث البناء تجمع بين مقومات كل من الرواية والقصة القصيرة ، وهي في ذات الوقت يعد منطقة خصبة لتداخل الأنواع الأدبية : الرواية والقصة القصيرة والدراما . ومع تسليمنا بكل ما سبق نميل إلي القول أن للرواية القصيرة شعريتها الخاصة ، وهو ما يتفق والتحديد التالي للرواية القصيرة : " فهي ذلك العمل النثري الفني ، الذي يحقق التوازن الواعي بين الإيجاز الدقيق والتوسع المطلق " 

ويمكن أن نجمل الخصائص الجوهرية العامة فيما يلي :
ـ فكرة جادة ثرية
تعتمد عليها الرواية القصيرة وتتخذها محوراً تدور حوله بهدف مجابهة هذه الفكرة فنياً ، وبلورة كل أبعادها الظاهـرة والخفية ، وفقاً لنسق يتواءم وهذا الشكل الفـنِّي .
ـ وحدة انطباع كلي
وهذه الوحدة يحققها كاتب الرواية القصيرة من خلال تركيزه علي أزمة واحدة لها ثراؤها وعمقها دون أن تستغرقه التفصيلات التي لا ضرورة لها في بناء العمل أو سير أحداثه ، وهو بالطبع يعتمد في ذلك علي ذكاء المتلقي وفطنته .
ـ الوصف الموجز
فكاتب الرواية القصيرة يعتمد فعلاً علي الوصف الموجز الفاعل ويرفض تماماً تقديم الصور الوصفية " الاسكتش " هادفاً من وراء ذلك خلق الإيجاز الموظف ، وحتى لا يصاب العمل بالترهل .
ـ حرية استخدام الزمن
فنجد أن كاتب الرواية القصيرة يتمتع حقاً بالحركة في امتداد زمني حر ، أكثر مما هو متاح لكاتب القصة القصيرة .
ـ اللغة الدالة المعبرة
تمتاز الرواية القصيرة بلغتها الدالة المعبرة عن الموقف والأشخاص دون زيادة أو نقصان ، وقد تشكل اللغة في كثير من الروايات القصيرة جزءاً أساسياً في البناء الروائي ، وتدخل في إطار التجربة الإبداعية ذاتها .(2

وقد قال  الناقد(( شعيب خليفي ))  رئيس مختبر السرديات  في المغرب العربي وهو يتحدث  عن   تجربة الروائي   ((محمد زفزاف)) وكتابته  للرواية القصيرة :-
  ((،.....هذا التوجه في الكتابة السردية، وحصرها في ثلاثة ، هي أن هذا النمط قد تشكل ثم أخذ في الهيمنة لأنه يستجيب لشروط واقعية تهم حساسية التلقي وأسئلة الكاتب الإيديولوجية والجمالية، ملمحا إلى أن هذا النمط الروائي هو شكل يتضمن معرفة ووعيا بأشكال التواصل الموضوعية الشارطة للتلقي، مثلما يتضمن تحولا ما في تشكيل الفكرة الإيديولوجية من خلال شرط الحياة ألجديدة ولهذا فقد ركز كثيرا على ضرورة وعي النقد الأدبي بهذه التحولات وضرورة شروعه في فعل التأمل من أجل استخلاص محددات هذا الجنس الحاضر بقوة إبداعيا والمهمل نقديا.))

وكتبت الناقدة التونسية عزة الخزرجي  في تعريف الرواية القصيرة  جدا في قرائتها  لرواية ارض الزعفران  للأديب  حميد الحريزي  قائلة :-
((فن الرواية القصيرة ذلك العمل النثري الفني الذي يحقق التوازن الواعي بين الإيجاز الدقيق والتوسًع المطلق ويظلً هذا الشكل من أشكال الكتابة الإبداعية في ارتباط وثيق بنزعة تجريبيًة..... إذن فالرواية القصيرة نوع من الكتابة المكثًفة المفارقة لمسارات تقليدية للتخييل السردي... على درجة كبيرة من التكثيف على ما يقتضيه هذا الجنس السردي من تركيز وقد تأتًى هذا التوهج الدلالي من لغة رمزيًة لتضع القارئ في مواجهة أسئلة جمًة وتساؤلات محيًرة شغلت الكاتب في بحثه المتواصل)).
الناقد  علوان السلمان اعطى شهادته  لهذا الجنس  الادبي في قرائنه الموجزة لرواية((ارض الزعفران))  القصيرة جدا  ، مبينا  ركيزة مهمة لهذا الجنس الروائي  قائلا ((مشهد الحلم باعتماد التكثيف والترميز ابتداء من العنوان الجملة الاسمية المضافة والتي حذف احد اركانها والتي تحيل الى نبات عطري يستخلص منه سائل لكتابة النصوص المقدسة كتعويذات تسهم في اعادة التوازن الحياتي والنفسي تكشف عن دلالتها الاسطورية في الخصب والنماء بإعادة الحياة واستقرارها..لذا فهي تتكئ على فكرة خارقة(fantasy idea) يتنقل فيها السارد بين المشاهد الغريبة والتصورات العجيبة التي لم يعهد العقل لها نظيرا في الواقع..لذا فالسرد يسبح ما بين الواقعي والتخييلي.. والحلم والوهم من خلال الشخوص الروائية والأحداث..وهذا يجرنا القول ان الكاتب ينجرف صوب عوالم الخيال لـ (كالفينو)..))
 ومن خلال  قراءته  لرواية  ((القَدَر)) كتب  الناقد   بوشما حميد  معرفا  بهذا الجنس الروائي :-
((لم تكتف رواية ليلة القدر بالتمرد على القوالب العتيقة للرواية الكلا سيكية ليس من الناحية الكمية فقط حيث لم يتعدَّ عدد صفحاتها ثمانية وعشرون ، بل حتى في طبيعة النمط السردي والوصفي . فإذا كانت القوالب الفنية والتقنية العتيقة تقتضي الإسهاب في وصف الأمكنة ،الأفضية، المجالات ، والتفصيل في الوصف الجواني والبراني للشخوص إلى حد الإطناب أحيانا ، فإن الوصف في ليلة القدر جاء مقتضباً واقتصر فقط على ما تقتضيه الضرورة السردية والبلاغية ، وهذا ما جعل الأسلوب يبدو خاليا من الزوائد الكوليستيرولية وجعل الإيقاع السردي يسير بخطى سريعة ، كأننا نقرأ رواية بإيقاع القصة القصيرة جدا ،وحقيقة القول إن الكاتب عبد الرشيد حاجب استطاع أن ينقل ، بنباهة ، تقنيات التكثيف من القصة القصيرة جدا ويجربها على الرواية مستفيدا مما استحصده من تجربة عميقة في هذا المضمار))
حدد الدكتور أبو المعاطي الرمادي خصائصها((الرواية القصيرة )) في أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراة في عام 2003م، وهي:
حجم متوسط لايمكن النظر إليه على أنه حجم لقصة قصيرة ، ولا يمكن النظر إليه على أنه حجم لرواية طويلة ، وهو حجم غير محكوم بعدد محدد من الكلمات
استهلال ذو طبيعة خاصة :فتميل الروايات القصيرة للاستهلالات المركزة المكثفة ؛ بسبب اعتمادها على شخصية محوؤية واحدة ، وحدث محوري واحد ، ولا يتعدى استهلالها الفقرة الأولى ، وأحيانا السطر الأول ، ويتميز بشيوع الحس الكوميدي ، أو التراجيدى ، والتأريخ للبطل والمكان .
لغة مكثفة تقترب بالسرد من الشعر
ازدواجية الدلالة ، فالكاتب لا يصرح بل يلمح ، ويترك الكثير لعقلية المتلقى الاستشفافية ، ودائما لسرده أكثر من دلالة .
بطل محوري واحد: تقوم الرواية القصيرة على اكتاف بطل محوري واحد ، وبقية الشخصيات فيها ملحقة بالمركز .
حدث مركزي واحد : تقوم الرواية القصيرة على حدث مركزي واحد يستقطب كل مكونات العمل .
وجهة نظر خاصة للواقع : تميل الروايات القصيرة إلى تحويل مدركات الواقع البسيطة إلى فعل مرئي محسوس ، وتغلب المألوف واليومي والنادر والثانوي على الأساسي والمباشر.
وصف موجز :تعتمد الرواية القصيرة على الوصف الموجز الفعال
ملمح السخرية: من العلامات المميزة للرواية القصيرة ملمح السخرية ، ويكون أحيانا بأسلوب الاستفزاز ، وأحيانا بالرسم الكاريكاتيري، وبالمواقف الكوميدية ، والتعليقات المضحكة .
فضاء خاص يتسم بالمحدودية، يستمد رحابته المكانية والزمانية من القفزات والوثبات الناتجة عن توارد الخواطر .
إثارة الأسئلة : النص الروائي القصير يثير كما من الأسئلة دون الاهتمام بطرح أية إجابات....
 في الختام نود  ان نكون  قد  ساهمنا بجهد  متواضع  جدا    في تسليط الضوء  على  هذا الجنس  الروائي  الذي  لازال   في   بداية الطريق  ولكنه  يسير واثق  الخطى  ليأخذ مكانه  الذي يستحق  في  فضاء الادب  ورياض  الجمال  والثقافة .......