سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 7 ديسمبر 2013

مقالات أدبية: من تـعـقـيـد الشعراء... يسِّــروا يسَّــر الله عليكم بقلم/ سامح شعبان

كثيراً ما نقرأ لشعراء أو من يكتبون الشعر وهدفهم المخالفة لإبراز أن عندهم شيئاً مختلفاً عن الآخرين... فيلجأ بعضهم إلى الغموض حتى درجة الإبهام في الرمز.. وبعضهم إلى استخدام مفردات مع مفردات ليس من مجالها الدلالي على أنه براعة في العبارة الشعرية.. وبعضهم يلجأ إلى الكثير من المخالفات النحوية المقصودة حتى يظهر أنه فوق النحو.. والعجيب أنك تراه يبتسم عندما تنقد ما كتب وكأنك حققت الغاية التي يريدها.. وليفهمك أنك لم تصل إلى هذا النوع العجيب من الاختراع.. فلا بد أن يجد من هم على شاكلته ليوافقوه وهنا تدور حوله الخلافات فيغدو كأنه مالئ الدنيا وشاغل الناس.... هذه الظاهرة ليست بالجديدة ولكنها في القديم قليلة وهناك من يتصدى لها ويظهر عيوبها.. أما اليوم - ويا حسرتا على اليوم - فقد انقلبت المعايير... وأترككم مع ابن جني في تفنيد تعقيد أحد الشعراء الذي وصفه بـ ( المتعجرف )... 

..................( فأصبحَتْ بعد خطَّ بـهْـجَـتِـها ... كأنَّ قَفْراً رسومَها قلما )................

أراد : (( فأصبحت بعد بهجتها قفرا كأن قلما خط رسومها )). ففصل بين المضاف الذي هو ( بعد ) والمضاف إليه الذي هو ( بهجتها ) بالفعل الذي هو ( خط ) وفصل أيضا بـ ( خط ) بين ( أصبحت ) وخبرها الذي هو ( قفرا ) وفصل بين ( كأن ) واسمها الذي هو ( قلما ) بأجنبيين : أحدهما ( قفرا ) والآخر : ( رسومها ) ألا ترى أن ( رسومها ) مفعول ( خط ) الذي هو خبر ( كأن ) وأنت لا تجيز كأن خبزا زيدا آكل . بل إذا لم تُجز الفصل بين الفعل والفاعل على قوة الفعل في نحو ( كانت زيدا الحُمى تأخذ ) كان ألا تجيز الفصل بين كأن واسمها بمفعول فاعلها أجدر 
نعم وأغلظ من ذا أنه قدم خبر ( كأن ) عليها وهو قوله : ( خط ). فهذا ونحوه مما لا يجوز لأحد قياس عليه . غير أن فيه ما قدمنا ذكره من سمو الشاعر وتغطرفه وبأوه وتعجرفه . فاعرفه واجتنبه

مقالات فلسفية: الشعور أخلاقي بقلم/ أحمد حضرى

إن المفارقة التي يطرحها الفيلسوف طه عبد الرحمن بين العقلانية المجردة و العقلانية "المتخلقة" لابد وأن ترمي بظلالها على النص؛ من حيث كونه علامة على معنى في ذاته، أو من منظور آخر يلقي بظلاله على المعنى من حيث طرائق عقلانيته.
وإذا كان المشروع الحداثي للغرب قد عقلن المعنى ليصطبغ بالـ"المحايثة"، أو عقلنه ليصطبغ بـ"السيميوز"، إلا أن تلك العقلنة لم تمنع من ظهور "الخطاب التطويعي" الذي يفتقر إلى "الأخلاق".
وباستقراء المشروع المعقلن للسيميولوجيا نجد تطورا مهما في النظرية يتمثل في أسبقية الشعور على الفعل، ذلك الشعور غير المختذل في الموجودات المادية، وفي الوقت ذاته ليس محض ذاتية، لا يزال تصورهم للعقل والشعور كائنات مستقلة عن الإنسان، في حين يستقرأ طه عبد الرحمن العقل في ضوء المجال التداولي الإسلامي على أنه نتاج فعل القلب، ومهما يكن من أمر فتصور السيميولوجيا لاستقلال الشعور عن العقل وتوجيهه للفعل عرج بهم في فضاءات "الاستهواء" والاستقطاب "صالح / طالح" الذي يرسم حدود الفعل تجاه الأشياء بعد ذلك.
ما أريد قوله؛ إن الغرب قد شعر بأسبقية الشعور بـ"قيمة" الأشياء -صالح / طالح- وعلاقتها بسعي الإنسان الدؤوب نحو ممارسة الكمال، مما يؤثر بدوره على طابعه الأخلاقي في حالات التطويع أو الاستهواء -بشكل أكبر- إذا تعارضت موضوعات مع رغبة الذات في الاتصال بقيم موضوعات تحقق له الكمال وإن كان على حساب الآخر.
إن ذلك الشعور هو شعور أخلاقي مدرج في مراتب تتجلى في الاستقطاب "صالح/طالح"، متى صلحت صلح العمل كله ومتى فسدت فسد العمل كله.

الجمعة، 6 ديسمبر 2013

دراسات: نثر - شعر: جان دمو : اسمال الملوك و قصائد اخرى بقلم/ عدنان أبو أندلس

 شراسة النص العبثي ونهاياته العدميّة 

ليس من السهولة الكتابة عن شاعر تمرد على الحياة و ملأ المسافات تسكعا" و صعلكة بهذه الاسطر القليلة , لكن ما الجدوى في ذلك و الرغبة تلح في ولوج معترك هذا الكائن العدمي الغامض الغاطس ابدا في حلمه الكحولي ,والممتد منذ صباه و حتى نهاية عمره , هذا الطفل الكهل الذي افزعني تشرده , التائه في نهار الدنيا و القياف في عتمه ليل الحانات , له دراية بخرائط الارصفة و فهارس الليالي العبثية البرئية انه أمير الصعاليك وحامل بيرق مريديه الى حرائق الشعر 
( جان دمو ) . ذلك المتمرد الاثيري بامتياز , انه صعلوك مع سبق الاصرار . صعب المراس ,فوضوي,بوهيمي, مشاغب , مشاكس , عنيد , منفلت , سليط اللسان ,عبثي, جريئ الى حد يتفاداه المتسلطون , لم يخضع لنظام ولاتقيده ضوابط ,هذه صفات لم تكن يوما ما مثلبة عليه وإنما مدحا , وهو الأبيض النقي يحسد عليها لأنها من صلب انسانيته الصافية... لكنه وديع جدا" في لحظة الأنتشاء ... هكذا يتحدث عنه معاصروه.
وقد وصفه قرينه وأحد أقطاب المربع الذهبي للصعلكة انذاك -الشاعر –حسن النواب-بالمتشرد الإستثنائي وأيقونة في الشعر العراقي المعاصر, "إلا إن إسمه ظل متداولا كأصدى الإلتماعات الفريدة سواء في كتاباته المقلة أو في إنطباعاته الشفوية المثيرة والمدهشة حول الكتابة,او في سلوكه الحياتي كصعلوك (إستثنائي) وساخر كبير لصاحب ديوان صغير"أسمال."1"
فهو حتى بثمالته ومزاجيته الرائقة تراه حينا اودع من حمّل , و أهدأ من حمامة . 
كان اكثرهم ... توقا الى الحرية ,وأكثرهم تهكما وبعيدا عن الواقع ومصابا بكره الماضي الذي يربطه به لذا تراه إبتعد عن أهله ووطنه دون ادنى خفقة قلب,
كان حسن الدعابة لديه باذخة وإستعداده للتهجم حتى على نفسه ,يبصق على كل شيء ولمرات يعكسها الريح فترتد عليه,
لذا كان اكثرهم اصرارا" على التمرد ... ضمن جماعة كركوك الأثيرية-فاضل-سركون-الأب يوسف-صلاح-جليل-مؤيد-الغساني-.
و كما ورد عن زميله و معاصره الاديب (فاروق مصطفى )." هو الملئ بتفجراته و نفوره الداخلي الحاد حتى مع نفسه ساعة الغضب تعتريه نوبات لو تحققت لنسفت كل التنظيرات المطروحة اَنذاك ... وحتى سكون هذا الكون "2"
لكن خنقته الغربة و اصبح عصيا" على الوطن , عاش حياته كلها بعيدا عن اية قيود و كما يشتهي حتى اضحت قصائده في اللامعقول و اللاوعي و العبث و اللامبالاة طاغية في نصوصه الشعرية وعناوينها تمثل بمسمياتها حالة من الضياع والغرق في دهاليز الرعب ومتاهات هذا العالم, وكأن في عنونتها قصدية لإستغاثة من شبح يحيط به .
لذا تراه يستغيث للخلاص من شدّة الضيق الذي بات يخنقه فجاءت مسميات قصائده – السقوط- الظل- الصوت يبحث عن الصوت –آه ,لِمَ القوارب هذه-هذه مسالك غير سالكة,إضافة الى عنونة قصائده الأُخرى بغرائبية فجة –الجلد الذي سافر بالقطار ونسي أن يقول للبروفسور –نعم ,هذا هو العنوان ,اما متن القصيدة فهو كلمة –ثلاث ...فقط , هل ياترى توجد اكثر من هذه الغرائبية في الشعر المعاصر ؟ 
وقصيدة ثاني أوكسيد البيجاما –صدى الضفادع -هذه غرائبيته و مفارقاته في الاسلوب يعرف بها عبر ارسالياته المتخمة بالنوادر و الأفتراضات و التكهنات و عوالم غير مأهولة البتة بنصوصها الكهنوتية وطلاسمها اللفظية إضافة الى الهالات من الغموض والشطحات الغنوصية الهذيانية الغير مطروقة أو مألوفة في نسيج هذا الشرق منها مقطعا" من مجموعته أسمال يقول : 
حبيبتي 
فمك حمار كهربائي 
حيث اسناني تسافر 
في الريح 
هذا المقطع و كما يقول الباحث د. يوخنا ميرزا الخامس .... انه نص يتسربل بالغموض و عصي على الادراك , ( فلا نلمس 
منه وعيا" شعريا" سوى انه يحمل غرابة مبهمة لا طائل من تحتها .)"3"
كذلك للناقد د.سنان النفطجي رأي مشابه بذلك يقول :(لايجد القارىءشعرية في هذا النص,ولكن بقليل من التأمل يتوصل الى أن هذا الشاعر قدّ عبر عن موقف في القرف عن ثرثرة إمرأةلاتمل من الكلام المستمر,وعن نفاذ صبر الشاعر من خلال صوت طقطقة اسنانها التي تسافر في الريح)

شراسة المفردات أدت الى هذه الخشونة في تصلب المشاعر وتقعرها , وهل يمكننا التعامل مع هذا المقطع ببقايا عقل نجا من سطوة العنف المخيالي بصوره الحادة المزاج ومدببة النهايات ولا يخلو من القسوة والألم _على حدّ رأي د.خزعل الماجدي في وصف _الشعر الشرس.
لذا أقول : 
حمار كهربائي ... اسناني تسافر في الريح 
ما الربط بين مفرداتها /حمار / كهربائي / اسناني / تسافر في الريح /تساوي فقط فمك ... انه نص هلامي –أميبي –إخطبوطي -فوضوي لا يخضع لعادات الفكر المنطقي ... فان الكلمة لا تساوي المعنى اسما" و رسما" في الجملة ... اذ" انها تتشكل بوجود مستقل أكثر فأكثر و لم تعد مدرجة في نظام سياق الجملة في المفهوم العام كي يمر عبرها المعنى ... انها حالة هذيان أو هذر , أو حالة اغماء أو 
تعاطي ما يصبو اليه كل حين في عرق الفكرة بهذا الشكل السيال أو السائب الذي لا تتقبله الذائقة في هذا النهج العقلاني السائد في هذا الزمن, انما كان ثورة في الزمن الجميل – عصر التمدن ستينيات العصر المنصرم ... 

ومن مجموعة أسمال في قصيدة بلا عنوان كتبت في حانة دلير في 7-5- 1992يتضح للمتلقي المكان الذي دونت به القصيدة ونكهة الكحول العابقة في ثناياها من مفرداتها المشاكسة والعسيرة على الإدراك سطرت جليا في لحظات ثمالة واضحة يقول فيها : 
مع كل الغيوم التي تشكل زبدا" 
تحت فم الكركدن 
يتعين وضع بعض الاسلاك 
حول وقت الأطباء 
و البغاة و السفاحين 

ماذا يفهم المتلقي من استعمال هذه الكلمات النافرة و الغريبة و المثقلة بالغموض والإبهام لا رابط بين تناغماتها و شفرات النص ,لأدخاله ربما الفلسفة كعنصر مطعم بايهامها و ايهام المتلقي بحبكتها التشكيلية ... انها قصيدة الهوة والمتاهة المعتمة
في ليل اعصار لا يهدأ و زمجرة تنعق من مكان لا يرى ,الإحس دعابة عبثية فائقة يرن في أحاسيسه لحظة النشوة,
كان إسمه يسبق شعره دوما , ومعظم الذين عرفوه ظلوا يجهلون شعره حتى غدا شاعرا بلا نص,وكما قال فيه مرة الناقد عبد القادر الجنابي " شاعرا يجيد الشعر ,ولا يحتاج ان يكتبه". 

و في قصيدة بغداد ص (24) من المجموعة حيث يظن المتلقي حالما" يقرأ العنوان بأنه يصف او يمجد العاصمة بغداد غير 
انه لم يذكرها حتى ولو بالتنويه لكن عنوان القصيدة فقط .... يقول :
الشيخ يشرح الفواكه 
وحدي ,تحت ,المطر 
اليوم يموت بتؤدة 
أأترك صيفي 
ينبت على شفاه الماموت ؟ 

إنها اختلاجات نفسية و حقائق افتراضية و تراكيب فلسفية قال عنها الناقد هشام القيسي ( نسجت من اللاوعي و تحت 
تأثير ألانتعاش الدائم ابعدته عن الواقع نحو المجاهيل و الى هوة من فراغ ) "4"
هذه المفردات الغرائبية كصخرة يدحرجها من قمة جبل شاهق تظل ترتظم نهاياتها في الحافات الى ان تستقر مخلفة وراءها
تقعرات و تصدعات تنهار رويدا رويدا .... فجاءت هذه المفردات مرتدية أسمال الإستحالة بلا نهايات مختومة مثل ..... 
اللامحدود – اللامنظور – ما لا نهاية – اللاجدوى – اللاوصول – اللاحرب – اللا احد –اللامنتهي... تلائم المديات البعيدة و من الصعب اللحاق بها وهذه التي عطلت حياته لصراحتها الأكيدة.

و هذا النص في المجموعة اليتيمة - أسمال.... 
كلا اللوعة 
كلا الوصول 
الوصول الى اين 
غريب ان توقظ الاشياء 
بأسمال الرعب 
اسمال الجغرافية 
فلتكن اسمال الملوك . 

انه انحلال حقيقي للجملة حدثت بها تناغمات متنافرة و مفككة حينا بابعاده كل المفاهيم و المعطيات الملموسة التي يفهمها 
الفكر حينا" اخر ... تحررت من العقلنة التي تقيده بضوابط صارمة.
هذا هو -جان دمو-الذي اتحف الادب العراقي عامة و كركوك خاصة بمسميات و تعابير و رؤى حلمية , أو قل ايهامات و تجليات اشراقية تحتاج الى ذهن متحفز دوما" بشئ من 
التامل و الاجتهاد كي تقتحم مجاهيله و حل الغازه لغته و اختراعاتها المتواصلة و تفوهاته الأعتراضية في حالة مزاجلته يدخل في ابداع شاعر لن يتكرر بهذه الفرادة المعكوسة غرائبية في السيرة و مفارقات في الشعر وفق تجربة امتدت قرابة اربعين عاما" قضاها بين الحانات و المقاهي و الارصفة التعبى التي لا تقضي الى شيئ سوى- اسمال الملوك -التي ورثها عن صعلكة كثر حسادها و غبطها المخلصون في الشعر ليس إلا ..... 

......................................................................................................................................................

الإحالات:- 

1. أسمال / جان دمو / منشورات دار الامد- بغداد -1993 . 
2. الإستذكارات الناقصة / فاروق مصطفى / كركوك 2005 . 
3. كركوك فضاءا" نثريا" / د. يوخنا ميزرا خامس / الأديب بغداد 2008 . 
4. شعراء جماعة كركوك / هشام القيسي / كركوك 2009 .

داراسات:نثر - شعر: لغة التحشد السّلمي وسطوة الهاجس بقلم/ عدنان أبو أندلس

بهنام عطا الله في –هكذا أنت وأنا وربما نحن(1)

التَحشّد مفردة مستنفرة تلفها العتمة الداكنة,شكلاٌ ومعنى,حالما تستغيثها الذات المقهورة تتحفز بإستعداد لما لها من مدلول حركي حاد ,يثير الإستنفار التفسي في المجتمعات المتحفزة بنخوة لنداءالإستجابة وشحذ الهمم ولملمة القوة تجاه الخصم,وهذا مانراه جليا بعنف وسطوة في تركيبة الشرق المثقلة بهذا الكم من القوة الجمعية.إن الخطاب التعبوي والتحشد وإثارة المشاعر فله عند الشاعر بهنام عطا الله شأن آخرفي مجموعته الشعرية-هكذا أنت وأنا وربما نحن-الطبعة الأولى-دمشق-2012-يختلف جدلياٌ وّذا صبغة عقلية ,بتناوله المفردات الحربية ذات اللون الأبيض من باب التباهي, بأمجاد الماضي الضارب بعمق جذور الإصالة لإستذكاره رموزاٌ لها وقعاٌ منعشاٌ في إستقراء الماضي وإستحظاره لحظة متطلبات الحاجة اليه منها زاخراٌ بموروث تليد هي , نفر-نمو-ديموزي-أورور-أور –أنليل-إيدسالا ,هذه الرموز الحضارية الممتدة في عمق الذات –الأنا – إذ داهمها خطر فتلتجأ الى إستذكار الموروث البحت أو الإسطوري كتراث ينم عن التعبير عن القلق , فالجوء اليه ذكراٌ من باب شّحذ قوة ودفع أذى , يصنف الناقد الفرنسي –رولان بارت – الموقف من التراث في أربعة مواقف:التراث الشعبي, الأقنعة, المرايا , التراث الأسطوري"2"وهكذا من لمعة الإضاءة لتأريخ علّم البشرية عراقة الحرف النوري.
بهذا العنوان الذي يحمل دالة الحشد من ضمائر الإشارة –انت –أنا –نحن- يستفزنا بنوع من العتب الموجه الى ذواتنا الكلية ,وخاصة أناه لها وقع شديد على لائمته , هذه هي اللبنة الأساسية لمملكته المتهيأة لسطوة التحشد السلمي والتي بناها على سلمية التأهب بنصوصه (23) مضاءٌ بنكهة الموروث الذي جسده بصور من القيّم التراثية والتي إستحضر فيه جوهر التراث وقيمه الراسخة فينا"تفتح أمام المتلقي ,فضاءٌ للتامل في طقس يرفد عبر إنسيابية تتسربل بغموض شفيف وتكتظ بمفردات من الموروث الديني والشعبي, يجهد الشاعرليمنحها دلالات معاصرة ,فيعيش طقس حكيم مجهول بكلمات موجزة توحي ولاتفصح"3" هذا ماتناوله الناقد د.جاسم خلف الياس في تقديمه للمجموعة التي نحن بصددها عن إشادته بمقدمة الشاعر معد الجبوري ,ونقتطف نصاٌ منها –مطر اليقظّة-ص17-يقول:
مسلةّ...
مازلنا نصوغ نصوصها
من بقايا القديسين
ومن ضوء المصابيح
خرافة بيضاء
لا تمحو من ذاكرة الكون
عطورها تجتاح أناشيدنا الهاطلة
مع مطر اليقظة.
إن عنوان القصيدة حافل بتحشد ملموس عياناٌ–مطر- لملمة الغيوم وتحشدها بهطول مكثف وإنهمار وماوراءه سيل –فيضان –واليقظة –إنتباه –حذر,هاتان المفردتان تتألفان في التحشد, كذلك إستهلال القصيدة –مسلة هي الأُخرى حافلة بحشد قوانينها ربما الصارمة والتي سُنت لقضية طارئ ما أولحدث إستثنائي أوجب خطها أنذاك,صوغت أي المسلة بقدسية الموروث ووجب الأخذ بها مثل خرافة بيضاء ترفرف في سماء إفتراضية.
وفي تص آخر له-خوذة البراءة- المفردة التي تلازمنا أكثر من رؤوسنا عند المواقف الحرجة لهذا أبدى الشاعر بتوظيفها على صورتها ,لكن مملكته –الحلميه- المسالمة تأبى النطق بها لذا أردف معها –البراءة –كي تكون عوناٌ لها في تجريدها من صخبها وشراسة عنونتها وجعل لها إيقاعاٌ هادئٌ مناسباٌ مع سياق المسالمة:
هكذا...
تخضر سعاداتي,
بصباحات مرحة ومساءات تبسط فوضاها 
تبتل بحزني...
تتململ.... ترتدي خوذة البراءة/ وقطع آخر مسارات للفحولة –تفترش ولائمها –تقتنص الخمول وتزحزح العثرات-هي مشاجب للحمائم –تحوطات امان-حوافر الخيل-لامعات كالسيوف
هوامش مكتظة بالاستعارات.هذه المقاطع تزخر بالقوة المبثوثة في رحم مملكته المثالية –سلم وأمان أرعب ببياض سريرته كل إرتعاشات التحشد والنفير المأزوم والمتأزم.
كذلك في خزائن الأهات ص39هنا زج المفردتين الجمعيتين بلصق كي يلائم حالة العتمة المكثفة فيهما :
تكدست التفاهات في عربات الجند
مثل أفكار داكنة
مثل عرافات خرجن 
من دهاليز الأرض
متسترات بالبعاد والمراثي
وأمامي حشود تنفلق نحو المجهول 
مفردات الجمع التي ألفها الشاعر يبغي من صيغة –الجمع- تعريف المتلقي لهذه الهيأة بالبروز عما تبناه وهي ظاهرة –التحشد –المعنى بذلك وهذا المقطع زاخر بما يؤول عليه مثلاٌ:التفاهات/ عرافات/ دهاليز/ متسترات/ حشود ...الخ من صيغ عاجة بذي المعنى وتتصدع القصيدة بنتوءات حادّة من ادوات الحالة التحشدية-أقاليم تتدثر بالحيطة والحذر/جيوش محتشدة للهجوم/وأخرى تقف عند عتمة-الأمم المتحدة للدفاع تستجدي رفع الفصل السابع-من أوراق الروزنامات-وشتات التواريخ الغبية. ليس الماضي ,بالنسبة للشاعرالحديث ,زمناٌ منقضياٌ ,أو ذكرى ميتة لايمكن إستعادتها ,أو بعث الحياة في رمادها المتجهم ,بل هو على العكس من ذلك تماماٌ,حيوات متفردة ,وطاقة روحية جياشة , زمن يكتظ با لدلالة ,وهذا الماضي يظل في معظمه ,قادرا على تقديم العون جمالياٌ"4"
ونصه الأخر يصرخ من صراحة نفيره في عنوان –وليمة الألم51:
أمامك الدروب إستفاقت بالدموع
مثل إفتتاح السماوات على الجهات
الجموع تهتف...تهتف
وهي تشعل آخر الشموع.
ويستطرد في أسطره مهيئاٌ أرضية باذخة من هيجان المشاعر والأُلفة لكبح التطاول المضاد بتسخيره أدوات العزيمةلحمل نياشين النصر بلا منازع في جمهرة سلمية حشودها الكلمة وميراث يستحوذ ويشحذ كل طاقاته للذود عن المكنون في الذات الجمعية.
وفي قصيدة ضحايا البراءة ص55يقول:
تتثاءب في حلم الهزائم
تهرول...مع القذائف
القذائف التي تسحل ارواحنا
الى قامة القدر
وهي تتشظى
هذه الأسماء والأحداث المروية وعناصر الإمتزاجات ذات الصلة بكينونة الذاكراتية للحروب التي اطالت المعمورة لذا بانت في متن القصائد برمتها وتشكل هاجساٌ لدى الجموع بذكره أسفار الحرب وأدوات الموت/سبطاتة بندقية/أصوب حدقاتي/المشاجب /الحروب العرجاء/كما الجندي المستجد/ ساحة العرضات/نياشين الموت/وغيرها مما تسبب للمتلقي إرتعاشة ونزق الحياة وهو يشم رائحة البارود والموت المتربص معاٌ
ويختم بنص من نهارات معطلة ص134يقول:
أما قصائدي
فمسالك شائكة لقوانيت المدى
تقيم حول حواسي
غشاوة الإرتباك ومملكة 
مملوءة بالرعونة
كل هذا التحشد مرده الأساسي للخلاص من ظائقة مرّ بها وحتى عنونة المجموعة كان موفقاٌ في تسميتها الشاملة أنت-أنا –نحن أسماء الإشارة المعنية بنداء النجدة والغوث والنفير,هذا الإستبطان والإستقراء الذي تولد من ذاكرة خصبة لشاعر رأى بعينيه الموت ومنح إجازة الحياة لمدونته هذه كي ينقل لنا الحقيقة العيانية لأجيال قادمة ربما تتوشح وتتحشد برداء السلم الأبدي .
إحالات:
1-هكذا أنت وأنا وربما نحن-المجموعة الشعرية-د.بهنام عطا الله-دار تموز-دمشق-2012.
2-دراسات في نقد الشعر-الياس خوري-مؤسسة الأبحاث العربية-بيروت-1986.
3-مقدمة الشاعر معد الجبوري-فصول المكائد-نينوى-1996 .
4-حداثة النص الشعري-دراسات ت نقدية-د.علي جعفر العلاق-دار الشؤون الثقافية-بغداد-1990.

دراسات: نثر- شعر: الأمواج الحمر: مرايا لانعكاس الحدث بقلم/ عدنان أبو أندلس

أنساق التدرج في السرد الحكائي

ما يمتد مع النهر إلا ساحله الذي خاضت في سطحه منذ جريانه أجناسا من مشارب شتى وبقيت حكاياتهم صدى عابرا يتلوى متحديا النسيان والأفول، ورائحة ذكريات يحفها الموج ويغمرها تقادم السنين، هذا النهر الخالد حمل مرآته الساطعة منذ أن أبصرته العيون كي يتراءى لهم من الصورة الصقيلة يجري على امتداد البصر حتى تلاشي النظر.
بهذا أستجمع القاص يونس علي الحمداني ذاكرته الخصبة المتوثبة لمواكبة الحدث عبر روايته الأولى (الأمواج الحمر) الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة- 2010- والتي تقع في 312 صفحة وتحتوي على (34) فصلا سرديا، هذا المنجز الزاخر بالموروث والذي يسطر تاريخ نهر
وحياة قرية تحتضنه لحقبة زمنية، هذا العمل له قصب السبق في مؤانسة المكان وملائمة الحدث- أي استشعار الماضي بلسان اللحظة واستحضار المأساة بعين الأحفاد وتخليد ذاكرة من الشجن والفرح، أي انعكاس بأثر رجعي- انعكاسات ذاتية لفترة مشحونة ومخيمة على مشاعر الجموع بالحزن (الأسى الموحد الشامل).
استخدم الراوي تقنياته في أسلوبه الأمثل بوصف طبوغرافية- يتخللها سرديات من الميثولوجيا وأساطير وأمثال من طابع يوميات المكان ومشاهد متكررة على لسان راوي عاصر الأحداث منذ بدايات فترة السبعينات حيث ولج في مفصل الجزئيات الشخصية والخصوصيات المروية عن ضحايا الألم المفاجئ.
لاشك أن الراوي يعتمد على النسيج العضوي الذي يجسد الحدث بأركانه والمماثل لشخصيات الرواية ذاتها، وقد ناور بتصرف تجسيد العمل والأمكنة الملائمة لها، هذا السرد الحكائي بضخامته أخذ منه جهدا جهيدا للوصول إلى ذروة القصة التي يبتغيها وهي تخليد حياة نهر وموت مجاني لبشر من الذين عاصروا المصيبة بأيامها الثقال. ولقد أعطى للفصول سرديات حكائية منوعة من فرح ومكابدة وحب وعالم صيد..الخ. كان بإمكانه أن يجسد الرواية بنصف هذه الفصول ويكثفها دون أن يجهد نفسه أكثر وتكون للمتلقي استراحة بعد ظهيرة شاقة كون القراءة والتركيز في هذا الزمن قد خف أكثر مما كان سابقا.. وهذا تساؤل مشروع يحق لنا أن نطرحه؟ ويبدو لي أن الاستقراء والاستبصار من وعي وهو أبن البيئة والتي تتميز بخصوصيتها من مستويات ألحكي التلقائي والتي تستلهمه الكتابة من خلال استذكار الموروث حيث يختلط فيها القديم التراث بالجديد المكتسب.
من خلال هذا الموروث المتجانس وهذا ما أقصده بالاستطالة حسب الإحداث المروية، ربما أخذته السر ديات باغرائاتها رويدا رويدا وبلهفة استرجاع كل ما يمكن أن يسطر ويدبج بالرواية حيث عالم ذكريات الآباء والخلان والمعارف فضلا عن الربط بين الحاضر والماضي جسر الكشف الدلالي لتلك المأساة التي ما انفكت تطالهم بالمادي والمعنوي.
قد يتوهم المتلقي حينما يقرأ العنوان الظاهر(الأمواج الحمر) دون أن يستهل التقديم يبادر إلى ذهنه أولا بأن شفق المغيب قد سطع على وجه النهر فأزداد النهر حمرة تتوهج أو ما يحمله النهر من طمي وغرين أيام فيضاناته المهولة..الخ. ولكن حين يستغرق في القراءة أكثر يتبين مغزى ذلك جليا، غير أن لسان حاله يقول: هذا النهر الهادر في أيامه الخوالي لا يبدل لونه في خلال أيام نحسه ويستدل من ذلك أن(الأمواج الحمر) بمعناه اللفظي معروف، لكن دلالته مختبئة خلف تكتمها ويريد استنتاجات القارئ لحاجة ابتكرها بتصرف قاص يستقرا أراء جديدة واستنطاق صمت لاذ بالنسيان تنحت أوحال عقود من الزمن.
لقد وفق القاص يونس على إلى حد بعيد بزج شخصية الجدة سوده في الرواية كونها تمثل حياة بكاملها: عنفوان، احتشام، واجهة، اعتبار، حتى الاسم المختار لها يدل على الموائمة والمؤانسة في خضم حياة قاحلة تضج بالفقر والتهميش والكدح، إضافة إلى عبدالله البطل الفتى الذي واكب الأحداث حتى نهايتها وهو عنصر التواصل المستديم رغم كل الهفوات التي طالته والعثرات التي اعترضت طريق صباه، لقد صبر وصابر واجتاز حاجز النكبة ليقف أخيرا على أطلال الحدث، وكذلك الملة عمر ومزنه وفرحة وعاشور والشيخ فتحي وخلف الجربوع ذلك الصياد المستوحد الذي أعطى للرواية سحرها المنثور..شخصيات سايرت الأحداث لتكمل أدوارا أرادها الكاتب من خلال الاستطالة التي عبر بها عن جزئيات المكان المخفية حتى غدت وثيقة تاريخية وتقويم جميل للمنطقة، أنها أرشيف مكاني وزماني لتلك البيئة المغلقة والمطلسمة إلى حد ما.
توضح جليا بان الكاتب خاض بتفاصيل الحياة الريفية المريرة درجة درجة دون أن يمس بنسقيه الأحداث المروية بالتدرج، أنها تدون ما يتراءى أمام العين من حدث ماثل كونه قد خزن أدواته منذ زمن وكل الاحتياطات اللازمة للخوض في غمار ذلك العالم المتحرك قرب الأمواج التي كثيرا ما صارت حمراء. هو يمتلك خزينا لا بأس به فالرواية بالحقيقة مكشوفة ولا تستدعي من المتلقي إلا أن يصبر لا كمالها كونها من المدرسة الواقعية التقليدية رغم السحرية الباذخة، هي عمل إبداعي خلد المكان وثبت الزمان في لوحة المستقبل بتلك الأضاءات التي شعت في إرجاء أمكنة يسودها الظلام وخصوصية قرية(الخازر) التي لها صداها بين القرى المتناثرة على حواف النهر الصغير، إلا أن المؤلف وكتجربة جديدة في الكتابة النثرية ربما استهوته متعة الوصف وشدته العاطفة نحو مرتع الصبا جعلته يدخل في شروح زائدة ولعله قد ذكر شخصيات جانبية بالنسبة لأهمية الأحداث، واستخدامه لأنواع من النباتات الحقلية والطيور ولجوءه إلى الواقعية المفرطة في طرح الأسباب والمسببات وخوضه في مواريث سالفة، لأنه لو قدر لهذه الرواية أن تدخل في عمل روائي في الدراما العراقية فمن يا ترى يملأ هذا السرد الهائل دون حوار وتبادل أدوار، معنى هذا أن الممثل سيقف على حافة النهر يبث لواعجه على مسامع الأمواج السائرة.
أن النظر إلى الماضي بعين الذكرى يتدفق لاستعطاف الوجداني من صور متوالية: طفولة، فتوة، شباب، كهولة، شيخوخة ولعل الطرح الروائي بهذا الكم قد يسحر المتلقي وكأنه ينظر إلى مفازة شاسعة عبر الورقة الواحدة من الرواية السحرية، أنما يحمل في داخله إشكاليات الواقع الملموس والمحسوس في آن واحد. القرية وجوها ومما تحمله من انبعاثات خاصة هي المكان الأثيري للتفاعل الاجتماعي ونوازع الخير والشر كون القرية ترمز لكل قرية في العراق وتشبه إلى حد ما كل قرية في أرض العرب.
الجرأة الصارخة التي بدا عليها المؤلف تكاد تكون نادرة بين أدباء المنطقة من خلال تجسيد حي ونابض لكل مظاهر المسكوت عنه روائيا، حيث باح لأول مرة وصرّح ومثل وصوّر بريشة رسام متمكن، ولقد أحسن في وصف غرام الأرياف بكل إسراره التي تغطيها أحيانا حشمة مصطنعة، غارقة في ضوابط مقيدة كحركة الهوى التي تنوء بتقاليد متشنجة.
من خلال ما ورد في استرسال الأحداث استفاد الكاتب من اللغة الدارجة في أماكن حددها دون تزويق تماشيا مع موجات التغيير، أراد أن يتركها كما هي على فطرة نطقها من فم الإنسان الريفي لتعبر بصورة أصدق، ألفاظ متداولة بين متحدثيها فقط، كي يعطي للمتلقي انطباع خصوصية الرواية وخصوصية المكان، حيث استخدم صراحة هذه المفردات الخشنة والمجلجلة بالصوت لملائمة مناخ الديار مثل: طش، أعجار، بحروثة، كران، الكر، تتهدرس، الأباعر، طرابيش، الحويان، هاركا، وغيرها. ولو أعدنا هذه الكلمات إلى جذرها اللغوي ربما نستخرج أصلا أخر لها من لغة أشورية أو أرامية أو عربية فصحى، لأنها أي المنطقة تاريخية وأثرية تعاقبت على سكنها أقوام شتى.
ختاما أود توضيح أمرا من خلال استقراءي المتأني وهو أن الرواية كتبت بلغة رجولية مستمدة من القوة انبهارا و دهشة ورغم شفافية الكاتب وليونته وشيئا من صقل المدينة له ولكونه- وكما أعرفه- شاعرا حساسا شغوفا مرهفا إلا أن الخشونة راحت تلقي بظلالها على الواقع السائد المفعم بالرجولة، ولقد أطلق على نهر الزاب لفظ (الفحل) وحسبما اعتقد أن هذه التسمية أطلقتها أنثى ويأبى الرجل من إطلاقها خشية المساس به وهو الكامل القوي والمرتبط بالأرض الأم وما يحيط بها من صراعات يكتنفها قلق ذاك المجتمع المشبع بالانتقام والثأر بعد أن غلف الجهل والفقر عقله وتواصل معه إلى تجاهل الجهل وهذا ما وقع لضحايا مردها الجهل أو التجاهل أو العناد رغم الوصايا والإرشادات والتحذيرات المعلنة عبر وسائل الأعلام حتى ادر كتهم المصيبة والتي تتشضى أوجاعها إلى الآن.

دراسات: نثر - شعر: قصيدة النثر/الجنس الكوني بقلم/ عدنان أبو أندلس

قلق النشأة وانية الاستقرار

التصريح بالحب في نصوص من شعرائها 
 
إن المحاولات التي سبقت ولادة قصيدة النثر كانت مخاضا عسيرا في الذائقة والإدراك لإنتاج المطالبة الخفية والرغبة في أيجاد لغة مستحدثة وغير مطروقة تجدد إمكانياتها اللاحقة ، أن التحرر من هذه المطالب العميقة هي سمة مشتركة لا يمكن إهمالها على حد تعبير الرائد رامبو حيث (( يضع الشاعر نفسه في اللا منطق ويقدم حكايات لا بداية لها ولا نهاية)) جمل 000 اعتراضية000 مفككة 000 فوضيه وليس للعقل سيطرة عليها أنها خيال الظل 00 الوهم 00 مجافاة الحقيقة 000 الانحلال ، التنافر000 الخ0و كما وصفها الناقد محمد صابر عبيد (( بأنها بيضة أم صفارين )).
فقصيدة النثر (( مستعارة من النثر العادي الذي يخلو من البهرجة ، ولكن كلماته مشحونة بقوة خفية يسري عبرها التيار الشعري كما يسري التيار الكهربائي عبر سلك ليغرقنا بالنور فجأة )) لا حدأث هزه ورعشة شعرية00 (1)
أن أكثر الشعراء الذين كتبوا فيها هم الذين عاشوا حياة الصعلكة و التشرد سواء في الشرق او الغرب وكأنها تلائم أطباعهم المتمردة على التقاليد عبر غيبوبة ـ هلوسة ـ هذيان 00 تخدير حتى قيل أن رامبو تعاطى المخدرات ووقع في غيبوبة وتحت تأثيرها في اللاوعي كتب أحسن قصائده 00 حيث أنها لاتنم عن وحدة متماسكة بل شظايا متنافرة لا يجمعها جامع ولا ينظمها خيط موضوعي وقد وصفها الشاعر احمد عبد المعطي حجازي (( حاطب ليل يلتمس طريقة في دروب غير مطروقة وغير معبدة )) أي ظل وخيال وتعثر أنها تقطع جميع الحبال التي تربطها بما يبررها بالواقع الماثل ترتفع وحدها بالتحليق مثل كرة معلقة في الهواء أو سمكة زينة تسبح في حوض من الزئبق 00 أو مثل غزالة تمرق إمامك فجأة مرة يغطيها الضباب ومرة تظهر بعض مفاصلها الهلامية وتختفي حالا000 ((انها روح منفلتة لايتجرأ احداً ان يضع لها قوانينها فظلت حرة سائبة في مسار لاينتهي ابدا )) يقول عنها الناقد أبو لينير : ( انك تقرأ الإعلانات والفهارس والملحقات التي تغني بصوت عال ، هذا هو الشعر هذا الصباح ) أي أن قصيدة النثر تستطيع أن تستقطب مفردات حديثة وواقعية وخيالية في أن واحد ، ما آن يتجمع ويتوحد بهما المتناقضان حتى يحدثان حركة ديناميكية متفجرة 000 أن من قطبيها المتنافرين ـ التنظيم الفني والفوضى المدمرة 00 نستنتج من أن رفض الاتحاد القائم بينهما ألا في وحدة الشاعرية 0000 وان من خصائصها المستقرة حاليا ( الإيجاز ـ الكثافة )( التوهج ـ الإشراق)( المجانية ـ اللازمنية ) حيث حلت بدائلا لثلاثية الشعر الكلاسيكي (الوزن - القافية ـ الموسيقى) ، للضوابط والقواعد والقيود الصارمة ، ابتدأ، ابتكار المحاولات لخلقها بدءا من رامبو بافكارة الحرة الميتافيزيقية ولوتريامون بمزاجه الفوضوي ومالارمية لمغامراته القلقة 00ومرورا بفكر وتنظير بيرتران إلا استقرارها النسبي ( الآني ) جاء على يد وفكر وإبداع بود لير الذي لا خلاف فيه بخلق شعر حديث مدني وتحديدا في العام 1857 عبر ديوانه ( إزهار الشر) وهذا مقطع من عالم الحب الذي نحن بصدده 000(قصيدة حب)
إني أعبدك / كما اعبد السماء ذات ليل / يا دعاء الحزن / يا أيها الصمت الرهيب/ أني ازداد حبا لك0000يا جميلتي000
كذلك رامبو يقول : ان تصبغ الفضاء الازرق / نشوة الاهازيج / اقوى من الخمر و اعمق من كل قيثار / فتتوهج شعلة الحب المريرة ?. 
و لجاك بريفير حب من نوع اخر يقول : حبيبتي / نحن نحب بعضنا بعضا" و نحيا / نحن نحيا و نحب بعضنا بعضا / و لا نعرف ما هو هذا الحب .
كذلك لوركا في قصيدة اغنية في الحلم . 
اخضر / كم احبك اخضر / نجوم هائلة من صقيع ابيض / تاتي مع سمكة الظلام / التي تفتح طريق الفجر . 
حبك يقسمني / كالساعة الرملية / مع ان الوحدة الالهية / جعلت من ثلاثين عاما" يوما" اخر.
اما الرائد مالارميه يقول : في اغنية حب . 
هكذا اغنية الحب / تطير على الشفاه / ان بداتها فاطرد منها الواقع / لانه منحط . 
اما ابو لينير يقول : تسقط امواج هذه الاحجار / ان كنت لم تحب ! أنا حاكم مصر / زوجته و أخته / جيشه / ان لم تكن الحب الوحيد . 
أن أكثر شعراء قصيدة النثر وقعوا في الحب أولهم بود لير نفسه وأخرهم بانتظار من إن يعلن عن نفسه لاحقا000 هذه قصيدة النثر و الترجمة الدقيقة لها( القصيدة النثرية) ولكن الذي شاع على الألسن عندنا مصطلحا هو: قصيدة النثر متابعة للترجمات المبكرة للمصطلح الفرنسي 0 ولمدنيتها أي قصيدة النثر يبتغي شاعرها السهولة بالفاظه الممدودة وحروفه الرخوة اللينة الناعمة للنطق بها برقة ونعومة هذا في قصيدة النثر الغربية منذ بواكيرها وحتى اليوم000 
فالقصيدة الشرقية لها صدى واسع بذكر الحب و كما جاء في قصيدة الشاعرة الهندية كمالا داس 
في قصيدة المرآة تقول : من السهل أن تحملني رجلا" على حبك / كوني صريحة فقط في رغباتك كامرأة / قفي عارية أمام المرآة معه / كي يستطيع رؤية نفسه الأقوى و يصدق نفسه . 
و للشاعرة الفارسية فروخ فرخزاد نفس شفيف و همس رقيق بالحب : 
ما هو الصمت / ما هو يا حبيبي الاوهن / ما هو الصمت سوا كلام لم يتكلم به /انا اتاخر عن لكلام .
أما قصيدة النثر العربية / فقد ابتدأت بعد قرنا كاملا من نشوء سابقتها الغربية أي بعد عام 1957 على يد جماعة مجلة شعر البيروتية وبنفس المحاولات الهادفة والملحقة وفق الأسلوب بدءا من محمد الماغوط في قصيدته ( النبيذ المر) في منتصف الخمسينات واد ونيس ويوسف الخال وانسي الحاج و شوقي ابو شقرا وغيرهم , واستمرت على منوالها الحداثي رافضة النمطية والقيود بتطلعها إلى أفاق أخرى تحلق بها ولرائدها الماغوط ارتشافه في الحب يقول00
انا00 أنا وأنت يا حبيبتي / حطابان مغروران في غابة يائسة / كل منها يحمل فأسا قاطعه 00 كحد السيف / ويهوي عليها 000 شجرة بعد شجرة / وغصنا بعد غصن 00 دون أن ندري / أن هذه الغابة هي 000 حبنا. 
و الرائد ( ادونيس ) في اول الجسد اخر البحر يولد الحب . 
خرج الورد من حوضه لملاقاتها / كانت الشمس عريانة في الخريف / سوى خيط غيم على خصرها / هكذا يولد الحب / في القرية التي جئت منها . 
اما انسي الحاج يقول : افكر في حبي الذي ركعك / ثم ملك يا حبيبي / افكر في المراثي يا حبيبي / افكر في القتل . 
و شوقي ابو شقرا يقول : تحت ضوء القمر احببتك / و تحت ضوء القمر احببت الله و امي و خرير الماء – الماء الحقيقي / لكن روحي المشفقة كارض الزلزال لا يرويها شيء . 
في أواخر ستينات القرن المنصرم تلقفت الرؤى العراقية نصوصا حديثة تخاطب الطبيعة بسحرها الأخاذ ولا نفتاحها على منافذ أخرى عبر كوة الأنا الراسخة في اللاشعور(( تبنت جماعة كركوك لمشروع تجديدي غير مألوف شكل تحديا لطموحات وهواجس الشعراء والكتاب الكلاسيكيين آنذاك وإيغالا بلا ترددا أو توجس في الغوص بتجربة جديدة لم تكتمل هويتها بعد على يد سركون بولص وفاضل العزاوي وصلاح فائق والذين نشروا نتاجاتهم في مجلة شعر/ لبنان وذلك لتأثير هؤلاء بالأفكار الحديثة التي طرحتها المجلة آنذاك ولإجادتهم اللغة الانكليزية بالذات سهلت الاقتحام لتلك القواعد الراسخة فيها 00 هذا جيل أواخر الستينات عصر التمدن الذهبي يحاكي الشيء بروحه 
000 إضافة إلى جماعة كركوك الآخرين000 وتجلت في ظهور روئ مختلفة شيئا ما من شعراء مرحلة السبعينات لدى مجموعة من شعرائها المتميزين هم (خزعل ألماجدي ، سلام كاظم))وغيرهم000(2) 
ففي كركوك بالذات شكل سركون نقلة نوعية في مسيرة القصيدة الحديثة فهو شاعر حقيقي متمدن بروحة وموهبته ووسامته وأدواته الشعرية لذا توفرت في قصيدته ثلاثة ملامح هي ـ أولا بناؤها المتأثر بالشعر الانكلوسكسوني ـ ثانياـ مناجاتها السريالية ـ ثالثاـ غنائية شفيفه تعج بتأثيرات الصوفية المسيحية من مزامير توراتية وإيقاعات لاهوائية( 3 ) لذا استحق قصب السبق في حداثة الطرح والتي واكبت المناخ السائد آنذاك 000000 حتى قيل إن القصيدة العمودية ابنة البادية ـ وقصيدة التفعيلة ابنة الريف, وقصيدة النثر ابنة المدينة لما تكتنف هذه الأجناس وعلى التوالي الخشونة والليونة وما بينهما الاعتدال المحبب لذا تعددت تسميات قصيدة النثر , قصيدة الشعر , ( النثيرة ) او النثر المركز او الشعر المنثور او ما يرادفها من مصطلحات تعبيرا" عن قلق المصالح و قلق العصر هي من افرازات هذه الحركة الحداثوية(4). 
و لشعرائها شأن في الحب بدا" بالشاعر الحداثوي سركون بولص يقول : لم نعد نحب / ما كنا مولهين به / كما كان يسرنا / كالرماد على لساننا يستقر . 
كذلك صلاح فائق : حبيبتي / مع هذه القصائد / ارسل لك تحيات قلبي / الذي لا يتكلم . 
فاضل العزاوي يقول : كيف يكون الموت / بدون شهادة حب / و على ارصفة الاحلام / طيورك كيف تغادر / غابات القلب . 
اما الشاعر المتمرد و الذي يهذي بحلمه الكحولي بامتياز جان دمو يقول : حبيبتي فمك حمار كهربائي / حيث اسناني / تسافر في الريح . 
و للشاعر حسين مردان الصعلوك الاثيري يقول : اتسمع ايه الحبيب / دعني أتمدد في قلبك / فالحب قوي كالموت و الغيرة قاسية / كالهاوية / لهيبا" كلظى الرب . 
خزعل الماجدي : كلنا نحب القمر / لأنه كان في داخلنا / ذات يوم .
هذه قصيدة النثر منذ بواكيرها و حتى سبعينيات القرن المنصرم حيث كانت المواجهة بينها و بين الذائقة السائدة اشد ضراوة , ذلك لان هذه القصيدة(( كانت نظرية و تطبيقا" , ريحا" معاكسة للسياج الراسخ لمفهوم الشعر و وظيفته و مهاراته إضافة إلى ذلك فقد حملت ملابسات النشأة الأولى أي - قصيدة النثر – الكثير من الاعتراضات الأيدلوجية و التي كان من الصعب تخطيها )) (5) 
حيث جاء التشكيك باعتبارها جنس أدبي لا يؤخذ به مما ولد تراكما" من الفوضى و الاحتجاجات في حينه , و تم رفضها قبل ان تولد , علما" انها ولدت قبل قرنا" كاملا" (( لكنها بقيت في حاضنات الخدج ما يقارب الخمسين عاما")) ((لم يتعرض شكل شعري او جنس ادبي لتشكيك وتحديد لغوي مثلما تعرضت له قصيدة النثر فهي بحق تشكل (علة) اشكالية عند كثير من الباحثين والنقاد وهم بشكل عام ينقسمون الى طائفتين متناقضتين في الرؤية والمنهج الاولى : تتطرق في الرفض معللة ذلك انها خارج كل ما مالوف في الشكل وتطبيق من الشعر العربي ، الثانية ترى ان قصيدة النثر يؤثر في العلم والكتابة الشعرية وترد على القيود الكلاسكية الذي رافق الشعر العربي)) (6) و تعزيزا" بذلك ورد عن د. عارف الساعدي في مقابلة له في جريدة الزمان شباط / 2013 ( قصيدة النثر – و سؤال القراءة ) (( أن التشكيك بقصيدة النثر هو جزء من حيويتها و ديمومتها , فمادام هناك تشكيك يعني هناك قلق من هذا الشكل الجديد و ريبة في أمره , أما الاستقرار فيعني الذبول و الركود )) (6) . يعني هذا الاعتراف الضمني بهذا الجنس ضمن التشكيك بوجوده و إلا فما الريبة منه . 
(( لا شك أنها استطاعت و توسعت عبر شعرائها المتميزين أن تظهر ساطعة في سماء الأدب و أن تعبر عن بعض ما في حياتنا العربية من حزن و توتر و وحشية , لكنها لم ترق حتى ألان إلى أن تكون تيارا" شعريا" أساسيا" مستقرا" أو مهيمنا"))(7) دون إصابتها بقلق النشاة وانية الاستقرار النهائي . 

االهوامش :-
1-جمالية قصيدة النثر ـ سوزان برنارـ ترجمة د0 زهير مجيد مغامس/ بغداد ـ 1978
2- افق الحداثة وحداثة النمط / سامي مهدي / بغداد ـ1988
3- نفس المصدر في – 2 - . 
4- علاقات الحضور و الغياب في شعرية النص الادبي ( مقاربات نقدية ) د. سمير الخليل بغداد- 2008 ط 1 . 
5- حداثة النص الشعري / د. علي جعفر العلاق / دار الشؤون الثقافية بغداد - 1990 .
6- قصيدة النثر عند جماعة كركوك – د.سنان عبد العزيز النفطجي – مجلة كركوك اليوم العدد 12 لسنة 2013 .
7- جريدة الزمان / شباط - 2013 د. عارف الساعدي ( قصيدة النثر- سؤال القراءة ) مقابلة . 
8- نفس المصدر في - 5 -

دراسات: نثر - شعر: سركون بولص : المآثر و التفرد بقلم/ عدنان أبو أندلس

                      سمة التنوع في بيئته و شعره.

تنحى بعيدا" عن الأرض و اقانيمها , كالنسر حلق عاليا" و فريسته بين مخالبه , كانت له الفرادة في كتابة قصيدته , شذب حواشيها من الشائع والمألوف و ترك ما نلوك به من مكنونات شعورية مكررة , عاش في 
زمان خلقه لنفسه و حفر بأدواته المبتكرة أساسه و بني عليه جدرانه من رؤاه الخالصة ليكمل قصره الشعري 
الكوني ذاك هو سركون بولص الذي هام و توحد لمطابقة إرهاصاته و أحاسيسه مع التطور الشعري حيث 
حول جسده إلى مكان , بهذا الجدل يصبح الشاعر و المكان صنوان على مستوى واحد من القناعة اللحظوية ,
بعث من هناك برقيات اللايقين من لذاذات تاقت إليها العين بالنظرة و النفس بالحسرة غبطا" لما وصل إليه 
من إمدادات الماوراء فكانت صدى نصوصه تشبه إلى حد ما – حلم قصير , مضطرب , خائف لمكوثه في 
مكان وحيدا" يخلقه لنفسه في جدليته أرست له تحقيق عالمه الكوني , يخلقه و يدمره في آن واحد , فهو مجهول له خططه بنفسه كي يلائم محيطه البعيد و خاصة في إرساء المعاني و التي لم تنطق بعد . 
يدخل في مهاوي و مجاهيل تصل إلى مفترق طرق , يلج بالذي يقابله أولا" , ثم يتركه إلى آخر فترى ممارساته تبدو ناقصة , ثم يكملها – يتعامل مع حدث ما أن ينجزه آلا و قد اتلف معظمه فيعيد تشكيله وفق 
رياق جديد و هكذا ( 1 ) . 
إن السمات المحببة في سيكولوجيته هي اسمه و رسمه و هندامه و أناقته و حيويته و صمته المهذب و مدنيته 
في حقبة كانت تعج بالترف و الانفتاح و التمدن و التقليعات التي تستهوي شباب تلك الفترة , أن تقليعة شعره 
المهفهف و قميصه المفتوح للريح تؤهله في ذات الحين أن تجعله ممثلا" بارعا" رومانسيا" سيما و انه يجيد 
اللغة الانكليزية بطلاقة لاطلاعه الواسع على الآداب الأجنبية و ترجمتها هي التي جعلته متفردا" في راؤه و التي أضفت على نصوصه ( ملامح أساسية تجدها متجسدة فيها بناء الأدب الانكليزي و صورها و مناجاتها 
السريالية إضافة إلى تجسيده الصوفية المسيحية ) (2) من مزامير توراتية و إيقاعات لاهوتية لذا استحق قصب السبق في حداثة الطرح و التي واكبت المناخ السائد آنذاك , و في كركوك بلذات شكل سركون نقله نوعية في مسيرة القصيدة الحديثة فهو شاعر حقيقي متمدن بروحه و موهبته و أدواته الشعرية , هذه الملامح تراءت له في الامثال و الحكم متاثرا" بها متخطيا" الحواجز المحلية التقليدية مرفرفا" على تخوم النمط الاوربي فجاءت مسمياته الغريبة ( الاكروبول , تلميذة من بيركلي , سيزار فابيخو , فيبر سدروف , سيدوري 
, انسيننادا ) و كما في مقطعه .
من بين اسناني اخرج داخنا" 
حالما" / دافشا" / نازعا" سراويلي 
سيزار فابيخو – عجلة الانسان الجائع 
يا سيزار فابيخو – انا من يصلح هذه المرة 
اسمح لي ان افتح فمي – و احتج على الدم الصاعد 
في المحرار – أرى الزئبق إلى الخلف 
هذه المناجات السريالية استقطبت مفردات حديثه وواقعية و خيالية في آن واحد , مفردات متناثرة تنظيم فني و فوضى مدمرة نستنتج من ان رفض الاتحاد القائم بينهما إلا في وحدة الشاعرية حيث جاءت على شكل مواعظ و حكم و استرشادات و حكايات و موروث و ذكرى عبرا ديوانه ( الحياة قرب الاكروبول ) المختلف عن 
اصداراته الاخرى ... قصائده عما اسلفناه عنونتها مثل الحالمين – العشاق – بستان الاشوري – الأم تريزا 
و نستل منها قصيدة ( الله ) 
شاء الله 
للعالم السفلي ان يتجلى 
ازقة مظلمة , حزينة 
كتب على البشر ان تهيؤا فيها 
الى الابد 
اما مناجاته الأخرى و التي استعذبناها و ارهقتنا باللايقين كان له تفرد حقيقي فيها استدرك شظاياها المتناثرة 
و إشعاعاتها الساطعة بلغته المستحدثة هي السمة التي لا تخلو منها أيا" من قصائده وفق سبيكة صنعها بنفسه 
فلمعت في افق الادب العربي و العراقي و الذي كان يخلو في مناخه الواقعي مثل هكذا لون , و إليك هذا 
النص المفكك السريالي – الفوضوي – المتناثر – السائب – التائه – الفالت من سيطرة العقل و الإدراك و 
الوعي و الذي كتبه في اوج قصائد التمرد هو( الام بودلير وصلت ) نستل منها ما يلي : 
وصلت الى الحد 
في الاصل كنت راعيا" 
يفترس ارخبيلا" ممزقا" 
من الارواح 
في الماضي الذي يمكن صيده 
اخرج اليه فيهرب 
غزالة تاكل الملح على بابي 
أي ملح بقي لي ايه الماضي 
هذه الملامح التي ذكرت سمه بارزة في عنفوان حداثته الشعرية و في ذائقة متلقيه , ذلك المغامر الكوني الذي 
اقتحم المنافي منذ امد بعيد لان مساحة الشعر الأرضية ضاقت به و لم تعد تسعه , لذا اضطر أن يهاجر و يهجر ذاك المناخ الضيق و الذي يستوعب فقط مفردات يقرها الواقع المألوف و تقرها الذائقة ذات السجية 
المفطورة على الشخوصات الماثلة عيانا" , سافر إلى بلاد تفتح ذراعيها للمبدعين حيثما كانوا يتقاطرون إليها . 
من خلال استقراءي للبيئة التي ولد فيها الشاعر ( الحبانية ) و البيئة التي نشأ بها كركوك و بيأت أخر تطارح 
بها الهوى و الحب مثل ( الكرادة – بيروت – سان فرانسيسكو ) و هنالك ملمح أخر أود ذكره ألا و انه 
التنوع و الاختلاط بالاثنيات و التلاقح و الثقافات و احتكاكه ب عمال شركة نفط العراق من الأجانب متقنا" 
فن التعايش مدركا" هذا التنوع (3) لذا ألهمه هذا المآثر في تنوع مفرداته فانطلقت رؤاه على أفق ملون استقله 
لتوظيف كريستالي أو أمساك السمكة العصية السابحة في بحر الزئبق هكذا اسميها شخصيا" قصائده الحداثوية 
هذا الرائد الكوني المغامر المقتحم أعاصير الحلم منظرا" في وقفته تأمل أخاذ و قدرته من التأملات الفكرية 
و الفلسفية و الجدلية جعلته و ما زال أعلى صوتا" و حضوره أوسع و صورته جذبا" و سحرا" رغم شيخوخته لدى قراءه فكل ما يصدر منه جميل وفق مآثر سيكولوجية يغرق فيها بهواجس عاطفية صارخة و إيقاعات تمتد على مسافة التكييف الجديد , هذا الدخول الواهم و السابر لأغوار اللاوعي يمنحك مؤشرات في 
قصائده النثرية , عبر تدرجات بين السريعة و المقطعية الطويلة و المسترسلة (4) ذلك سركون بولص السيل 
الزاهي في عالم الشعر . 

المصادر : 
1- جريدة نركال – العدد -60 – تشرين اول /2008 – كركوك . 
2- افق الحداثة و حداثة النمط – سامي مهدي – بغداد – 1988 . 
3- كتاب شعرية الماء – جريدة النبأ – العدد – 185 / 2007 – كركوك . 
4- أسد آشور – قراءات و مختارات – هشام القيسي – كركوك 2008

دراسات: نثر - شعر: سمات العشق الصوفى بقلم/ عدنان أبو أندلس

اشراقات البياض : سمات العشق الصوفي 
شطحات ناصعة في نصوص الشاعر محمد مردان. 

ان العشق اسمى شعور انساني يمر به المرء ، من خلال تجربة عانى فيها اذ يحسبها الذ ما تكون رغم قساوتها المرة . انه اعلى مراتب الحب رائد الجمال وقوه روحية عظمى تسيطر على حواسه وتحصي سكناته وحركاته. (فالحب كما يفهمه الصوفيون ، فناء عن الذات او الانا وبقاء بالانت او بالله، ان حقيقة المحبه ان تهب كلك من أحببت ، فلا يبقى لك منك شي)*١
ان اهل التصوف احبوا قصة مجنون ليلى(لما رأوا فيها من اسنى الكناية عن اسرار النفس البشرية ومن الرمز الى اشتياق النفس الخالية من الأهواء الدنيئة الى الرجوع الى الله والاقتران به)*٢
كذلك تناول اخوان الصفاء في رسائلهم الموسوعية(الرسالة ٣٧) منها وقد جعلوا عنوانها:(ما هية العشق) ؛ وخلاصتها (ان الله هو المعشوق الاول ، والفلك انما يدور شوقا اليه ، ومحبة للبقاء والدوام المديد على اتم الحالات واكمل الغايات وافضل النهايات)*٣ 
ان الاقتحام شي رائع لما يخلق من العدم عوالما ناطقه خاصة به ، ومن اللاشي هياكلا ماثلة حيث ابتكار مساحات مزدحمة من البياضات الزاخرة بالتاملات العرفانية و الشطحات الصوفية الناطقة هذا مافاجئنا به الشاعر د.(محمد مردان)في اصداره الضخم والذي ينوء بثقل(٦٣٤) صفحه من اعماله الشعريه الكاملة منذ ١٩٧٨ ولغاية ٢٠٠٨ والصادرة عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع في دمشق والتي تضم بين دفتيها سبعة دواوين شعريه كانت قد صدرت سابقا واستجابة لنداء مركز التنوير الحضاري ودعوة الاستاذ أ.د(محمد صابرعبيد) المشرف على المشروع.
أود تقديم هذه الدراسة وكما اسلفت لضخامة الاصدار قد اختصرت على جانب واحد فيه وهو الاكثر حضورا في النصوص (العشق الصوفي) المتجذر اصلا في واحة المجموعة الخصبة.
عند الامعان جليا يتضح لدينا بان اللغة الصوفية الموشحة بمفردات البياض يكثر انتشارها بين النصوص وتزخر بمفردات عالقة بين الأذهان لايمكنها ان تنزاح عن ذاكرتنا ويصيبنا نوعا من الهلع حال سماعنا اقتراب الموت الماثل كل لحظة ورموز تتسجى هي الاخرى بالبياضات ويمكن ذكرها كالاتي . 

التجلي ،الصور،مزامير،العراف، مواجيد،عذابات،المناسك،القيامة، المعجزة،أصحاح أخر ،الرجيم، الاقانيم،شحطات، المعراج، اهل الكهف، الارضون، المن والسلوى،النشور،قداس،حضرة، البرزخ ،الناموس ،الاصنام،المشهد، اللوح،هذيان،الحلول،الروح، التوحيد،الكفن،المكاشفة، العرفان،الروحاني،الاشراق، الرؤيا،اتحاد،التقمص،الطواسين، الناسوت،اللاهوت ..الخ.
إضافة إلى إن الشاعر يتربع على خزين ثقافي واسع لاطلاعه الشامل على ثقافات الشعوب الأخرى وهذا مايضفي على نصوصه صفه التنوع لتأخد طابعا موسوعيا وموروثا اجهله ان يغادر دائرته المحلية ويجوب سوح العالم وهو متكئا في مكانه وهذه مفخرة احتسبت له ؛ولنحصي مفردات الموروث التي زجها بين صورة الشعرية.

شوكليتودا ،جين ماجين،سهول الرنة،جبل قاف، زمر عنقا،عشتار،لوليتا،ماريانا، كرستولا،القديس اوغسطين، شاه ماران،باشطابيا، كاراباغ، ارتين،الساز، النبي دانيال، فيزوف، كارودا، بيجا، نوتردام، ابوعلوك،كوزيده،تبريز، دي شاميلي، قرميزي كليسه. 

ان تأويل المرارات التي يحدث بها شاعرنا نفسه عن عشقه الأزلي لاملاءات المكان، مرتع صباه وعاصمة قلبه وضفاف فؤاده (الزاب الاسفل) وحالما يكمل دورة الحياة يقول بكل انتعاش مخدر(اني رايت منتهى كل شي) انه القتيل الذي يؤبن نفسه بالعشق واستحضرني بيتا من الشعر (لابن الملوح) يقول فيه على لسان محبوبته (ليلى العامرية) بما يشابه اضمامات الشاعر مردان .

باح مجنون عامر بهواه وكتمت هــــوايا فمت بوجدي 
اذا نودي يوم القيـــامة من قتيل الهوى, تقدمت وحدي

من خلال استقرائي لتدرجات النصوص في المجموعة استوقفني عنصر الزمن فيها وكانه يداهم الشاعر ساعة الغفله اي الساعة(٦) و(٧) مساء و(٣) فجرا على مدار تلك النصوص الزاخرة بالعطاء وكأنه يوافق اختلائهم بمن يعشقون وتحسبئا لرصد من يراقبهم. 

يمكن الولوج قليلا الى ظاهرة التقطيع تزبير الكلمة الى حروف مثلا.
ميم نون الف لام = منال 
قاف ميم باء راء = قمبر
الف راء زاء ياء = ارزي 
كاف واو زاي ياء دال الف هاء = كوزيداه 

هذا التقطيع المشفر في طلاسم العشق الصوفي ربما إشارة اخفاء لمن ابتلاهم فخروا صرعى تنزف قلوبهم إشعاعات بيضاء وهذا يشابه نوعا ما رموز ديوان الحلاج (الطواسين) .وربما تأوهات بنفس محبوس ما يفك رموزها الا العشاق 
ان أصحاب الروح البيضاء او متذوقي الشراب الرباني (العشق الالهي) الذين تجاوزوا المعرفة الحقيقية متخطين العالم المحسوس حين بلوغهم مرحلة الحال(الخلوة) او(الوقفه) (التي هي حالة غريبة مدهشة يدعى الصوفي فيها انه راي ما لاعين رات) *٤ 

ان المعرفة الحد سية الباطنية كما عند الحلاج والبسطامي وابن عربي وجنيد والسر السقطي والسهروردي وغيرهم ، هذا العشق الذي يغزي المرء في حالة استرخاءه التام وعينيه تحدقان صوب الحقيقة في هباب ابيض يملئ المكان وبهذا يمكن استقراء الاملاءات في اللغة البيضاء (الدينية،الصوفية) كي تظهر المفردات المشعه حصرا والتي وردت في طيات الاعمال وكالاتي. 
العشق ومشتقاته وردت (٧٦) مرة 
الحياة ومشتقاتها وردت(٢٦)مرة 
الموت ومشتقاته وردت (٨٧)مرة 
الميلاد ومشتقاته وردت (٣٣)مرة 

اضافة الى ورود الحزن (٥٣)مرة والحب (٤٢) مرة اما الغائب (الفرح) الذي يلائم مناخنا الحالي ورد فقط (٣)مرات . هذا الاستنتاج يدل على ان الموت هو الحقيقه المطلقه في الوجود وفي نظر سائر البشر ومنهم (الزهاد).
يلاحظ ان الشاعر يزاوج اللغة الدنيوية مع اللغة الدينية كي يبتكر أبجدية اخرى عند بث مشاعره عبر أحاسيسه الاشراقية خلال شطحاته حيث تتداخل لغته مع اللغة الشفافه إلى يراد منها كي تلائم خلجاته ولتكون قريبة من المعنى الديني في اللغة ألقرانيه *٥
وفي حالة تجنيس لبعض اسطر وردت هنا مثلا:

فارجع البصر المنتخى كرتين
وهنأ على وهن
ان قميصها قد من دبر
البرهة همت به وهم بها
فبآي الاء النبوة تهادن

مثلما تروم الروح بالقدرة الى السمو كذلك الشاعر يعلو بالمفردة ويسمو بها الى مصافي البلاغة ما ان يصل الى مقصده منها يرميها من هناك فتكون مهمة الناقد حال هبوطها ان يرويها بالمعالجة التفسيرية والتحليل .
مع العرض انه يزحم ايقاعاته من وراء الكواكيس ليتقمص مشهدا اليفا مخافة ان ترفع الستارة عن فصل موسمي قابل للتلاشي.
ولإجادته لغات أخرى غير العربية لها اثر خالص في تنويع وتزويق نصوصه بمفردات تعني بموروث تلك اللغات
وهذا مالمسناه في قصائده التي تحمل بصمه من خصوصياتها وخاصة اللغة السريانية منها وطقوس القداس فيها والتي دخلت في تفاصيل حياته اليومية.
وفق ما تقدم يمكننا الان الولوج بكل هدوء عبر كوة الى مشاعره قبل ان تستفيق انفاس احاسيسه ونحلل ما يحلو من نصوصه ونستهل بديوانه (أسفار الشجر) وقصيدة (ملامح من العشق): 
يانافذة 
الفرح الجذلان
انا وحدي
مستودع احزان العالم.

ان اللحظة الاولى ،لحظة نداء شامل للفرح وشكوى للحزن بكل نقاء وصدق لانها تأتي دون مقدمات (مباغته) وبعفويه صادقه غير مرتب لها والتي يطوقها السرور الطاغي.
ومن ديوانه (ثانية يتألق الإشراق) وقصيدة (أشعار نسبت للحلاج ) حلول 
في حضرتي صليت ركعتين 
وفي لقائي صليت ركعتين 
ويوم مولدي تيممت نزفي 
صليت ركعتين

ان حالة الحلول تتجسد في اهل التصوف فلهم دراية في احوال لم نفقهها امام خيالاتهم واخيلتهم كحدس ملموس والتنبؤ بما سيصار اليه من كشف وتخامر الغيبوبة لحظة الصراع النفسي من الهذيان والذوبان والتقمص حتى يقول الواحد منهم للاخر يا(انا) .
وديوان (الوقوف بين الاقواس ) وقصيدة(العراف).
حملت دمي
نزيف شطحتي
وما نحرت ناقتي
الا لمن خاض البحار

أن السياحة والهيام في بلاد الله الواسعة هو ديدن الزهاد ومن صفات العشاق الذين يفترشون الندى ويلتحفون الضباب ليس لهم حدود تذكر الاحدود الخالق يجوبون المعمورة سائحين لله يبحثون عن الحقيقه.

وفي ديوان(الايادي القصبة) نستهل منه قصيدة(نزيف)
هو ذا محمد مردان 
خاتم العشاق
ونبي المحبين
هذي وصاياه
وتلك جنته المترامية الإطراف
فادخلوها أزواجا 
ولكن عذرا
أنها محرمة لمن لم يكن الحب
سلطانه

بهذا النص يعلن الشاعر عشقه الخارق على مسمع البشرية من ولج الحب قلبه يستطيع الدخول الى جنته بوصايا ربما تكون هي اوامر بتأشيرة دخول الى سفينة نوح اوجمهورية افلاطون المثلى التي استثنت الشعراء منها.

وفي ديوانه(وليكن حبك رصاصة الرحمة) وقصيدة (اسئلته الممطرة) :
كل مشهد وله افريقيا شائكة
كل حلاج وله ركعتان
في العشق
يشرب نهر الزاب
فيموت غريقا.

ان العاشق تسري فيه حرارة تمده بالحس وان يجسد اتصالاته الهادرة وان يحول الحرف الى كائن يحتضن قلبه لعله يحس بما فيه من حرقه اللوعة ووقدة العاطفة والقارة الشائكة والحلاج وتحولاته يشتركان في الحرمان ذاك.
ومن ديوان (مردانيا) ونص (الموسلين) نقتطف منه:
كان يتأبط قدميه ويحملها
يحط بهما في حضرته
ويعود أدراجه بلا قدمين.

ان ظاهرة الحلول جليه في هذا المقطع المتسربل بالغموض والعصي على الادراك المنطقي الذي تجرد به عن بشريته واتحد مع الله لان الفناء هو اتحاد بلسان الحقيقه وهذه الظاهرة كلها ذوقيه وجدانيه.

في ديوانه الأخير(اناديك ...فتأتي القصيدة) ومن مقطع من قصيدة(صوت المدينه) يقول فيها:

حاولت الصلاة على سجادة جسدي
كأية ايام قميئة
غير إني لم اتعب
من الدوران حول نفسي
أريد ان أكون انا.
اي ذوبان هذا واي مكاشفه تلك، هذا التجلي يمر به لحظة الحدس واليقين خارج البصر انه يدور حول نفسه ولم يتعب حاله حال المتصوف (المولوي) الذي يجسد بحركته تلك حركة الكون الاثيريه فيشعر بشعور اخاذ نحو الخفه وكأن الدنيا هي الاخرى مسرورة لحظة دورانها معه.

ختاما اود القول حقيقه وللامانه اشهد بأنها اعمال شعرية تستحق القراءة اكثر وبامعان ، ومن المؤكد انها تجربة بهذه الفرادة في اصدار عمل ضخم مثقل بهذا الكم الهائل من صفحاته ونصوصه الزاخرة بالمفردة العذبه الرشيقة والتي تحاكي بانسيابيتها الهموم اليومية التي نكابدها، متمنيا له المزيد من العطاء وهو يرفل بحيوية الفكر والجسد معا كي يستنطق مزيدا من البياضات التي تلوح في ركن السعادة القصي. 

الهوامش :
1) الثابت والمتحول :- ج2 (تأصيل الاصول ) –دار العودة – بيروت علي احمد سعيد (ادونيس ) ط3 -1982 ص 94.
2) فلسفة الحب عند العرب – عبد اللطيف شرارة ,منشورات –دار مكتبة الحياة بيروت -1960 ص 113 .
3) نفس المصدر في (2) ص 147 .
4) دراسات في الشعر العربي الحديث – وفيق خنسه –دار الحقائق للمطبوعات الجزائر .1981 ص 19-20 .
5) ينظر صحيفة الصباح العدد 1699 في 11/6 / 2009ص11 (ثقافة ) اللغة الصوفية والمعنى في ( الفجر وما تلاه ) الناقد صلاح حسن السيلاوي .

ما قل و دل: موقف د/ الببلاوي المحير بقلم / أبو السعود سلامة

في حديث تليفوني بوائل الإبراشي وضح الدكتور الببلاوي رأيه في عدم إطلاقه على تنظيم الإخوان أنه تنظيم إرهابي معللا رأيه بأن اتهامهم بالإرهاب رأي سياسي وهو رجل تنفيذي وهو كداعم لدولة القانون يترك هذا الأمر للقضاء وللأسف هذا رأي حكومة الثورة . يا سيدي أنت رئيس حكومة الثورة وكان الأجدر بك أن تحل هذه الجماعة عندما رفعت السلاح ضد الشعب وقد عضد رأيه بخشيته أن يأتي رئيس في خلال عشر سنوات فيحكم على هذا أو ذاك استنادا للحكم على الإخوان ، وطبعا أبكانا هذا التعليل الركيك كمواطنين ولا أدري من طلب منه أن يوصف لنا ما نحن فيه من تعطيل القطارات وتعطيل الجامعات ومهاجمة أقسام الشرطة وقتل الجنود والضباط وقطع الطرق وحرق بيوت العبادة ، ولا أدري ما سر حديثه الذي صدمنا به وكأنه يريد خديعة الشعب مرة أخرى في الإخوان فليته سكت واحتفظ برأيه لنفسه ، فأنا اعتبرك بكلامك هذا ترضي مجموعة من الأفراد أو تخشى على نفسك من قائمة الا غتيالات التي بشرونا بها

دراسات: نثر - شعر: جائزة نوبل بين أحمد فؤاد نجم ، و الأديب نجيب محفوظ ..!! بقلم / حامد أبوعمرة


من الطبيعي جدا أن تنعي الجامعة العربية نيابة عن الوطن العربي الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم فقيد مصر والعالم العربي. وبلمحة بسيطة عما قاله البعض عنه فنجد أن الشاعر الفرنسي لويس أراغون: يقول عنه «إن فيه قوة تسقط الأسوار» بينما أسماه الدكتور علي الراعي « الشاعر البندقية» ،ومن الطبيعي أيضا.. أن أخط بقلمي لأرسم ملمح تاريخي في نعيي عن شخصية بل طفرة إنسانية بالدرجة الأولى ،لما تتمتع به تلك الشخصية من طيبة وبساطة ،وشفافية راقية تفوق في بياضها صفاء الحليب ،وحنايا الجليد ،شخصية تمتلك بفطرية عميقة كالجذور من حس وطني وشعبي مرهف وانسجام إيجابي لسفير الطبقة الكادحة و كل المعذبين والمكافحين ،والفقراء في الأرض.
لم يهنأ لي بال بعدما علمت بخبر وفاته أن يمر ذاك الحدث مرور السحاب ،كأمطار وهمية حلم بها فلاحي الأرض لكي ينبت الزرع أو العطشى الذين ينتظرون رشفة ماء ، اعترف انه تقصير متعمد مني كالآخرين الذين لا يشعرون بأهمية ،ومكانه من حولهم إلا عندما يرحلون ،هي مجرد ومضات خاطفة كالبرق أردت أن أشير بها في مقالي هذا عن هذا العملاق الثوري ،..فلم تفقد مصر وحدها ،الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم أحد أهم شعراء العامية والذي عرف بأشعاره الوطنية وانتقاداته اللاذعة ، ليس فقط لحكومات مصرية متوالية بل للشأن العربي بصورة عامة .. نجم ذاك الفارس الشاعري الثوري الملتزم و المعاصر ذاك برأيي أنه أقل ما يمكن أن أوصفه به .. ذاك " النجم" اللامع في سماء الثائرين عن الذين يفتشون عن التحرر ،والكرامة، وحرية العيش ، لم يكن نجم شاعرا شعبيا خالصا بل كان عالميا في كلماته الملتهبة ،والتي كم أدفئت القلوب البائسة وسط شتاء البطش ،والقهر وظلم الحكام والساسة ، المعروف بأشعاره السياسية النقدية صاحب "مصر يامّا يا بهيه " وصاحب رائعة " البتاع"وكلمتين يا مصر" و"جيفارا مات" و"كلب الست" والذي شكل بكلماته الوطنية ظاهرة فنية رائعة وساحرة في عالم الدويتو قلما تتكرر مع المغني الشيخ الإمام عيسى ،حقيقة أني أقول من أن يحب أن يرى مصر ،فلينظر إلى عبقرية الشعر العامي احمد فؤاد نجم فسمرة بشرته هي صورة منسوخة من تراب مصر ،وتعاريج جبينه تبدو كمياه النهر..نهر النيل في انسيابه ،ووجنتاه الحمروان خوفا من ضياع مصر وخجلا تراءت كحبات الفراولة المزروعة على ضفاف النهر.. لقد كانت جلبيته البسيطة خريطة نجاة للأحياء الفقيرة والشعبية .. ،لو كنت احد مسئولي جائزة نوبل ،أو من ذوي القرار في لجنة الحكم ما ترددت ولو لحظة في منحة لقب الفوز بتلك الجائزة العالمية وفي تكريم ٍ يليق بمكانته ،فهو لا يقل مكانة عن الأديب / نجيب محفوظ أو غيره إلا أن النقطة الفارقة والمركزية والتي تحول دون منحه جائزة نوبل سوى أن نجيب محفوظ رضي عنه الحكام والساسة والمستشرقين والمنافقين وما أكثرهم ،لكن نجم يعتبر العدو اللدود ليس لأنه يعري المرأة، ويجسد أواصر جسدها كما في روايات محفوظ ، مع خالص اعتذاري لعشاق نجيب محفوظ ،ولكنه أي احمد فؤاد نجم كان دوما يعري زيف الزعامات ، والحكام ،ويُساقط عن براثن خياناتهم أوراق التوت التي يلتحفون بها ،فهناك فرقا شاسعا بين من يُعري الجسد ،ومن يعري أعداء الوطن والوطنية ..إن نجم لا يقل وطنية عن "همنجواي " الذي أصيب 227 قذيفة في ساقه ،أثناء الحرب الأهلية الاسبانية دفاعا عن المظلومين ،أصحاب الحق كما كان يقول عنهم .. صحيح أن نجم رحل عن عالمنا ،ولكن أعماله الشعرية لم تزل تشع بكل حفاوة لتنير دروب البؤساء ويبقى السؤال :هل سينصفه المؤرخون الذين يدعون كتابة التاريخ أم سيسقط كما يسقط العظماء ،لعدم رضى الحكام عنهم ؟!

مقالات سياسية: مصر أولا يا دعاة الثورية بقلم/ أبو السعود سلامة

فشلت القوى الثورية في أول الطريق في اختبار قانون التظاهرلأننا لن ننساق وراء الفوضى التي بثها الإخوان
وعندما نقول القوى الثورية نقصد القوى التي تدفع مصر للأمام لا التي تجرها للخلف وقصة 6 ابريل معروفة للجميع ولا أدري ما دور البطولة الذي تريد أن تلعبه الآن ؟ ولصالح من ؟
الحكومة حكومة ثورة 30 يونيه فما التعارض بين المؤيدين للحكومة وقانون التظاهر؟, إن القوى التي تدعي الثورية من التيار السياسي والحزبي الذي تنتمي إليه الحكومة يهددون بتجميد عضويتهم في لجنة الخمسين احتجاجا على قانون التظاهر ، وهم بذلك يعطلون المسيرة نحو تحقيق خارطة الطريق وهذا الموقف يلقي ظلالا كثيفة حولهم فإما هذا الموقف مرتب لأغراض غير معلنة أو تعبير عن صراع حاقد داخلي نحو السلطة ، ثم إن هذه المظاهرات برمتها كانت تحديا سافرا لتطبيق قانون التظاهر، هذا الانطباع جعل الرأي العام يقف في جانب تنفيذ القانون،ويشعر بعدم انتمائهم لهذه الأرض التي نعيش فوقها ، ثم ما معنى أن تطالب تمرد وزير الداخلية بالاستقالة ؟؟ ولتعلم تمرد وغيرها من الجماعات المختلفة أن ثورة 30 يونيه قام بها الشعب كله وهي ملك لشعب مصر.
ولننظر إلى قانون التظاهر في الولايات المتحدة الأمريكية وقانون التظاهر في إسبانيا نجد بنودهما في مصر تتطابق فيما عندهم
ولا أدري ماذا نصنع في المستفبل إذا كانت الحكومات ستكون ملطشة لكل من هب ودب . 
هيبة الدولة يا رجال الحكومة الخلصاء يجب أن يعرف كل مصري دوره ويتحرك حوله أو من خلاله ، فلا نقبل بتهديد رئيس العمال لرئيس الوزراء ولا نقبل بفرض رأي أعداد تعد على الأصابع تدعو لاستقالة وزير الداخلية.
علينا جميعا أن نعمل جميعا في اتجاه واحد لحماية مصر ممن يتربصون بها وكلنا نعرف الأعداء داخل مصر وخارجها .

* تنويه: هذا المقال يعبر عن رأى صاحب المقال و لا يعبر بالضرورة عن رأى الموقع, أسس هذا الموقع ليكون منبر لكل الاتجاهات السياسية بدون إقصاء لأى فكر سياسى حتى لو لم يتفق مع توجهات مسئولى الموقع و سبل الرد متاحة للجميع من خلال مراسلاتنا على إيميل الموقع.

مقالات سياسية: دبلوماسية بدر بقلم/ عبد الرازق أحمد الشاعر

ألقى السفير التركي حسين بوتسالي نظرة وداع على مقره في قلب العاصمة المصرية قبل أن يحمل أمتعته في رحلة عودة مفتوحة قد تحمل العلاقات التركية - المصرية إلى أبعد مما كان يتصور. لكن الدبلوماسي المحنك لم يدل بأي تصريحات للصحافيين عقب وصوله اسطنبول مساء الأربعاء، على أمل أن يذوب الجليد بين السفارتين يوما، وتفتح العاصمتان حدودهما المستنفرة. لكن المتابعين لتصريحات رجب طيب أردوغان يدركون جيدا أن الباب الذي صفقه خلفه لن يعود ليفتح إلا بعد تغيرات إقليمية جذرية في إحدى العاصمتين أو كلتيهما. 
هذا، وتتجه أنظار المراقبين حاليا نحو بوابات السفارة القطرية، اعتقادا تسبقه عشرات البراهين بأن السفير القطري منهمك في حزم أمتعته الثقيلة في انتظار تأشيرة الرحيل. لكن أحدا من المتابعين لماراثون الرحيل القسري لا يقف على أعتاب سفارة جنوب إفريقيا ليلقي تحية وداع على رجل يترقب التاريخ قرع نعليه فوق صالات كبار الزوار بين عشية خلاف وضحاها.
الشئون الداخلية للبلاد كالأسلاك الشائكة سواء بسواء، ولا يجوز عبورها طبقا للأعراف الدبلوماسية إلا بعد الحصول على تصريح مشورة، لكن الأوضاع الداخلية غير المستقرة بمصر شجعت بعض أولي الإربة من دول الجوار على التدخل المستفز في شئوننا الخاصة، ولو توافق إخوة كرامازوف على الخروج الآمن لوطن كان كبيرا بحجم الجغرافيا لما وجد المتربصون بأسلاكنا الصدأة مدخلا لأحذيتهم الرخيصة، لكن هذا بالفعل ما حدث.
أدان الطيب أردوغان الطريقة المهينة التي اقتيد بها الرئيس المصري المعزول إلى قاعة المحكمة وقال متجاوزا كل أعراف الدبلوماسية اللبقة أنه لا يكن أي احترام لمن اقتادوا مرسي إلى قاعة المحكمة، فكان تصريحه بمثابة القشة التي قصمت ظهر العلاقات بين البلدين. أما قطر التي تحولت من نقطة مبهمة في محيط العرب الكبير إلى علامة تعجب مدهشة بفضل قنواتها المتناثرة فوق خطوط الطول وخطوط العرض، فقد ربطت وجودها في مصر بقدم جماعة الإخوان المصرية، مما يجعل وجودها بعد رحيل الدكتور محمد مرسي أمرا مستغربا.
أما جنوب إفريقيا، فكانت أشد دول القارة السوداء تحيزا ضد حكومة مصر المؤقتة، إذ لم تتردد كمثيلاتها اللواتي اكتفين بقرار الاتحاد الإفريقي بتجميد عضوية مصر إلى أجل غير مسمى، بل سارعت إلى وصف ما حدث في مصر بالانقلاب على الشرعية والإطاحة برئيسها المنتخب، وهو ما أدى إلى إحداث أزمة دبلوماسية كبيرة بين القطرين الكبيرين. لكن التصريحات الجنوب إفريقية التي تلت فض اعتصامي رابعة والنهضة والعبارات المناهضة لاستخدام القوة "المفرط" والتعامل مع المتظاهرين "السلميين" بالعنف، ذهب بالعلاقات الباردة أصلا بين البلدين إلى مرحلة الموت السريري.
ولم تفلح الدبلوماسية المصرية في إصلاح ما أفسدت الدماء، وأسهمت تصريحات الدبلوماسيين المستفزة في انهيار أخر قلاع التفاهم بين البلدين غير الشقيقين.ففي غمرة غضب مفتعلة، قرر السفير المصري بدر عبد العاطي أن يلقي قفاز الدبلوماسية في وجه منتقدي سياسات حكومته الانتقالية، فعقد مقارنة مؤسفة بين ما حدث للمتظاهرين من الإخوان في رابعة والنهضة وما حدث لعمال مناجم الفتح في ماريكانا. وهكذا ذهبت الدبلوماسية إلى حيث ألقت رحلها السياسة المصرية المتأزمة.
أما مأساة ماريكانا والتي لم يشهد لها القرن الجنوب إفريقي منذ ستينات القرن العشرين مثيلا، فكانت مجزرة أدمية راح ضحيتها 44 رجلا أغلبهم من عمال المناجم التابعين لشركة لونمين في منطقة ماريكانا على حدود روستنبرج. وقد خلفت تلك المأساة 78 إصابة بين عمال الفحم المعتصمين. وقد شهدت جنوب إفريقيا على إثر تلك المجزرة نوبة من الاحتجاجات غير المسبوقة في تاريخها الحديث.
لم يدرك السيد بدر عبد العاطي وهو يعقد تلك المقارنة السخيفة أن الدماء لا تبرر بالدماء، وأن قتل عمال المناجم السلميين في جنوب إفريقيا لا يبرر قتل المعتصمين السلميين في رابعة أو النهضة أو أي مكان في بلاد ما وراء المنطق. كما يعد رده الحاسم اعترافا ضمنيا من أحد سفراء الحكومة المؤقتة بأن الاعتداء قد وقع بالفعل وأن ما تعرض له إخوان رابعة والنهضة يتشابه إلى حد التطابق مع ما حدث أثناء فض اعتصام المناجم في ماريكانا من انتهاكات. وهو اعتراف يبرر ما أراد السفير المفوض نفيه، وما أرادت الدبلوماسية الجنوب إفريقية أن تصل إليه من إقرار.
التصريحات المتخبطة واللغة غير الدبلوماسية سمة المرحلة إذن، والانفعال غير المبرر وغير الأخلاقي يجعل الدبلوماسية المصرية تتفوق على أوضاعنا الداخلية المرتبكة والمتأزمة. صحيح أننا نرفض تدخل المراقبين خلف الحدود لما يحدث داخل البيت المصري من خلافات، ولا نجد مبررا لتصريحات رعناء تصدر من هنا أو هناك لتشجع طرفا على طرف أو تنصر فصيلا على فصيل، إلا أننا لا ينبغي أن نسكت على تصريحات من يتحدثون باسمنا ويسيئون إلى دبلوماسيتنا العريقة بانفعالاتهم الرعناء.

مقالات اجتماعية: عذار هنادى بقلم/ عبد الرازق أحمد الشاعر


"أنا كنت ميتة فعلا في انتظار الدفن،" كلمات أسرت بها "هنادي" لأمها وهي تنتظر خالها الذي جاء من أقصى البداوة يسعى حاملا في طيات ثيابه طعنة أخيرة لصدر يحتضر. وحين أراد الرجل أن يجز عنقها بخنجر التقاليد البالية، نظرت في عينيه ذاهلة وكأنها تناشده الخلاص من واقع لا يحفظ عذرية ولا يقبل عذرا. لكن صرخات الفنانة زهرة العلا المكتومة ودعوات الكروان إبراهيم الموجي لم تترك في آذان المصريين المولعين بالاعتداء والدفن ما يليق من صدى. ففي كل عام، وطبقا لإحصائيات وزارة الداخلية، تتخلى عشرون ألف مصرية عن عذريتها كرها تحت تهديد الخوف من الفضيحة، فمنهن من لا تجد خنجرا من قريب ملكته أمه أمرها، ومنهن من لا تجد صدرا حانيا تواري فيه سوأتها، لكن المؤكد أنهن جميعا يلقين ما لا يليق من إهمال في أقسام الشرطة إن تقدمن ببلاغ، وما لا يحتمل من مجتمع لا يحترم نساءه، وإن كن مغتصبات.
وقد أظهرت حالة الانفلات الخلقي مؤخرا نزوعا جماعيا نحو الاغتصاب، وكأن الخوف من القضبان كان رادع الشباب الأول، وليس الوازع الديني الذي تباهي به الخطباء من فوق منابرهم عهدا. صحيح أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، لكننا لم نكن نظن أننا بهذا الفساد حتى كشفت الثورة عوراتنا الخلقية وتديننا الهش. ولو اكتفينا بإحصاءات الداخلية، ولم نلق بالا للمنظمات الحقوقية التي تقول أن عدد المغتصبات يتجاوز الرقم المعلن بعشرة أضعاف، لأدركنا أننا في حاجة إلى ثورة خلقية تسبق وقفاتنا المستحقة أمام مجلس الشورى وقصور الرئاسة.
أي مجتمع هذا الذي يدافع ثواره عن حرياتهم في التظاهر وهم يعجزون عن حماية فروج نسائهم في ظل فوضى أخلاقية لا سابق لها في مجتمع تجاوزت حضارته سبعة آلاف عام، وناهز متدينوه التسعين بالمئة؟ لقد تجاوز المغتصبون في مصر كافة الأعراف والقيم وداسوا بأقدامهم القذرة فوق أقدس الحقوق البشرية استهانة بقانون تفرغ لشحذ مواده ضد ثلة من أبنائه فأوسعهم بنودا وأحكاما. ولو اقتصرت انتهاكاتنا الجنسية على بنات جلدتنا، لظلت الكثير من جرائمنا الجنسية طي إذعان ومهانة، لكن مشيئة الله أبت إلا أن تحرج محاكمنا البليدة وقوانيننا العاجزة بأضواء كونية كاشفة لتبين ما وصلنا إليه من تجاوز لكل الأغشية الحمراء. 
اليوم تتحدث كبريات الصحف في العالم عن فضيحة اعتداء لا تنتهي بخنجر معقوف في طيات ثياب بدوية، فالجريمة مصرية بامتياز، لكن الضحية هنا لم تكن ميتة في انتظار الدفن كهنادي في "دعاء الكروان". اليوم تعتذر وزارة الخارجية البريطانية عن جرم ارتكبه أحد المصريين الواقفين عند معبر تفتيش بسيناء، تشك الآنسة ميم بأنه ضابط نظامي. لكن رفرفة العلم المصري فوق رأس صاحبنا لم تمنعه من اغتصاب امرأة لجأت إليه طالبة الأمن بعد خلع مبارك بثلاثة أشهر. أما البريطانية العاملة في مجال حقوق الإنسان التي توسمت في نجوم صاحبنا خيرا، لم تجد عنده ما يكفي من النخوة ولا ما تستحق من كرم الضيافة. 
كانت الفوضى عارمة، وحظر التجوال يجبر النسوة اللاتي قطعن طرقهن باللجوء إلى أقرب نقطة تفتيش هربا من الرصاص الطائش وأعين المنتمين إلى طرف ثالث لم يحدد بعد. لكن النزل الدافئ لم يكن آمنا بما يكفي لحماية بريطانية ضالة انقطعت بها السبل إلا من كمين. يومها اكتشفت البريطانية المولد أن الكمائن في بلادنا ليست خيرا كلها وأن النجوم التي تلمع في السماء لا تضيء على أكتاف بعض الواقفين عند حواجزنا الأمنية. لكن الخارجية البريطانية التي قصرت يومها في حق امرأة تحمل جواز سفر آدمي، واكتفت بإجراء اتصالات هاتفية تذرعا بالحظر عادت لتعتذر للسيدة المغتصبة وتقدم لها تعويضا ماديا ووعدا بأن لا يتكرر معها أو مع مثيلاتها ما حدث على أرض الفيروز.
صحيح أن مبلغ ألف جنيه استرليني لن يعوض الفتاة ذات الخمسة والثلاثين ربيعا عما فقدت من بكارة وما تعرضت له من تجاهل، لكن انتداب جولي ميلر من قبل البرلمان البريطاني للتحقيق في الواقعة أكبر دليل على أن المجتمع الإنجليزي لا يتعامل مع السيدة إم كما يتعامل المصريون مع كل "هنادي" تتعرض للإهانة والاغتصاب دون أن يهتز لبرلمانها كرش أو لحكوماتها المؤقتة والدائمة علم. ولأن السلطات المصرية لم تتقدم حتى اللحظة بتعويض مادي واعتذار مستحق للسيدة إم، أجدني مضطرا نيابة عن المصريين الشرفاء الذين لا يتعاملون بمنطق خال "هنادي" مع ضحايا الاغتصاب والعنف، أن أتقدم بخالص الإعتذار والأسف للآنسة إم. أعتذر لها عن اغتصابها في أرض كان الناس يدخلونها حتى عهد قريب آمنين، وأعتذر لها عن معاملة ضباط الشرطة الذين استخفوا بمصابها فراحوا يطالبونها بتصوير مواضعها حال اغتصابها. كما اعتذر للحكومة البريطانية وللشعب البريطاني عن عجزنا المؤقت عن حماية فروجهم وفروجنا، وعن تعاملنا غير اللائق مع السيدة إم بمنطق خال جاء من أقصى البداوة يسعى ليغسل عارا خضب ثيابه وكفيه بدماء امرأة عجزت ككل حكوماتنا المتعاقبة عن حماية فرجها.