سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 24 أغسطس 2013

القصة القصيرة: تفاصيل أخرى مملة!! بقلم/ مروان محمد

من حكايات عاطف العشرة 

(1)

كان يحاول أن يرتب الكلمات فى عقله و هو يسير فى أحدى أروقة مستشفى جمال عبد الناصر, كيف يخبرها عن حقيقة شعوره الجديد هذا و لا يعرف إذا كان سعيدابهذا الشعور أم لا؟!

ألقى السيجارة من نافذة الرواق المفتوحة و اتجه يسارا إلى ممر آخر قصير و تمهل قليلا قبل أن يدخل إلى عنبر المرضى الذى يضم أربعة أسرة, اتجه إلى الأخير حيث كانت تدير رأسها لشباك صغير يطل على أحدى أفنية المستشفى الخلفية.

- السلام عليكم.

أدارت له رأسها و قد انتابها شىء من السعادة لدى رؤيته حتى أن صوتها و هى ترد السلام قد تدفق إليه أنوثة عذبة أفتقدها طويلا, جلس على طرف الفراش و ضحك قائلا:

- لن تصدقى ما سأقوله لك.

نظرت إليه بتساؤل فقال و هو يضحك ثانية:

- لقد اشتريت رواية لديستوفيسكى أسمها الجريمة و العقاب و بدأت أقرأ فيها و انتهيت من نحو 50 صفحة حتى الأن.

تبسمت حتى بدت جميلة حقا رغم إرهاق وجهها الواضح و قالت فى صوت أعياه المرض:

- و هل أعجبتك؟

- أنا أقراها لأنك تحبين كاتب هذه الرواية و حسب.

أثرت الصمت و لم تعقب, صمتت لأنها لم تجد ما تقوله, كذلك هو عاوده الشعور بالحزن مرة أخرى خصوصا و قد قرأ فى عينيها هذا التخاذل أو ربما البرود و كان آخر ما تبادلاه من حديث حين قال:

- قررت أن أعمل فى وظيفة أخرى بعد الظهر.

(2)

نفض رماد سيجارته فى الطقطوقة و ظل يتابعها و هى تتحرك بسرعة و خفة بين الموائد تجيب طلبات الزبائن, اقتربت من طاولته مبتسمة و قالت:

- هل ستحملق فى هكذا إلى الأبد؟

- لازالت رشيقة يا هناء رغم كل هذه السنوات.

نظرت إلى نفسها و علا وجهها سعادة حقيقية حاولت أن تواريها بقناع زائف من الحياء و هى ترد:

- حقا يا عاطف.

- خسارة أنك تركتى الكلية.

توقع أن تعلو الحسرة وجهها و لكنها بدلا من ذلك ضحكت بصوت عالى و علقت:

- مرآه الحب عمياء يا عاطف.

شرب آخر ما تبقى من كوب الشاى و قال:

- هل تحصلين على أجر معقول؟

- لم يعد هناك ما هو معقول هذه الأيام يا عاطف.

لفت نظره توقف الأتوبيس 771 فى محطته بجوار رصيف الكورنيش فمد يده يصافحها و هو ينهض قائلا:

- لا تندمى أبدا يا هناء على ما فعلتى.

لم تعلق فى حين أسرع يعبر شارع الكورنيش فى خطوات أقرب للركض, و قد لفت نظره انعكاس أسم الكافتيريا على أحدى نوافذ الأتوبيس " ليالى الحلمية" فاستعادت ذاكرته بسرعة خماسية مسلسل ليالى الحلمية.

(3)

عندما وضع كوب القهوة على المائدة و ركز فيها لثوان خمن عاطف أن عمه مقدم على قول شىء مهم:

- أريد أن أطلعك على أمرا ما يا عاطف.

- تفضل.

كالعادة لم يكن عاطف مهتما بأى حديث و لكنه يتصنع دائما الأنصات حتى لا يحرج محدثه فأكمل عمه:

- يراودنى شعور بأن أيامى الأخيرة قد اقتربت.

هل كان المفروض على عاطف أن يواسيه ببضع كلمات على غرار" لا تقل ذلك, لازال فى العمر بقية, أنما الأعمار بيدى الله", لا يعرف, و لكنه أثر الصمت معتقدا فى قرارة نفسه أن تلك الكلمات لا تواسى بقدر ما تجلب سخط الشاكى.

- هذا الشعور لا يراودنى لأننى أصبحت شيخا أو لأنى مريض بالقلب و لكنه شعور غريب ورثته عن أبى و جدى, مثلا جدى راوده نفس الشعور قبل أن يموت بثلاثة أيام, ثم راود عمى نفس الشعور و مات بعد ساعة!

قالها و ضحك و لكن عاطف لم يضحك لأن ما يسمعه كان غريبا بالنسبة له و استطاع أن يجذب انتباهه على الأقل فسأل عمه:

- و أبى قبل أن يموت هل راوده نفس الشعور؟

- أبوك أبسط من أن يراوده شعورا كهذا, أبوك مات مثل أى إنسان بسيط!

مال رأسه قليلا على صدره و هو يقول:

- هل تصدق هذا الشعور؟

ضحك عاطف و هو يجيب:

- بالتأكيد أن كنت لا أصدقه الأن, فسأصدقه فيما بعد لأننى الوحيد المتبقى من هذه العائلة المنحوسة!

فى قرارة نفسه أعتبر أن هذا الشعور لن يراوده و ذلك لأنه بسيط جدا مثل والده, أقنع نفسه بهذا الأمر كى ينسى الموضوع.

(4)

- أستاذ عاطف.... كيف حالك؟

علامات الضيق التى شكلت ملامح عاطف لم تلفت نظر مجدى الذى أضاف بصوت عالى:

- هل تتذكرنى؟

- أنت زوج المدام!

استغرب الرجل أن تكون هذه هى العلامة التى يتذكره بها حتى أن السعادة التى ملأت وجهه غابت عنه و هو يقول فى غير حماس:

- زوج المدام!!.... هذا صحيح.

شعوره بأن هذه العلامة ليست التدليل المناسب على شخصه دفعه لأن يضيف:

- أنا مجدى جارك فى البيت القديم ... الحاجة.

- أهلا, كيف حالك؟

عاد حماسه الغير مبرر مرة أخرى إلى عينيه و نظر لعاطف نظرة سخيفة قبل أن يقول:

- لا تكذب العمل ككاشير فى فتح الله ماركت مربح للغاية.

- لا بأس به.

- هل يكلفك الوصول إلى عملك الجديد الكثير؟

مد عاطف يده إليه قائلا:

- مشترواتك يا أستاذ مجدى, هناك من ينتظر.

ضحك مجدى مناولا الأكياس إلى عاطف ليمررها على الجهاز و هو يقول:

- صباح أمس ذهبت إلى العامود لأزور أمى رحمة الله عليها و تذكرت أنه من الضرورى أن أمر على الحاجة الله يرحمها.

شعر عاطف ببرودة تعبث بعروقه فتجمد أصابعه, تذكر لأول مرة أنه لم يزورها منذ أن دفنت, الأن هو يعلم جيدا لماذا هو تعيس فى كافة أوقاته الليلية؟

(5)

أخذ يقلب فى صفحات الرواية و يقضم رغيف اللانشون و معها رشفة من كوب الشاى, حتى ألقى الرواية جانبا و نفخ نفخة ضيق, نظر يمينا إلى عم حسنى فوجده على ضوء اللمبة الفلورسنت الباهت ينام بعمق و شخيره المنتظم يبدد الصمت المطبق فى مخزن البريد.

قام ليتطلع من الشباك إلى ميدان محطة مصر فوجد إيقاع الحياة اليومى ذو الفوضى المعتادة يسير كما عهده, مشاهد كثيرة تتفاعل مع بعضها البعض داخل أطار الشباك دون أى مؤثرات صوتية.

ضحك و هو يراقب سائق التاكسى الذى يركن سيارته بجوار رصيف موقف الأتوبيسات الحكومية يتحرك بين المقود و موتور السيارة و لا يكاد يفعل شيئا سوى التنقل الغير مجدى بينهما.

فى الأخير خلع حذائه و ضرب به موتور السيارة عدة مرات و هو يسب و يلعن, تقدم منه أحد الشباب يستطلع الأمر فرفع له السائق يده اليمنى ليدلل على أنه بخير.

جلس السائق على حافة الرصيف بجوار سيارته يشعل سيجارته الأخيرة و يكور العلبة فى يده ثم يلقيها جانبا, أنعكس لهيب عود الكبريت على النافذة التى يتطلع منها عاطف و هو يشعل سيجارته الأخيرة هو الآخر و يلقى الثقاب مكورا العلبة فى يده, يفلتها لتسقط بين قدميه, ابتسم مرة أخرى مسترجعا موقف السائق فى الوقت الذى دقت فيه ساعة محطة مصر ثلاث دقات معلنة تمام الثالثة صباحا.

23-7-2003
الإسكندرية

شعر: عامية - فصحى: لو ممكن بقلم/ أميمة محمد



لو ممكن تبقي محتار 

لو ممكن من غيري تكمل مشوار 

وتنساني......

قول ... أتحداني 

ولا هسأل ليه ؟

ليه أعيش أوهام تاني ؟

لو فيها الخير ليك ؟

لو هتقدر تواسيك 

لو لاقي فيها أماني 

يالا قول واتحداني !

غيرتي عليك مش قتلاني 

ولاحبي ليك هيسألني تاني ؟

ليه كتير أنا عشت أحزاني ؟

وليه هدمت بأيدي كياني ؟

مش فاهمة ليه ؟!

علشانك ولا علشاني ؟

قلبي اللي ضاع بكتماني 

دايما شايفاها جواك 

بتحاول تطلع براك ...

بتحاول تتغلب علي ملامحك 

ولو هي بجد حساك 

يبقي أنا مليش وجود وياك 

ليه دايما مش فاهم؟

بتعاند .. ولا بتسمعني ؟

ولا بتعذرني في ضعفي ؟ 

لا ... وكمان بتوجعني ؟

حقق أملي فيك 

خليك ... حبيبي أنا وحدي ..

لو ممكن !

لو ممكن تطمني بيك !

لوممكن 

لو ممكن تحسسني بكياني ..

أتمني ؟!!

أتمني أعيش لياليك وأتهني ...

بس الشك خلاص أتأصل ..

وجذور الشك بتطرح 
ورد طالح ومرر...

عمالة بتغلغل ... وتجنن فيا وتتفرع ..

سايباك لدنيا عشناها ...

أنا وأنت ياريت ما تنساها 

لو ممكن نرجع من تاني 

نبني بروج أحلام ومعاني ...

تهز دنيا عشاق الأنس 

وتهز قلوب شاخت من القهر ...

والله ياريت تسمع مني 

لو ممكن !!

لو ممكن تحبني من غير ما تفكر؟

من غير ما تعكر صفو حياتنا ...

بناس نسيوك ... ولا بتحبهم ولا بيحبوك ..

ولا حبيتهم ولا حبوك 

لو ممكن 

لو ممكن أرفع شكي وقلقي ؟

وأعيش وياك بصبري وجلدي 

لو ممكن أرجع بالزمن من تاني !

وأمثل مشاهد حياتي من الأول 

كان ممكن أغير فيها و أطور 

ولا أني أخاف وأتهور!

ولا أني أفتح عينيك ... علي حد معين ..

ولا أني أتوه في دوامة مش بتتغير ...

لو ممكن ....!

مقالات سياسية: لماذا ثورتنا دائمة؟ بقلم/ مختار الأحولى

إن محاولات تحويل شعبنا من الدكتاتوريّة الغاشمة إلى دكتاتوريّة ناعمة هي العنصر الرئيسي في المهام المحرّكة للعدوّ الخارجي. ولأن ارتكازه دوما وتعويله على شريحة رأس المال الذي يغذّي وجوده بكلّ السبل ليكون هو الرمز في القيادة الحقيقيّة للبلاد العربيّة عامة والتونسية كجزء. وإن كان إعجابه شديد بمن ينعتون جزافا بالإصلاحيين هؤلاء الإسقاطين الذين يحاولون إقناع الجماهير بأن تطوّرنا رهينة تقليد الغرب واستنساخ عقيم في أسسه للنموذج الذي يتصوّرونه راقي وحداثيّ. جاهلين أصلا أن معطيات الشعب في أرضيتها هي هشّة وغير متجانسة ليس على صعيد الوعي بضرورات المرحلة ولكن بما يجب أن يكون عليه دوره في بناء هذه الديمقراطيات على أنقاض صراع كانوا فيه حطبا ليكون هذا الغرب الذي نحاول الآن تقليده والمشي على هديه. ولن تكون هذه الاتباعيّة سوى تكملة(إن لم أقل فاتحة صراع جديد نكون فيه كالعادة حطب ناره. وجنود الصفّ الأمام الذي يدافع عن الامبرياليّة والصهيونيّة العالميّة).
ولقد كان آخر عناقيدهم(بورقيبة) الذي كان يتشدق ويسند خطبه بشاهده(لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) وهو الذي لم يترك مجالا للشعب ليغيّر ما بنفسه من خلال محاصرة وضرب وقمع كلّ المحاولات الوطنيّة لبناء رؤية وبذرة تغيير في هذا القوم الذي ينشد التغير. وما نحن عليه اليوم من انحدار كبير في مستوى الوعي الجماهيري المبني على عقلانيّة وفكر حرّ ومسئول إلاّ ثمرة ما أسس له بورقيبة وأكمل السيناريو ابن علي.
وكذلك الحال في كلّ الوطن العربي مع فارق الاقتراب من خطّ النار وأيضا الاقتراب الجغرافي من معسكر قوّة. وليس التقارب الفكري الإنساني المبني أساسا على الجدل الذي يفرز تعاطي مع الخصوصيات لكلّ قطر ولكلّ وطن ولكلّ أمة حسب موقعها التاريخي والجغرافي وخصوصيات التطوّر العلمي والفكري فيها.
أو أنهم كما الحالة التي تعيشها أهم رقاع الثورة. من تكريس لسلطة تخريب مغلّفة بالذين. هذا الذي يتبناه برجوازيي المرحلة المتعاونون حتى الآن بقصد تثبيت وجودهم على رأس السلطة وتشريع وجودهم لمراحل قادمة وبأي طريقة تصل حدّ التكفير وبثّ الفرقة بين شرائح شعب فرّقه قبلها الدكتاتور ليعيش آمنا حتى قيام الثورة. وهاهم يعيدون سيناريو المنّ والسلوى والزكاة التي يجمّعوها في صناديق تحيل ذاكرتنا على صناديق خيريّة تضامنيّة كانت مصدر رزق الناهبين الحاكمين إذ لم يكفيهم سرقة رأس مال الدولة بل بلغ بهم الجشع واللهفة والجبن حدّ سرقة ما هو موجّه للفقراء ساعة أزمة والذي موّلهم مفقّرين آخرين من ذات الشعب. وهاهم يبرّرون تكديسهم للمال وحبّهم له حبّا جمّا ولمّا. بغلاف اقتطعوه من دستور الدين ليشرّعوا سرقاتهم القادمة(وجعلناكم طبقات) وعوض تعليم الفقير كيف يصنع خبزه بعرق جبينه وبكرامته. هاهم يبنون حكمهم على قاعدة النهب الرئيسيّة منّ عليهم بالزكاة ليبقوا دائما محتاجين لوجودك. وكن سخيّا بعض الشيء في زكاتك ليعيدوا دائما انتخابك حتى تولّى عليهم إلى أبد. لكن وجب على الثورة وثورييها أن يعوا هذا الخطر ولا يقعوا في انحرافات من قبيل الاستكانة لهذا النمط من السياسة التي لا تتغير في جوهرها عن الدكتاتورية السابقة. وأن يدوم شعار شغل حرّية،هما كرامتنا الوطنيّة. 
أيضا لا يجب أن نغفل على الدور الحقيقيّ لمن نسمّيهم شركائنا المستثمرين الأجانب فوجودهم بيننا قائم على معطيين. الأول هو ما توفّره السلطة من تشريعات وضرائب رخيصة(مقارنة ببلادهم والبلدان التي ننظر لها على أنها قاطرة التطوّر. والثاني،ليس رخص اليد العاملة فقط وإنما ما يجب أن يحميها مثل الضمان الاجتماعي وغيره من وسائل ضمان حقّ الكادحين. ولأنّ الأنظمة الاستعماريّة هي التي تتحكّم في مثل هذه الشركات حسب أولويات أجندتها فها نحن نرى كيف يعاقب الشعب التونسي حين طالب بحقوقه(بعد أن اكتشف القيمة الحقيقيّة لجهده وكدحه وعرقه)بإغلاق هذه المصانع وهروبها. والإشكال هنا أن السلطة التي تتعلل بقلّة الموارد الطبيعيّة(نذكّرها أنها هي ذاتها من كانت تتحدّث عن سرقة أموال الشعب فهل مصدر هذه الأموال هي هذه الشركات وهذه القروض فقط)و عوض أن تعاقبهم على عدم وفائهم بتعهّداتهم تجاه عقودهم وتجاه عمّالهم هي تتمسكن حدّ التسوّل والتذلل للدول المانحة من شرق وغرب ومغاربة.وأيضا هذه الشركات الفارة إلى جنان مفتوحة من الوطن العربي وعوض مطالبتها بحقوق الكادحين والفصول الجزائيّة لفسخ عقود وجودهم على أرضنا هي تكثّف حملتها لتشويه مطالب الكادحين وتحمّلهم مسؤولية هرب هذه الشركات لجنان أخرى موجود فيها الشروط التي سبق وأن ذكرت. 
وما يزيد الحال تعكّرا وغرق في حيرة كبيرة على مستقبل هذه الثورة هو هرولة من في السلطة إلى الخارج طلبا للمال والحال أن إرادة الشعب كانت تكفي لبقائه خارج دوائر العقاب المفروض عليه من خلال الحلّ(مثالا وليس حصرا) الذي سبق وأن تحدثت عنه في هذا البحث(بنك الثورة). 
إن عمليّة التخويف الكبيرة التي يحاصرون بها الرأسمالي الوطني(حتى لا أقول برجوازيّة وطنيّة)تجعله مربك وقلق إلى درجة التعاون خوفا على مصير ثروته التي هي في الأصل(والمثال هنا تونسيا) ثمرة جهد الشعب التي نهبوها طيلة عقود من زمن الحكم(منذ بورقيبة) وحتى ما هم مطالبون بدفعه حماية للدولة التي تؤويهم وحقّها الطبيعي في الضرائب التي هي أساس ميزانيتها فهم يتعللون ويجدون مليون عذر لكي لا يدفعوا ويفقّروا هذه الدولة حتى تنتهج التخصيص والخوصصة وتبيع لهم ثروات وجهد الشعب وثروته بأبخس الأثمان وحتى لو كان وحافظوا عليها واستثمروها وإنما باعوها للأعداء بأسعار تصوّروها رابحة والحال أنهم أول الخاسرين لقيمتها بعد استصلاحها وهيكلتها و وضع برامج علميّة وبشرية لاستثمار خيراتها وجني ربح دائم وتوفير فرص الشغل لكلّ شرائح المجتمع من متعلّمين(كالمهندسين والخبراء وحتى اليد العاملة والكادحة) لكن عمليّة التخويف والرعب التي يعيشونها نتيجة حده الصراع مع افتقار غالبيتهم العظمى للوعي والعقل المفكّر جعل منهم أولا ومن الشعب لقمة سائغة. وبذلك يكونوا قد نجحوا في إدخال المستعمر إلى عمق البلاد.
أيضا و حتى نكون واقعيين لا يمكن أن نهدم الصورة بتوقيع نخاله ثوريّ من خلال التهديد بالتأميم والحال أن تراكما تاريخيّا أفرز هذه الشريحة وجذّر وجودها في المجتمع بتفاصيله. والتعاطي معها يكون على قاعدة الوطنيّة.
فإن شرط الوطنيّة ينطلق من توعيتهم وإدراكهم بأن العدوّ دخل ليقصيهم ويجعل منهم جندا لبرامجه وليس كما يتصوّرون سيزيد في ثرائهم ويدعم وجودهم فمصلحته وما يحصل عليه من ثروة لا يمكن أن يهديها لأي كائن وهذا شريعة الامبرياليّة. لكن بالاستناد إلى الشعب الكادح يمكن أن تكون لهم شرعيّة الوجود وديمومته حرّا. ومستقلّ الإرادة والمصير. ولا يتمّ ذلك إلاّ في إطار شرعيّة الوجود كمكوّن من مكوّنات المجتمع. 
إذا فالوعي جماعيّ ومهمّ إلى درجة تكاد تكون أكثر الضروريّات التي تحمي الجميع من الانحراف. فعمليّة دعم فريق أو آخر في انتخابات مثلا(مثلما أوضحته الحالة في تونس عند انتخاب المجلس التأسيسي) لا تتم على قاعدة من يخدم مصالحي فقط ويحميني من الشعب(كما كان الحال عند تمسّكهم بحكم بن علي وعصابته حتى النخاع ولمّا وصل الأمر إلى إفقارهم صمتوا عند غليان الشعب واختاروا الحياد خوفا أيضا. بل وجب أ يعوا أولا أن الشعب لا يطالب سوى أن يكونوا وطنيين وليبرهنوا على ذلك بالتحرّك واستثمار أموالهم في مشاريع تدعم البنية الأساسيّة للاقتصاد وتشغّل اليد العاملة وتدرّ عليهم أرباح معقولة ومنطقيّة. وليس دعم الأحزاب التي تحميهم كما أسلفت من غضب الشعب بقوّة البرامج الأمنيّة لذلك فإن كلّ المعطيات تشير أننا لم ننطلق بعد في الثورة الحقيقيّة ثورة البناء لوطن حرّ مستقلّ الإرادة وديمقراطيّ واع بطاقاته الكامنة فيه. وهذه الحقيقة تتواصل منذ ميلاد الثورة العربيّة وهي دائمة. إذ لن تنتهي بتركيز حكم الشعب بجميع أطيافه بل تمتدّ في كلّ الأزمنة القادمة.

مقالات دينية: الماء.. مادّة الوجود الأولى.. عود إلى الفطرة الصافية بقلم الشيخ/ محمد الزغبى


أركان الإسلام بين الكهانة والديانة- الحلقة التاسعة

والتطهّر إنّما يكون بالماء، والماء له رمزيّة كبرى في الحياة والوجود، إنّه المادّة الأولى السابقة على وجود السموات والأرض (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[هود7] وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» [صحيح البخاري] وفي الكافي والبحار عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: «كان كلّ شيء ماء وكان عرشه على الماء» فالماء إذاً يذكِّرك أيها الإنسان بمبدأ الوجود حيث الصفاء المطلق «كان كلّ شيء ماء وكان عرشه على الماء»، ولذلك اشترط الشرع في الماء أن يبقى على صفائه دون أن يتغيّر طعمه أو لونه أو ريحه بقذر النجاسة، ولذلك تبدأ وضوءك بقولك «باسم الله» لتتذكّر مبدأ الوجود، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا يؤمن بالله عزّ وجلّ من لا يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحبّ الأنصار»!! [الطبراني والترمذي وابن ماجه ومسند أحمد بن حنبل والسنن الكبرى للبيهقي].. إنّك عندما تتطهّر بالماء تحاول أن تستعيد صفاء فطرتك قبل أن تدنّسها الرغبات المزيَّفة، وقبل أن تمازجها انحرافات الإنسان. ولذلك أيضاً إذا فَقَدْتَ الماء يجب عليك أن تتيمّم من تراب الأرض (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ)[النساء] لأنّ التراب هو عَوْدٌ على البدء، حيث بدأ خلق الإنسان من تراب، هو رجوع إلى الفطرة الأولى قبل أن يفسدها الفاسدون والظالمون والذين أوتوا نصيباً من الكتاب، فاشتروا الضلال والانحراف، وأرادوا للإنسانيّة أن تضلّ سبيل فطرتِها، وأن تغترب عن ذاتِها وحقيقتها، وإلا فما معنى الحديث عن إضلال الذين أوتوا نصيباً من الكتاب بعد الحديث عن الطهارة بالماء والتراب ؟! ولعلّ النصّ الآخر في سورة المائدة يؤكّد هذا المعنى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)[المائدة] فالله سبحانه لا يريد إحراجكم بفرضه الطهارةَ عليكم، وإنّما يريد أن يطهّر ذاتكم وفطرتكم من كلّ انحراف، إنّه يريد أن يذكّركم من خلال الطهارة بميثاق الأنبياء (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[الأحزاب7] بل بميثاق الذريّة والكينونة الإنسانيّة الذي أخذه الله سبحانه وأَشْهَدَ عليه فطرة الذات الإنسانيّة والطبيعة البشريّة التي خُلِقَتْ صافيةً بصفاء الوجود (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)[الأعراف] إذاً فالطهارة بالماء أو بالتراب تَهدف ضمن ما تَهدف إلى تذكير الإنسان بعهد الفطرة، وإلى ردِّه إلى ذاته وحقيقته الإنسانيّة (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ)، وإلى تخليصه من كلّ أعبائه وأثقاله التي تراكمت فوق ظهره في وعيه وفي لاوعيه عبر الموروثات التاريخيّة والقوميّة والنفسيّة (أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ). 
الماء.. رمز الحياة والنماء:
والماء هو رمز الحياة وسببها، وهو رمز التجدّد والنماء (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)[الأنبياء30] (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)[الحج5] فالمسلم دائم التطهّر بالماء لأنّه يحبّ الحياة ويطلبها، بل ويسعى لأن يقودها، فالإسلام يسعى لأن يعيش الإنسان الحياة بكامل أبعادها، وأن يمتلئ الإنسان بِها ويملأها، لا أن يعيش حبيس شهوة أو نزوة أو حتّى هواية تَخْتَصِرُ له حياته وتمنعه أن يتملَّى بسائر جوانب الحياة، ففي سورة الأنفال التي تطرح مشروع الجهاد والقتال وبعض أحكامه نجد القرآن يدعو الإنسان إلى الحياة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[الأنفال24] لأن الإسلام أراد للحياة الإنسانيّة أن تعيش السلام والأمن والطمأنينة، فهو عندما جاهد وحمل السيف إنّما فعل ذلك دفاعاً عن الحياة، التي يجب أن تتطهّر من البغي والعدوان والظلم والطغيان، لقد قدّم الإسلام شهداء قُتِلوا في سبيل أن يمنحوا الآخرين حياة تليق بكرامة الإنسان (ويحضرني هنا شعار رفعه بعض الخانعين أو العملاء في لبنان بعد أن نَصَرَ اللهُ المقاومةَ الإسلاميّة في حرب تَمّوز 2006، لقد رفع أولئك الخونة شعار "نحبُّ الحياة"(!!) في وجه المقاومة، وما علموا أنّ العيش بلا كرامة هو الموت الحقيقيّ، وأنّ الموت في سبيل الله الذي هو سبيل الكرامة الإنسانيّة هو الحياة الحقيقيّة الطيّبة (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ)[البقرة154]. إذاً فأنت تتطهّر بالماء لتُجَدِّدَ حياتك، ولتُحْيِيَ ما مات في داخلك من مشاعر الإنسان، ولتغسل ما علق في نفسيّتك من آفات الماضي وأخطاء التربية، ولتتخلّص من دوافع الخطايا وتَحَكُّمِها في سلوكك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا أدلكم على ما يكفر الذنوب والخطايا؟ إسباغُ الوضوء عند المكاره، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلك الرباط» [مسند أحمد وبحار الأنوار للمجلسي]. إنّه الماء الذي قد يشقّ صخور القلوب، ليتفجّر منها نابضاً بالحياة، فيما بعض القلوب التي طال عليها الأمد وعاشت جمود التقليد والموروث والمصلحة قد جفَّ فيها ماء الحياة فأصبحت أشدَّ قسوة من الحجارة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[البقرة74] إنّه الماء الذي يعيد برمجة ذاتك، يبرمجك عضواً عضواً، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « إذا توضّأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كلُّ خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كلُّ خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتّى يخرج نقياً من الذنوب» [صحيح مسلم وصحيح ابن خزيمة] وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «ليبالغْ أحدكم في المضمضة والاستنشاق فإنّه غفران لما تكلّم به العبد ومنفرة للشيطان» [الجعفريات ومستدرك الوسائل]. وقال أيضاً صلى الله عليه وآله وسلّم: «إذا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فتوضأ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثلاث مرات فإن الشَّيْطَانَ يَبِيتُ على خَيَاشِيمِهِ» [البخارى ومسلم والنسائي وابن خزيمة] (فليستنثر أي فليبالغ في الاستنشاق).
ولذلك كان الوضوء علامة رقيّ الأمّة الإسلاميّة، فلو كان مجرّد غسلٍ للأعضاء لما استحقّ أن يكون علامةً فارقة في جبين الأمّة يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يحشر الله عزّ وجلّ أمّتي يوم القيامة بين الأمم غرّاً محجّلين من آثار الوضوء» [صحيح البخاري وصحيح مسلم وبحار الأنوار ومستدرك الوسائل] في مختار الصحاح: «غُرَّةُ كُلِّ شَيْءٍ أوّلُه وأَكْرَمُه» وفي لسان العرب: «في الحديث المؤمِنُ غِرٌّ كريم... يريد أَنَّ المؤمن المحمودَ مَنْ طَبْعُه الغَرارةُ وقلّةُ الفطنة للشرّ وتركُ البحث عنه، وليس ذلك منه جهلاً، ولكنّه كَرَمٌ وحسن خُلُق» ويرى ابن فارس في معجم المقاييس أنَّ الغرّة تجمع العتق والبياض والكرم، والمحجّلون إما المُتَوَّجون أو المُحاطون بالنور كما يُستنبط من شرح ابن فارس في المقاييس، فالغُرُّ هم الذين يعودون إلى أوّل نشأتِهم المُكَرَّمة (غُرَّةُ كُلِّ شَيْء أوّلُه وأَكْرَمُه) وهم الذين تطهّروا من أن يُفسد الشرّ فطرتَهم (المؤمِنُ غِرٌّ كريم)، فعندما يكون الوضوء عودة إلى بياض وصفاء الفطرة الإنسانيّة، ويعتقه من أسر المسخ وتَشَوُّهِ الفطرة، ويُطَهِّر داخله من رواسب وأدران الشرّ، عند ذلك يَنْتُجُ عنه تتويجُ المُتَوَضِّئ بتاج «غرّ محجّلين». 
ويثبِّت به الأقدام:
وكذلك تتذكّر عند التطهّر بالماء -رمزِ الحياة- واجبَك في حماية الحياة وصيانتها لك وللآخرين من إفساد الطغاة والمسرفين والمترفين، من هنا نجد القرآن قد ربط بين الماء وبين ثبات المجاهدين الذين نذروا أنفسهم لإنقاذ الحياة والإنسان من استعباد الطغاة (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)[الأنفال11] قال البقاعي في نظم الدرر: «ولما كان النعاس آية الموت، ذكر بعده آية الحياة فقال: (وينزل عليكم) وحقّق كونه مطراً بقوله: (من السماء ماء)»، فالطهارة في هذه الآية طهارة من كل انحراف متمثّل برجز الشيطان، وطهارة من اضطراب القلوب وقلقها وخوفها، وطهارة من التردّد أو التلكُّؤِ أو التراجع في ميدان الجهاد لنصرة الحقّ وتحقيق كرامة الإنسان. ولذلك ورد في الحديث النبويّ: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ» [سنن أبي داود ومسند أحمد وبحار الأنوار ومستدرك الوسائل]، فالشيطان يمثّل الانحراف في الوجود، ويقابله الماء الذي يمثّل الاستقامة، والذي هو الوسيلة لإطفاء نار التأثير الشيطانيّ. وفي سورة السجدة يأتي الحديث عن الفتح والانتصار بعد الحديث عن الحياة والنماء الذي يمنحه الماء (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ)[السجدة] لنلاحظ كيف أن الماء يساق إلى الأرض الجرز التي لا حياة فيها، فإذا بِها تنبض بالحياة، ليحيي الماء نباتَها وحيوانَها وبشرها، ثمّ يعقب ذلك مباشرة الحديث عن الفتح، لأن الفتح الإسلاميّ للمجتمعات البشريّة هو بمثابة الماء الذي يجعل هذه المجتمعات المدفونة في ظلماتِها وفي خوفها وفي خضوعها، يجعلها تنتفض على موتِها مُمَزِّقَةً أكفانَها، ومُقْبِلَةً لِتَعُبَّ من ماء الحياة، ليفيض عليها الإسلام روحاً جديدة تملأ وجودها خيراً ونماءً وتجدّداً.. وهذا المعنى نجده في الحديث النبويّ الذي أوردناه سابقاً «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا يؤمن بالله عزّ وجلّ من لا يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحبّ الأنصار» فما معنى أن يقرن حبّ الأنصار مع الوضوء؟ إنَّهم القوم الذين ناصروا الرسالة، ونذروا أنفسهم للحفاظ على كرامة الإنسان وعلى نقاء ذاته وصيانة فطرته من تحريف الطغاة وأصحاب المصالح.
في الحلقة القادمة: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين: اللهمَّ اجْعلنِي مِن التوابين واجْعلنِي مِن المتطهرِين- أذكار الوضوء.. إعادة برمجة للأعضاء، وصياغة جديدة للإنسان


الجمعة، 23 أغسطس 2013

ما قل و دل: شيزوفرنيا بقلم/ مصطفى المأمور



أثبت الوضع السياسي المصري بأن الشعب مريض بالشيزوفرينا الحادة حيث أنه يصبح فريسة سهلة لكل العوامل التي تهدف إلى التلاعب به و بتكوينه الفكري كما أنه قد أثبت بأن الإيمان بالثوابت لديه هو عبارة عن قشرة هشة تطيح بها أقل عاصفة يريدها المتربصون به تحت مسميات خادعة يساعدهم على ذلك الرؤى المحدودة لدي العامة البسطاء و الذين يتأثرون بشعارات التبعية و التي قد تم غرسها فيهم عبر ستون عاما من الحكم الشمولي و الذي أفرز ما رأيناه الآن و كان الفاصل لدي حالتنا هذه هي أمانة الغاية لمن لديهم مقاليد الأمور بهذه البلد و التي باتت تتخبط نتيجة الجشع السياسي و المصالح الطاغية و التي لم يفطن لها الشعب ... !!

الخميس، 22 أغسطس 2013

شعر: عامية - فصحى: المسرحية الهزلية بقلم/ محمد حميدة




أضحكتنى جداً
أفرحتى جداً
ألهمتنى جداً
ألمتنى جداً
علمتنى جداً
يا لروعتها بعد أنتهاء فصلها الأول
أدركت أنى ساذج جداً
 أحمق جداً
 ضعيف جداً
 غبى جداً
كانت الحقائق تأتى
من بين طيات المشاهد
أتغافل عنها
لا
بل أصور لنفسى أننى لا أراها
كلما أردت أن أنهى فصلها الأول
تضيف مشاهد جديدة
أتحمل أنا عناء تلك المشاهد
و هؤلاء الممثلون
الذين يفصلون بين المشهد و الآخر
يدخلون دون سابق أنذار
عفواً سيدتى
لقد أسدلت الستار على تلك المسرحية
و لم يعد لدورى فيها بقية
لربما أبدا معكِ مسرحية أخرى 
و لكنها ربما تصبح 
أكثر واقعية

الأربعاء، 21 أغسطس 2013

مقالات سياسية: سوريا خطّ النار بقلم/ مختار الأحولى



لا مجال للنقاش في دكتاتوريّة نظام الأسد(أبا كان ثمّ خليفته"والحال أن نظام سوريا نظريّا هو عقلانيّ ويحسب على اليسار الوسطي لكنه أنتج مهزلة أولى في قيادته من طرف الابن خليفة على هدي الرسالة الخالدة") هذا الخليفة الذي بشّر الشعب السوري بعدله واعتداله وروحه الشبابيّة المتعلّمة والمثقّفة والمساندة للحرّيات وغيره من الخطب التي رافقت اعتلائه حكم سوريا التي تمثّل لجمهرة الأعداء والأصدقاء ملتقى ونقطة صراع محوريّة لبرنامج كلّ طرف على مدى الزمن الذي سيطول ما بقي صراع القوى قائما على الأرض. وبهدي ودعم كبيرين من المعسكر الاشتراكي تمكن الأب(حافظ) من الحدّ من خسائره الخارجيّة وإحكام السيطرة على داخل لم يزل يعيش في ذاكرته القريبة جدّا حروب سوريا التاريخيّة مع الصهيونيّة الشيء الذي خوّل (لحافظ) هدم البيت على أي فكر يغاير معتقده ورؤيته حتى آمن كأي موهوم بديمومة صحّة وجهة نظره وجدارة حكمه بأن يكون الأوحد المطلق فقبل الإسلاميين وحماة كان نصيب كبير للشيوعيين(رغم تحالفه مع روسيا السوفيتية الشيوعيّة التي لم ولا تحمي حتى من يشاركها الرأي لكن يخافها في المنهج والوسيلة مقابل راعي أمين لمصالح إستراتيجية و..و..ولا تؤمن سوى بالولاء المطلق لرؤيتها للصراع وإدارته وليس للعمق الفكري والنظري للطرح السوري الشيوعي النابع من موقع الممارسة الفعليّة والأرض والشعب والتراكم التاريخي والعرقي والديني"الذي نشئوا عليه"وخصوصيّة أن تكون شيوعيّا عربيّا من سوريا باختصار) ثم كان أيضا للأكراد نصيب لا يستهان به قبل أن تحصل واقعة حماة المنسوبة للإسلاميين وكلّ هذه المظالم"حتى لا أقول مجازر"تبنى على قاعدة(لم يحن بعد وقت الديمقراطيّة فالبلد محاط بالأعداء)وهي كلمة حقّ أريد بها باطل. فالقول صحيح حين يتعلّق الأمر بالسياسة الخارجيّة لكن الداخل -وكما أسلفنا القول في معرض الحديث عن العراق- لا يمكن إنسانيّا ولا سياسيا ولا تاريخيّا ولا تحت أي غطاء تحديد الزمن الذي هو أصلا مملوك لصاحب الحقّ الأصلي هو الشعب في تحديد متى وأين وكيف ولماذا نختلف في الرأي وفي الفكر والسبل والوسائل. لذلك كان من الأجدر عوض أن نتهم فقط دور العدو في بثّ سمومه أن نتعاطى بواقعيّة مطالب الشعب في الحرّية والكرامة الوطنيّة وديمقراطيّة الساحة السياسية والمقياس الذي نفصل به بين من يدسه العدوّ وبين الوطني هو ليس الطرح الفكري الذي يجابه بالإقناع النظري والميداني وإنما بنوعية الحراك ومنتهاه على الأرض وكشفه من خلال أخطاء هي حتما وإن طال الزمان سيعلمها الخاص والعام من الشعب ويزيحه بذات الآلية(الديمقراطيّة) وليس السلاح الذي يشترى من مال الشعب سوى سلاح للمقاومة وليس موجّه لعمق وجوده ككائن يفكّر وينتج ويحلل. فالشعب ليس بدرجة غباء دائم حيث يقنعه الخطأ مهما زيّن أو شبّه.
ولأن التحوّلات في دائرة الصراعات للحفاظ على موقع الحكم كانت بشراسة الصراع على تطويع سوريا أو تحييدها على الأقل فيما يخصّ القضايا الجوهريّة لصراع القوى أنتج ردّة فعل تحوّلت من خلالها سوريا من دولة طرحها الفكري عقلاني نسبي إلى دولة القبيلة(العلويّة) وتحوّل وجه الحكم إلى أداة جاهزة ومجهزة لقتل التطوّر الفكري الداخلي مع معطى له أهميّة قصوى طرحت نفسها في كلّ الحراك الشعبي العالمي(وصول أطفال ما بعد الحروب العالميّة والإقليميّة حتى إلى سنّ إنتاج الفكر ومن خلال فقده للمساحة اللازمة لإبراز وإظهار قواه الجديدة لتطويع الأفكار إلى واقع وهو الذي انطلق وانخرط في صلب العمل الفعلي كلّ في دائرته مع ما يصيب الفكر من تقادم وتكلّس لعدم تجدد دمائه من الداخل من خلال ما أسميه "عناقيد الإسناد والتجدّد النظري القابل ليكون واقعا داخل أي تنظيم حزبي يساري" ولأنّ تاريخنا العربي لم يعلّمنا في أقصى الحالات ثوريّة(كالعراق وسوريا)سوى الأورثذوكسية والتحنيط الفكري حتى يبلغ مداه في تأليه الحاكم واسترقاق المحكوم وكلّ من شذّ على هذه القاعدة هو العدوّ ولا عدوّ. 
ومن هذا المنطلق وكان بشّار صعوده مخالفا حتى للنظرة الحزبيّة البعثيّة التي تشكّل تنظيما عقائديا تراتبيّا في أصل القيادة ولم يكن بشّار آنذاك أولى من غيره من شخصيات الحرس القديم. لكن تمّ التجاوز على خلفيّة أنهم الحزام الفعلي للنظام وسيكون هو(والحال أنه تلميذهم) وجه المعاصرة وبشير تحوّل في سوريا الداخل والخارج كما أرادوا أن يصوّروه. 
وهنا نهود لمنطلق الثورة السوريّة(التي نتمنى أن تكون وتعتمد على ذاتها أولا وأخيرا)كانت تتمثّل في إثبات بشّار للصورة التي رافقته وحلم الديمقراطيّة بأن ينهي العمل بالفصل الثامن من الدستور والذي ينهي احتكار البعث للحياة السياسية الداخليّة ويفتح عصرا جديدا من الديمقراطيّة التي ناضل من أجلها الشعب على مراحل بيننا في البدء مفاصلها التاريخيّة الرئيسيّة. لكن تأخر النظام في تطبيق وعودت في هذا الخصوص أدخل على الخطّ الطامعين لينتهزوا فرصتهم التاريخيّة في تفكيك سوريا وحل ملفها بشكل غير مباشر. ومع هذا كان بإمكان القيادة مراجعة الأمور وتغيير وجهة الأعداء والطامعين والمتربصين من خلال المضيّ قدما مع الشعب وإلى صفّه وبذلك تخلق تماسك الجبهة الداخليّة ويقصى بقيّة الأطراف الخارجيّة من خلال التوعية الداخليّة بمخاطر الانحراف-إن كان ثمّة انحراف. ومخابرات سوريا كفيلة بكشف الملفات حينها دعم للشعب ومكتسباته الديمقراطيّة التي وإن زمنيّا ستكون حديثة وواقعيّا هي ثابتة منذ القدم سرّيا وحتى علنيا-لكن وكعادة الأنظمة الدكتاتوريّة حكمت على سوريا بخطّ لا رجعة فيه بعد أن تداخلت الأوراق واستعملت بشكل مباشر وعلني(والمصيبة بدعم عربيّ على عادته التي لم يخلفها ولن. أبدا مدام هناك للعرب خليج)وهذا ما أوصل الحالة السوريّة من ثورة شعبيّة بامتياز إلى حرب إستباقيّة وبالوكالة ليس على الشعب السوري فقط وإنما على عموم منطقة الشام تاريخيا وهي مدخل وطريق لحلّ كلّ الأزمات الفعليّة التي يعيشها ليس فقط الكيان الإسرائيلي وإنما القوى الامبرياليّة العالميّة.
وكان من الثابت أن نجد فيتوا روسيا وأيضا صينيّا وحتى أكثر في قادم أيام الصراع. لذلك نكرّر أن الحلّ بيد الشعب السوري وقياداته الميدانيّة وليس القادمين على ظهور الدبابات التي ستهدي ورود الديمقراطيّة للشعب السوري ولنذكّرهم أين هو الجلبي الآن وأين ديمقراطيته التي جاء بها على طهور دبابات أمريكا للعراق. ونسألهم من سيكون من ثوار الخارج جلبي سوريا.
أو أن تتعاملوا مع واقع مهزوم سلفا من خلال تكريس خارجيّ بالإحساس بالعجز أو الخوف أو عدم القدرة أو افتقار القوّة اللازمة. مثلما فعلوا ليوهموا خفاف ومهرولين من بعض قادة، من كانت في مهدها الأول ثورة. لتصبح من خلال عقود ومصالح أمضيت ليتحرّك الناتوا ويضع يده على ثروات الشعب الليبي التي طالما تحكّم فيها قبلا القذّافي وخاصته. فأصبحت حرب احتلال واستعمار مبطّن ومغلّف بغلاف وهم الثورة المظفّرة. وأكرّر أن الشعوب لا تقهر بحكم ما تحتويه من مادة خام هي كثرتها وترابط أوصالها التي حتى وإن غرّ بعضها وصدق كذبة القوّة والحقيقة(حقيقة نظام حاكم مطلق)فإنها سترجع عنه في أول احتكاك صريح وفعلي مع شعبها لتنظمّ إلى مهدها وحقيقتها أنها من وإلى شعبها تعود. ويعود حقّ وجودها في العالم. حرّة مستقلّة كريمة.وهنا الإقناع هو الطريق. والإقناع لا يكون إلى من الداخل بذات الوضع المعاش الدموي والكارثيّ فقبل أن تفكّر أيها الثائر في إرسال صور الكارثة إلى الخارج بلّغها إلى الجندي الذي قبالتك بطرق مختلفة ليرى بشاعة ما يفعل. لأنه لا يرى ذلك الآن من خلال وجوده في قلب الحدث ونار سلاحه يحجب الصورة الناتجة. وتحويل وجهة بصره وبصيرته بما يقوم به النظام من تعتيم عنه هو أولا للحقائق على الأرض.وأيضا إيصال صوتك له بأشكال متعدّدة ولا تعدم الحيلة في ذلك ليكسب الثقة في نتائج الثورة الحتميّة ويعدم خوفه الكامن فيه من النظام الدكتاتوريّ الشرس و(عقابه للمنشقّين عنه). 
وللتذكير فقط. لولا سوريا الشعب لما كان لحزب الله أن ينتصر وهو الذي حزب. ويصنع ربيعا لم تصنعه جيوش العرب مجتمعة ومن بينهم جيش الأسد(أبا وإبنا). ولولا سوريا لما فضح مرّة أخرى ضعف الكيان الصهيوني. هذا الكيان الذي مثّل للحكّام العرب وشكّل هزيمتهم وخياناتهم لشعوبهم خاصة وعامة. ولم يكن النظام السوري ليدعم المقاومة منذ نعومة أظفارها لولا المدّ الشعبي الثوري السوري. فتذكّروا يا شعب سوريا أن أي هزيمة تحاك خيوطها الآن في. ومن كلّ الاتجاهات. هي مرفوضة تاريخيّا قبل أن تكون حاضرا مؤلما وله انعكاسات كبيرة وخطيرة ليس على سوريا وفلسطين ولبنان فحسب وإنما على العرب الثائرين بلا استثناء. فلا يركب ثورتكم باعة الكلام في أسواق الاستعباد والاستعمار القديم المتجدّد بصولاتهم وجولاتهم المدفوعة الأجر. ولا يخدعنّكم موقف روسيا والصين لكنه يمكن أن يكون منفذا لحماية الثورة من خلال كفّ أيدي. مقابل علوّ يد الشعب بالمقاومة والمقاومة.
والثورة مستمرة

القصة القصيرة: الأشياء التى يعرفها هو بقلم/ مروان محمد



(1)

دور السيجارة بين أصبعيه و هو ينظر من النافذة العريضة لساحة مستشفى جمال عبد الناصر, لم يلاحظ بعض التبغ الذى خرج من السيجارة و ظل يدورها بين أصبعيه لثوان أخرى حتى أنتبه أخيرا و أشعلها بعود الكبريت المتبقى, لم يكن يفكر فى شىء محدد سوى رصده اللامبالى للموجودات التى هى أمامه ليقطع بها وقت ملله.

- عاطف.

استدار معقود الحاجبين يتطلع إلى صاحب الصوت الذى لم يكن يتوقع وجوده فى مثل هذا المكان قط, أقترب منه عاطف يصافحه سائلا أياه فى جفوة:

- ماذا تفعل هنا؟

- أحاول أن أراعى واجباتى الاجتماعية ليس أكثر.

- كيف تسير بك الأيام يا عمى؟

- دعك من هذا, كيف حال خطيبتك الأن؟

أمسكه عاطف من ذراعه يحثه على السير إلى المقعد الخشبى فاتجها إليه و هما يجلسان قال عاطف:

- الفحص بين أنها مصابة بسرطان الثدى.

مصمص عمه شفتيه و لم يعلق, ظل يهز رأسه و عاطف يراقب الاحتراق الأخير للسيجارة بين أنامله الطويلة.

(2)

فى مخزن حركة البريد و التوزيع ظلت اللمبة الفلورسنت يرتعش ضوئها قرابة الساعة, نظر عم حسنى إلى أعلى فى ضيق ثم قال:

- الأستارتر لابد و أن يستبدل.

- حقا.

كان ذلك هو تعليق عاطف الوحيد, نظر عم حسنى بعض الوقت إليه ثم أدار رأسه يمينا ليبصق على الأرض و عاد ينظر إليه قائلا:

- ولدت منحوسا يا عاطف.

تبسم عاطف مديرا وجهه لعم حسنى يتطلع إليه فأردف عم حسنى:

- هل كان من الضرورى أن تتنازل عن نصيبك من الشقة؟

- ربما هى حركة غبية و لكنى فعلتها.

- إذا كنت تعلق أمل على ما سيخلفه لك عمك فهذه هى الحماقة بعينها, لا تفاجىء إذا تبرع بكل ما يملك لأى جمعية خيرية قبل أن يموت.

أطلق عاطف ضحكة مجلجلة و لم يعقب ثم رفع عينيه إلى اللمبة الفلورسنت التى ترتعش فعلق قائلا:

- الله يخرب بيتك لمبة ملعونة.

(3)

عندما جلس إلى الكرسى الخشبى بجوار سريرها أمسك بيدها اليمنى و قال فى لهجة حاول أن يجعلها ودودة:

- كيف حالك اليوم؟

سحبت يدها فى هدوء و قالت:

- حماقة حقيقية أن تتنازل عن نصيبك فى الشقة.

ارتباكه لم يكن غريبا لأنه توقع أن تثنى عليه صنيعه بدلا من ذلك الرد القاسى و حاول أن يجد رد معقول و لكنه يأس فقال:

- لا أرغب فى الحديث فى هذا الموضوع لو سمحتى.

عيناها الزابلتان ما عادتا ترسلان ذلك البريق الذى اعتاد أن يراه فى عينيها, الهالتان استطاعتا أن تضع النهاية للكثير من الأحلام التى طالما روادتها... أحلام بسيطة تحلم بها أى فتاة على أعتاب العنوسة و لكنها بقيت بالنسبة لها على الأقل أحلام كبيرة و تستحق أن تعيش من أجلها و لكن ليس بعد اليوم.

الغريب أنها تشعر بارتياح عميق لأنها بهذه الطريقة استطاعت أخيرا أن تتخلص من قلق انتظار تحقيق هذه الأحلام التى تبدو كبيرة على أن تنالها هى بالذات.

(4)

كان يدرك أن وجوده فى شقة شكرى لا يمثل سوى عبء, خاصة و أن شكرى ينوى الزواج, كان من اللازم أن يوفر على شكرى عناء توضيح موقفه و يبادر هو بمغادرة الشقة.

طبيعى أن يرفض شكرى فى إصرار شديد بادىء الأمر و لكنه سكت أخيرا معبرا عن امتعاض زائف من أصرار عاطف على الرحيل, ضحك عاطف و هو يراقب وجه شكرى المتقلص فسأله باستغراب:

- ما الذى يضحكك يا عاطف؟

- لا تأبه لضحكى كثيرا, أصبحت أحب الضحك فجأة

تظاهر شكرى بأنه لا يفهم السبب من وراء ضحكه و عبر عن ذلك بأن رفع حاجبيه و خفضهما و قد أثر الصمت فى حين أن حقيقة ما يشغل بال عاطف الأن هو لماذا تأخر المسلسل عن ميعادة المعتاد؟

(5)

عندما انتقل إلى الغرفة المشتركة مع خمسة أفراد بفندق النوبة الجديد, تبسم لأن ذلك يعنى لأول مرة أنه سيلتزم أخيرا بمواعيد العمل و لم تعد هناك حاجة لأن يبرر لرئيسه فى العمل لماذا يتأخر كل يوم؟!

فى المساء غادر الفندق متجها إلى كشرى مدهش الكائن فى الرصيف الدائرى بمحطة مصر, ربما تكون أمنية تافهة تلك التى تراوده و لكنه كثيرا ما تمنى أن يتناول غداءه عند كشرى مدهش!!

اليوم و بكل سهولة يتسطيع أن يتناول عشاءه أيضا و ليس فقط وجبة الغداء... توقف أمام الرجل الذى رسم ابتسامة واسعة و هو يقول:

- أتفضل يا أستاذ.

هم بأن يجلس و لكنه ابتسم و هو يقول للرجل:

- أريد علبتين كشرى بالكبدة.

- تحت أمرك

أخذهما متجها إلى المبنى الإدارى للبريد و هو يتطلع إلى النافذة التى يرتعش من خلفها ضوء الفلورسنت, غمغم محدثا نفسه:

- ربما سأفعلها فى وقت لاحق.

8-3-2003
الإسكندرية

مقالات دينية: الصلاة وقود من أجل الحركة بقلم الشيخ/ محمد الزعبى



أركان الإسلام بين الكهانة والديانة- الحلقة السادسة

إنَّ من أعظم وظائف الصلاة أنّها تمنحك الطاقة التي تجعلك قادراً على تحمّل أعباء الرسالة وتكاليف الصراع ضدّ الكفر والظلم والطغيان، وهو عبءٌ ثقيل لا يقدر على تحمُّله إلا من كان متَّصلاً بالله عبر الصلاة، مستمِدّاً من صلاته طاقةَ الصبر والتحمل (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا)[المزمل] قال الإمام الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب: «إنِّي إنَّما أمرتك بصلاة الليل لأنَّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً، فَصَيِّرْ نفسك مستعدة لقبول ذلك المعنى»، وقال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: «قوله: (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) في مقام التعليل لتشريع أصل هذه الصلاة» وقال العلامة الشهيد سيد قطب في تفسيره ظلال القرآن: «إن الله سبحانه حينما انتدب محمداً صلى الله عليه وآله وسلم للدور الكبير الشاقّ الثقيل، قال له: (يا أيُّها المزَّمِّل قم الليل إلا قليلاً. نصفه أو انقص منه قليلاً. أو زد عليه ورتِّل القرآن ترتيلاً. إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) فكان الإعداد للقول الثقيل، والتكليف الشاقّ، والدور العظيم هو قيام الليل وترتيل القرآن». ويقول آية الله العظمى السيد علي الخامنئي في كتاب من أعماق الصلاة: «أولئك الذين يحملون هتافاً جديداً ومخططات بديعة للزمان وللتاريخ، هم أكثر من غيرهم عرضة لهجوم قوى الشرّ، وهم بحاجة أكثر من غيرهم إلى حفظ هذا الحصن الفولاذيّ، حصن العزم والإرادة التي لا تقهر. إنّ صلاة الإسلام بما فيها من تلقين وتكرار لذكر الله، تربط الإنسان الضعيف والمحدود بالله المطلق المسيطر، وتجعله مستعيناً به؛ وعن طريق ربط الإنسان بمدبِّر العالم، يصنع منه قدرة غير محدودة ولا زائلة. ويجب عدُّها أفضل علاج لضعف الإنسان، وأنفع دواء للعزم والإرادة. إنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يشعر بثقل المسؤولية في مجال التغيير الإسلاميّ العظيم أمام الجاهلية المستشرية، أُمِر بالصلاة في منتصف الليل (يا أيّها المزّمّل * قم الليل إلاّ قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلاً * إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)» - انتهى - 
فالصلاة والقيام في أصلها إنّما تَهدف إلى شحن المسلم بالطاقة التي تمكّنه من تحمّل أعباء الرسالة وتكاليف الثورة ضدّ الطغيان وضدّ استعباد الإنسان (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر] إذاً سيحاول الطغاة أن يحاصروكم بإشاعاتِهم وإعلامهم، وسوف تؤلمكم دعاياتُهم وتُضَيِّق صدوركم، ولذلك أنتم بحاجة إلى استمداد الطاقة والصبر من الله سبحانه، وهذا يتحقّق بالسجود بين يديه. وكذلك فإنّ الباطل سيمتلك القوّة المادّيّة والإعلاميّة التي يحاول من خلالها أن يهزم حَمَلَةَ الحقّ نفسياً، فيجعلهم -وهم خاضعون لتأثير قوّته الإعلاميّة والمادّيّة- يحاولون أن يتقرّبوا منه محتفظين بما يستطيعون من الحقّ الذي معهم، فيبحثون عن حالة توافقيّة مع الباطل؛ وحتّى لا يسقط حَمَلَةُ الحقّ في هذا الفخّ، وحتّى يستطيعوا أن يثبتوا على الحقّ ويحتفظوا بالحقيقة ناصعة عليهم أن يقيموا الصلاة (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)[البقرة] فالذين يحملون رسالة إنقاذ الإنسان من عبوديّة الطغيان يجب أن يمضوا في طريقهم إلى آخره، فلا مجال للتراجع أو التردّد، إنهم يعشقون رسالتهم حتّى الشهادة.. سيقف الموت في طريقهم مكشّراً أنيابه ليزرع الرعب في قلوبِهم، ولكنَّ صلاتَهم تعلّمهم أنّ العيش بلا رسالة هو أشنع أنواع الموت، وأنّ الموت في سبيل الرسالة هو أسمى أهداف الحياة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة].
اسجدْ لتتمرَّد: 
الصلاة في المفهوم القرآنيّ وسيلة وليست غاية، وسيلة للقرب من الله سبحانه ولاستمداد العون منه لتحمُّلِ تكاليف الرسالة وأعبائها، فمن لم يكن حاملاً للرسالة يكافح بها الباطل والظلم فلا قيمة لصلاته.. الصلاة هي التي تعين المسلم على سلوك نَهج الثورة ضدّ الطغاة، وهي التي تمنحه القدرة على التمرّد على مشاريع الظلم والاستعباد (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)[العلق19] أي حتّى تستطيع ألا تطيع الطاغية وأن تتمرّد على إرادته، عليك أن تكثر من التقرّب إلى الله من خلال الصلاة والسجود. ولنتأمّل في هذه الوصيّة النبويّة لكعب بن عجرة رضي الله عنه: «يا كعب بن عجرة.. أعيذك بالله من إمارة السفهاء. قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بِهداي ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبِهم وأعانَهم على ظلمهم فأولئك ليسوا منّي ولست منهم ولا يَرِدُون على حوضي، ومن لم يدخل عليهم ولم يُعِنْهم على ظلمهم ولم يصدّقْهم بكذبِهم فهو منّي وأنا منه وسَيَرِدُ عليّ الحوض. يا كعب بن عجرة.. الصلاة قربان، والصوم جُنَّةٌ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ، والناس غاديان: فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها. يا كعب بن عجرة.. إنّه لا يدخل الجنّة لحمٌ نَبَتَ من سحت» [مسند أحمد وهو في مستدرك الوسائل للطبرسي مختصراً] هذا الحديث ليس وصايا متناثرة كما يفهمه البعض على طريقة "من كلّ وادٍ عصا"، وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون كلامه هكذا وهو الذي أوتي جوامع الكلم، بل الحديث فيه وحدة موضوعيّة عنوانُها: العياذ بالله من إمارة السفهاء، وهي كل إمارة خرجت عن منهج الله سبحانه لتقود الناس وَفْقَ أهوائها ومصالحها، فكيف يمكن للإنسان أن يعوذ بالله من كلّ ضغوطاتِها وإغراءاتِها التي تجعل المرء يبيع نفسه لها، ويستحلّ أكل سحتها، ولعلّ المال السياسيّ من أبرز مصاديق هذا السحت؟ كيف يمكننا أن نبقى خارج سُوق شراء الذمم، رافضين تصديق الكذب السياسيّ والمشاريع الكاذبة التي تخدم مصالح الطاغية مدّعية أنّها تريد خدمة الجماهير؟ كيف يمكننا أن نبتاع أنفسنا فنعتقها من الخضوع لترهيب أو ترغيب أمراء السفاهة؟ «يا كعب بن عجرة .. الصلاة قربان» اقتربْ بالصلاة حتى تبتعد عن الطغاة (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ).
هذه هي الصلاة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «جعلت قُرَّة عيني في الصلاة» [مسند أحمد وصحيح الحاكم وسنن النسائي والكافي وبحار الأنوار] وهذه هي الصلاة التي كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا حزبه أمرٌ فزع إليها [بحار الأنوار ووسائل الشيعة ومسند أحمد وسنن أبي داود] وهي الصلاة التي كان يقول لبلال رضي الله عنه: «يَا بِلالُ أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ» [مسند أحمد وبحار الأنوار] فمن لم يتعبْ في كفاح الظلم والباطل لن يجد راحته في الصلاة.
الصلاة.. مشروع للوحدة.. والتحرير
ومن أعظم وظائف الصلاة إخراج المصلّين من معسكر الشرك المتمثّل بتأليه الإنسان أو تأليه القيم المادّيّة أو تأليه مشاريع الظلم والاحتكار، وصهرهم في بوتقة الأمّة الواحدة (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)[الروم] فمن عمل على تمزيق الأمّة إلى أمم من خلال الطوائف والمذاهب فهذا من الخَلْف الذين أضاعوا الصلوات، وهذا مِمّن عمل في خدمة مشروع المشركين، فالآية تأمر بإقامة الصلاة لأنّ الصلاة هي التي تُطَهّرنا مِمّا علق في وعينا أو في لاوعينا من مفاهيم الشرك وقيمه وثقافته، وهي التي تُمَكِّنُنا أن نقاوم إغراءاتِ الشرك التي يقدِّمها لاستخدامنا في مشاريعه، وهي التي تُعَلِّمُنا أنّنا مهما اختلفنا في الفهم والاجتهاد، يجب أن نبقى أمّة واحدة، ولا يجوز أن يُحَوِّلَنا اختلافُنا واجتهاداتنا إلى أمم مذهبيّة (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) فالأصل في المذاهب أنّها مدارس لفهم الإسلام ولإغناء الفكر والثقافة الإسلاميّة، فإذا تحوّل المذهب إلى دين، وتعدّدت أديان الأمّة بِتَعَدُّدِ مذاهبها، عند ذلك نكون قد ضَيَّعْنا غَرَضَ إقامة الصلاة، ونكون قد دخلنا في خدمة مشاريع أعدائنا المشركين. والصلاة هي عهد الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» [الترمذي والنسائي وابن ماجه] «ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة» [صحيح مسلم] وبغضّ النظر عن الخلافات الفقهية حول معنى الكفر في هذه الأحاديث، أهو الخروج من الدين، أم هو الذنب الكبير الذي يُقَرِّبُ صاحبه من الكفر، فإنّه لا خلاف بأنّ من فَقَدَ قيم ومفاهيم الصلاة قد أصبح خارج دائرة الإسلام.
ومن دخل في الصلاة فقد دخل في ذمّة الله، وما أفظع خسران من يعتدي على أهل ذمّة الله، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من صلى الغداة والعشا الاخرة في جماعة فهو في ذمة اللّه عزوجل, ومن ظلمه فانّما يظلم اللّه, ومن حقره فانّما يحقر اللّه عزوجل» [وسائل الشيعة] وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: «من صلّى الصلواتِ الخمسَ فإنّه يصبح فى ذمّة الله ويمسي فى ذمّة الله، فلا تقتلنّ أحداً من أهل الله فتخفر الله فى ذمّته، فيكبّك الله في النار على وجهك» [أحمد فى الزهد وابن سعد وكنز العمال] وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من صلى الصبح فى جماعة فهو فى ذمّة الله فمن أخفر ذمّة الله كبّه الله فى النار على وجهه» [أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح] وكذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من صَلَّى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله، فَانْظُر يَا ابْن آدم لا يطلبنّك الله من ذمَّته بِشَيْء» [رَوَاهُ مُسلم]. هذه الروايات والأحاديث تؤكّد أنّ المصلِّيَ في ذمّة الله، وويل لمن يظلم أو يعتدي على أهل ذمّة الله، وويل لمن يَتَجَرَّأُ أن يفتي بالاعتداء على أهل ذمّة الله، وويل لمن يعين أو يُحَرِّض ولو بشطر كلمة على الاعتداء على أهل ذمّة الله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله عزّ وجلّ مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله» [سنن ابن ماجه وسنن الترمذي والكافي وبحار الأنوار]. 
هذه بعض المعاني العامّة للصلاة التي هي عمود الدين، والتي أوّل ما يحاسَب عليها العبد، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله» [بحار الأنوار ووسائل الشيعة والمعجم الأوسط للطبراني وسنن النسائي والترمذي] وهي الصلاة التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصي بِها وهو على فراش الموت «الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم» [سنن أبي داود ومسند أحمد والبيهقي والكافي وبحار الأنوار]. ولندخل الآن إلى بعض تفاصيل وأعمال وأحكام الصلاة لنتأمّل في وظائفها وما ينبغي أن تغيّره فينا وفي أمّتنا وفي العالم.
في الحلقة القادمة: الأبعاد الإنسانية والثورية للطهارة