سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الأحد، 23 يونيو 2013

المقالات السياسية: غباء الغزاة بقلم/ مختار الأحولى


صحفى من تونس



أنتجت القوّة غباءها الأول في ولاية بوش الابن حين جنّد العالم في حربين(الأولى قادها الأب. الذي خاف التورّط فخيّر انسحابا تكتيكيّا قيل أنه مشرّف. لكن غباء بوش الابن أوقعه في المحظور الذي خشيه أباه في حرب 1991) وكانت له في الثانية2003 التي وضعت العراق في حالت انفصام.أسست لمرجعيّة سياسيّة مآلها الأخير حضن إيران. وبما أنها لم تفهم درس انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان. فهي زادت في تورّطها حين قامت بالحرب على طالبان. وعدّت حربيها انتصارا تاريخيّا. والحال أنها أفاقت وقد دخلت المستنقع بمفردها فجيشها أصبح في المتناول. وقوّتها مصدر فخرها واعتدادها عار تمام. رغم الدعم المادي العربي السخيّ جدا طبعا. وهو الخليجي تحديدا.ودعم سياسيّ من حكّام دول الفقر. وكان نجاح أوباما هو مبني على قاعدة الخروج من الورطة والانسحاب الفوري والسريع. تزامنا مع بناء قاعدة متقدّمة لعدم استغلال إيران أو غيرها الفضاء الفارغ. الذي أتاحه لها غباء(الصقور). والتواصل مع المخطّط الجديد في ما يدعى بالثورات العربيّة. بعد أن سرّع هذا الغباء في تعرية وتواتر الأحداث ودفع الصهيونيّة(الكيان المهزوم) من التأكيد لكلّ قوى الإمبرياليّة الاستعماريّة على التخلّص من إيران أولا وقبل كلّ شيء. لكن الإدارة الاوباميّة التي وجدت في شركائها الأوروبيين الذين يخشون ليس فقط من تصاعد نجم روسيا كقوّة اقتصاديّة لابدّ منها على الأرض العجوز.وحتى في أسوأ الحالات يكون صعودهم موال و بشروط أن تكون ذليلة مطيعة. وليس قوّة قادرة على ابتلاع أوروبا ومعاقبتها كما هو الأمر مع ألمانيا تاريخيّا كما كانت قبل أن تتورّط في اتحاد مهزوز. إن لم أقل مهزوم سلفا نتيجة التدخّل المباشر والغير مباشر في كلّ حياة أوروبا الموحّدة سياسيا واقتصاديا وعسكريّا وخصوصا في محيطها الحيوي مستعمراتها القديمة التي هي ذاتها أسواقها ومصدر طاقاتها في كلّ مجالات الحياة(وهذه الورقة الرئيسيّة التي حتى الآن لم تستخدم لتحرير هذه الحدائق الخلفيّة من استعمارها بفضل حكّام مهزومون متواطئون عملاء).


وما أوضحنه من شروط لوحدة "عرقيّة" وأرضيّة لا تتوفّر إلى حدّ الآن إلاّ في العرب أو في آسيا الصفراء. والعرب أقرب لعذريّة الأرض. وتوفّر المادة الأولية. والثروات الطبيعيّة المتنوعة.فضلا على وحّدة اللغة والمصير وغيره. وهذه المستعمرات هي الآن تتحمّل أعباء أوروبا الموحّدة وأمريكا الامبرياليّة الصهيونيّة. وبعد الضعف الذي برز في أوروبا المتأزّمة برز نجم ألمانيا الإقتصادي "رغم ما جنته تاريخيا من بشاعة مواقف أوروبا وعلى رأسها فرنسا بقصد إضعافها وإذلالها إلى الأبد. والتي إن انكشف أمر هشاشة اقتصادها. فهي دول تعدّ منذ البداية فقيرة فإن فرنسا مثلا التي تعدّ قوّة هي في مسيرة إفلاس واضح وإضعاف متعمّد من القوّة الرئيسيّة المتحكّمة وهميا في العالم. لذلك فهذه التي تتصور أنها لا تزال قوّة على الأرض هي جندي مخترق ومستعمر).

البرنامج:


هكذا بلغنا حدود البرنامج الثاني الغير مكلف(وهذا ما بشّر به عرب المال) "الثورات العربيّة". أو إنتاج الحلّ من الأصل وبالأصل ومن ثمة تحويل وجهته واستعادته(بحقّ أريد به باطل وهو ديمقراطيّة الميتة) وبتعاون لاعبين من ذات الأرض. ومن الميدان الثائر.وفّرت لهم القدرة الماليّة لتتواصل مع الأطر "الرأي العام" الحالم بتحطيم الفقر وقتله.(فقوّة المال تمثّل مفتاح ولوج الفقراء حسب ظنّهم).

القصة القصيرة: تغريدة البجعة وسيمفونية الرماد بقلم/ محمد جودى



تبقى أجسادنا تتواصل مع ذواتنا كلما أقمنا طابقا فيها، من الهوى... من التفوّق... من الأمل... من الندم... من الحسرة... من الفشل... من البداية... من النهاية... من الشيء... من اللاشيء... من المنتظر....من اللامنتظر... من الحلم... من الفزع. 

في حياتنا نلتقي بذواتنا مرة، ونفترق عنها مدة، وقد نخسرها. وهي التي شيّدنا هيكلها بقوة وشجاعة، بالبكاء والنضال الحثيث، لنصل لحلم تمنيناه في طفولتنا.

كانت عوامل الزمن قاسية مثل الجليد الذي يحتضن الطريق، ويُعيق حركة السير. مرة نسقط فيه، ونتعثر في كثير من المرات، وقد نُغامر ونُقامر، لنصل سالمين مرة، أو مكسور جزء فينا مرات كثيرة. وفي فرصة أخرى نجد توابل رطبة جنيّة، تُساعدنا وتحمينا، تُدفِئ عزائمنا، تنتشلنا برفق وبمحبة تصل إلى الرحمة. إنه الحب الغامر الذي يكسو قلوبنا الباردة، ويُمطرها بغيث ساخن، مُنهمر من هياكل العطف والرفق.

في مدينة غارقة بالضباب، مُتخمة بالازدحام، عارية من الطفولة، ضحلة من الأمل، مُترامية الأطراف، مُوحشة في شوارعها، مُخيفة في مرتفعاتها. كتب لها القدر أن تعيش فيها جزء من حياتها... كتبت دواليب الحياة لها أن تبقى ثلاث سنوات متواصلة. إنها الآن تنقطع وباستمرار عن يومياتها القديمة، التي كانت معزوفة اعتادت سماع مقاطعها الهادئة... كانت صاخبة بالحياة، ماجنة بالهدوء، عصية على الدمع. وهي الآن وحيدة في جناح كئيب أسود، يكسوه الخوف والجزع واللأمل... وجديلة شعرها الطويل ترسم بكثافة خيوطا من الندم والضياع في جداول ومستنقعات بعيدة عن موسيقاها، وعن ليلاها، وعن تُحفها، وعن توابل أرضها. كانتْ بمكان يفوح نعنعا وزنبقا وعرعرا، فكتبَ في سيمفونيته ذلك الزمن أن تعيش بعيدا عن عشها... بعيدا عن قلبها... بعيدا عن صدفات حياتها... بعيدا عن عِقدها الماسي الكبير... فهي تنحدر الآن في مدينة رمادية، تقتلها الرطوبة، وتستعمر خُضرتها بلاطات أزقتها الضيّقة، فتقتل الحشائش ومُستعمرات الربيع.

في زهرة عمرها وحيدة، متوحّدة. إذا خرج الناس دخلتْ، وإذا دخلتْ خرجوا، وفي غرفتها تُردد نشيدا حزينا من تغريدة البجعة، لترد بها على سيمفونية الرماد... كلاهما يحمل لغة حزن قديمة، تنحدر من أيام جدتها الكليوبترا. فهي من أصل رفيع، لكن حكم عليها الزمن بغربة رمادية، كئيبة المكان والزمان، مزدوجة اللحن والنشيد.

وفي غمرة بكائها يُناديها صوتها... تتلاطم بها نفسها... يُخاطبها عُمقها بحنين وقوة معا.... يُناغيها قلبها... هي بين المكان والذات... بين ما أقامته من أحلام، وما حطّمته سيمفونية الرماد هذه الأيام... موقعها فوق صفيح ساخن في أعالي قمم التلال الكئيبة، وقد كانت بين أرض منبسطة، تعلّمتْ فيها تراتيل الحب، وصلوات الشكر، وأحاديث العشق، ومراتب الهوى، وقصص التفوّق، وهمس العرفان... وبين حديث عميق فيه صخب الأمكنة الجديدة والمُعتِمة، وبين توهج الأمكنة المؤنسة.

لا تجيب ولا تستطيع تحديد نسبة ألمهما وضياعها، ولا تعرف تشخيص الحياة الرمادية. هي بين ضياع وحياة مُجدولةٍ... حياة جديدة، لا تملك فيها إلا البكاء، فقد أضاعتْ حتى العبادة، ومنسُوبها العقدي يتضاءل بعدما شحُب لونها، واضمحل جمالها، وغارتْ تقاسيم الوجه القديمة بظهور تقاسيم جديدة. وتحمل عيناها بحيرات البكاء الكبيرة، فهي مخزونها الذي ستصرفه في تلك المدينة البعيدة، وفوق تلالها الفقيرة من الحب... من السند... من الشريك... من الأهل... من اللغة... من الأمل... من الطبيعة الخضراء... من المطر الحالم... من قفزة الغيمات... ومن لعب العصافير... كل يوم تبكي، وتشعر أنها يجب أن تكون كذلك... تبكي ويتكرر بُكاؤها كلما تتوقف عنه للحظة، فهو عزاؤها الوحيد في المدينة الغريبة، لأنها ضعيفة... كسيرة الحال... قلبها يتوقف كل يوم عن نبض الحياة بانتظام، ولا تملك إلا ذلك الخزّان، ولا تُجيد السباحة إلا في تلك البحيرة.

تعوّدت في الزمن القديم أن تُوظّف دموعها في مؤسسة النجاح التي تُديرها برفق، واليوم هي تبكي لضعفها. وفي مرة من المرات تتوقف عن البكاء حين ناداها صوتها الداخلي، صوت بعيد عنها كالنسيم، وتحدّث باطنها برفق مع رفيفه... إنها تتمنى لغته، ورائحته، وقلبه، وشِعره، وكل ما يملك. كانت توظّف الدموع في الانتصار والنجاح والحب، مع الأهل والأصدقاء... في الأمكنة المنبسطة الواسعة مثل جدتها الفرعونية، فهي ترغب أن تُلامس أطراف مملكتها أجنحة الشمس... لكنها تبكي بقوة هذه المرة وتعجز عن الكلام والبوح، لأنها حبيسة غرفة مُقرِفة، مدهونة بالخوف، وتقطر جدرانها بالرطوبة والعفن والفشل، فخوفها، ضياعها، قلة حيلتها، صِغر عُمرها، يجعلها وردة جُورية تموت ببطء في اليوم مرات كثيرة بمكان مُوحش، تنعدم فيه رائحة الحياة، لأنه رمى مجتمعه منذ مدة حين امتهن الخوف والقتل والضغط على ساكنيه، فهو يسكنهم قبل أن يسكنوه.

في غرفتها وحيدة، تجلس مرة جلسة القُرفصاء، وتحدّق مرة بعيدا ببصرها وقلبها ومرآة عقلها، ومرة أخرى تنهار على فراشها.، ومرة تقوم للصلاة ولا تعرف البداية والوسط والنهاية فيها... تصلي وتصلي وتصلي. وفي هذا الضياع تبحثُ عن لغة الدعاء، وتنتشلُ من جدران التاريخ أبجدية المناجاة النبوية، فهي كل ما تبقى لها من رصيد الحياة. وفي صلاتها يُحدّثها حنينها. يشدُّ على يديها بلطف نجاحها القديم. تتذكر وتعود للوراء، وتُخرِجُ بقوة صخب المكان من صدرها، وحشرجته من قلبها، وخُيوطه من عقلها. تبكي هذه المرة بحزم وعزم، لكنها في برهة قصيرة تُكفكف الدمع بعد أن تنسّمت ظلال الأحلام الكبيرة، فأول مرة تُخالج رأسها فكرة جديدة. لقد قررت أن تُغلق إدارة تلك البحيرة، وتُسرّح عمال مقابر البكاء. فهي الآن تصلّي بشكل مستقيم وصحيح، وتدعو بصمت وهدوء. تُناجي ربها بلغة الأنبياء، ورواية الزهّاد، وتُقسِم بيدها وقلبها وميزان عقلها أن تُمسك جدائل الأحلام الكبيرة، وتمزّق أوتار الكمان الحزينة.

في مكتبها الصغير تبدأ بكتابة أنشودة على وقع المطر عندها، وتراقص قُطينات الثلج عندي، بنسيم الأندلس، وعزف فرعوني، لتلامس الأحلام الكبيرة. بدأتْ باستعادة تفاصيل قوتها هذا الأسبوع من شتاء شباط، وستبقى في هذه الرحلة أسابيع أخرى، فالنسيم يتحرّك نحوها، ويُحرّك رئتي نجاحها، ويُوقد فرن الشجاعة فيها بحطب من السرو والصفصاف. تقف اليوم على قارعة النجاح بعد أن أتخمتها المدينة البعيدة بألوان الحزن، و وارتدتْ فيها بعنوة المكان وضغط البشر قمصان الضياع. لكنها هذه اللحظة تستعد لأن تشتري شراشفا لطاولة الأفراح ببيتها، الذي يقع بمنتصف الأرض عند بوابة الصحراء. وفي أخر الصفحة تقول مخاطبة ذاتها بحكمة وروية: 

-الأحلام الكبيرة تبدأ صغيرة، وتضمحل في يوم دون عِلمنا. نبكي بقسوة لفقدها، ونتألم على ضياعها وضياعنا معها... فتنهار ذواتنا... ونستعيدها بعد غفران الدموع وصلوات البكاء في نسيم الغد بلغة الشجاعة، لنصل إلى معانقة الأحلام الكبيرة بتغريدة منغومة بحزن البجع، الذي يمرُّ من الخوف إلى عرش الأحلام الكبيرة. وكأنها انتصرت على تفاصيل المكان والزمن والإنسان. فتتوقف عن الكتابة وتتمدد بهدوء على سريرها، وترمي تفاصيل الضياع بقوة، وتنام نوما عميقا مدة طويلة.