سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

السبت، 22 يونيو 2013

قصص قصيرة: وقع الأحرف بقلم/ محمد الجودى



توقفتْ هذه اللحظة، وخارتْ كلّ قواها، واختلط عليها الأمر، وتخلّتْ عن الكتابة، وتركتْ مُوشّح ألمها في محبرة حروفها... تعبتْ وهي تعاقر تفاصيل الأمس بمعول الحبر، ومجداف القلم، وسطوة الحرف، ولعنة المفرد المذكر، وغيرة التاء والنون من فحولة الواو والجمع السالم، وتزاوج المفتوح بالمغلق.

تكتبُ في أوراقها المبعثرة أوقات خلود الناس لنومهم قصة تختلفُ عن الواقع والخيال معا... لها تفاصيل يعرفها قلمها وقلبها فقط... ربما هي غريبة حقا، أو أن وقع الكتابة هو السبب؟

فهي ممن يبالغ في استعمال "ربما" وتزيد من وطأة تساؤلاتها عن حالها المُتعثر، رغم أنها لا تحبذ الميم، لأنها تكف عمل "ربّ"، فتصبح "ربّ" بوقعها الجديد أصلية غير زائدة في مملكتها الحرفية المتغايرة عن الواقع والخيال المتخيّل.

توقفتْ واستحالتْ إلى قطعة جماد فوق سريرها في عتمة الليل، ورمتْ مُلاءَته ولُحافه، وكأنها تُريد أن تكشف أنوثة جسمها للظلام، وتترك ذكورة قلمها للقرّاء وحدهم... فهي في حالة بحث عن نديمٍ يختلف عن البشر؛ لا يحمل طباعهم، ولا يُتقن لغتهم، ولا كُرهم، ولا خيانتهم... تركتْ جسدها له، وألقمتُه كل أعماق أُنوثتها، وكأنها تُريد أن تتحول إلى محبرة يغطس فيها ذكورته وظلاميته، لأنها تبحثُ عمن يرأف بها، وإن كان عتمة مُخيفة.

استسلمت له استسلام المحبّ، وترنّج كامل جسمها أمام سطوته العفوية، وممارساته الظلامية. منحته كامل الشاطئ الأنثوي، والأعماق الرديفة، وتركتْ قطرات عشقه الندية تسير على شفتيها قطرة وراء قطرة، وهو يتجرّعها واحدة تلو الأخرى، مٌحركا شفتيه على مبسمها المتورّد برقة وانسيابية. وفي غمرة التلاقح الوردي، تسمع صدى القصيدِ من عمق أعماقها، فتُحاول أن تقوم لتوقّع بأحرفها صداه. لكنه يُمسكها ويُقيّد جسمها بجسمه، فيُشغلها بلمسات جديدة، وحركة لعوبة كبيرة... تستجيب له مرة، لكنها تكسر قيوده وتتوقف عن سحر مناجاته مرة أخرى، فيغضب بشدة... يهزها فوق السرير بقوة... تتألم منه... فتدرك أنه مثل كل ذكوري، مهنته التلذذ بألم الجسد الأنثوي.

تتوقف عن لعبة اللمس والغمز الذكوري، وتطرده من غرفتها، وتُبيد عتمته بتراتيل قرآنية خافتة، تَخرج من صدرها بألم وقسوة. ومع كل آية دموع تسقط وتنهار بسقوطها، وكأنها ارتكبتْ معصية حين تركتْ أفكارها تُعاقر السواد... فجأة تلتحف بما تجده أمامها في لحظة السقوط... تبكي... تتنهد... تشهق... تُطلق زفرات متتابعة... تلطم وجهها... تتوقف أخيرا بعد أن أدمتْ قلبها، وتُدرك مع إشراق الصبح أن صديقها الصدوق هو قطعة صغيرة على الورق؛ فهو يختلف عن ذكورة غبية في ظلمة ليل كئيب رخيص، لأنها أرادتْ أن تبحث عمن يُشاركها أحرفها، ولغتها، وجسمها، وهسهسة قولها، ونبضات حنينها. تبحث عن دفء الكتابة، لأنها كاتبة صوفية، تؤمن بأفكار الحلول، وتعشق شاعرها النبيل القائل:

((أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا))

كانت الكتابة بحروفها المنثورة مياها باردة تملأ وعاء قلبها، وتدخل صالة عشقها، لطرد الأحرف الحزينة، وشُهب العبارات، وسفوح الكلمات. فهي تكتب قصة جديدة، وسُنبلة شِعْرٍ ندية. وفي كل مرة يكذب حرفها عليها، ويخونها بوحها. فتحوّلتْ مساحة الورقة إلى ألم يعتصرها، وجرح غاضب مُتجدد، فتصبر وتُصبِّر ذائقتها الكتابية بكتابة جديدة. وتُخرج من دولاب الأبجدية حروفا أخرى، تحسبها راحة لها، فتجد أنها مطوّقةٌ... تحاول أن تلوذ بالفرار من أسرها وألمها ووقع الأحرف عليها... تُكابر وتنتفض انتفاضة الياسمين أمام جبروت الريح، فتقدِمُ على محاولة أخرى لكسر الخوف وطوق الهزيمة، وتهديم أضرحة الألم، وخنادق الضياع. فتسدلُ كامل ستارة الأبجدية أمامها، وتدخل سوق الكلِم منتشية، منبسطة، وصدرها يملؤه الحنين لقلمها وأوراقها وفكرة الحلول. تخطُّ أول حرف في الورقة... وما هي إلا لحظات حتى تُنهي كتابتها وتضع قلمها في ركن بعيد من مكتبها... تتوقف وكأنها تدرس حركات عدوها... ربما اعتقدت لوهلة قصيرة أنه ينادِم الألم مُتخفيا عنها، فهي تعرفه وتعرف عقلها الباطن في كل تجربة كتابة وحرف. تلتفتُ للشاي الذي برد، واختلط بنسيم الوَحدة وجو الغرفة المُوحش... تُدقق النظر في غرفتها، وكأنها أكبر من حجمها الطبيعي، لتعود في الأخير إلى الورقة، وتبدأ تقرأ، ثم تتوقف، ثم تتابع... وما هي إلا لحظات حتى تنهار في مقعدها، وتسقط على الأرض مُمدة، باكية، مُتورمة، مُنتقعة... إنها تبكي وتندب حظ حرفها العاثر. لقد أيقنتْ أخيرا أن حربها ضد الألم الدفين لا ينجح عن طريق الحرف، بل يتحول إلى انكسارات، لأن أبجديتها حليفة لتلك الآلام تحت وصاية سلطة قلبية، توظّف قسوة الواو، وأنوثة التاء، وعهر النون، وتمرّد المؤنثات، في ميدان الورقة الضيق المساحة الواسع الأثر.

أدركتْ أخيرا أنها تعيش لعبة لا واعية وغير مُدرَكةٍ في مُدْرَكاتها، وكأنها دمية في يد الأبجدية. تضحك على حالها وغباوة زمانها، وفي ذات اللحظة تخاطب واقعا عربيا تعيشه: 

-آه آه؟؟؟ فهمتُ لِم نحن العرب نمتلك قدرة على التوحّد في البكاء والندب واللطم؟؟؟ 

-إننا أمة تحترف صناعة الخوف وهدر الدم؟؟؟

في غمرة الضحك الهستيري، وتداخل الحال العربية، وضياع دموعها بين كل هذا، يناديها صوتها الداخلي؛ طيف حنينها القديم المُتهالك، الذي ضاع بين العرب ومعهم... يُناديها... يُناغيها... يشدُّ على يديها بلطف، ويتناغم مع بِرْكَةِ أفكارها، ويمتزج مع زبد حروفها، فتُكفكف دمعها أمام صوته، رغم أن الحياة سرقته منها، واحتضنته في جوف الأرض، وتركتْ صدرها باردا، يملؤه تنهدات الألم والخوف والوَحدة. فتُعلن عصيانها على اللغة، وتُحطّم تقاليد البوح القديم، وسوار الكلام؛ فتُلغي أنوثة التاء، وعُهر النون، وسطوة الواو، وغطرسة حروف الصفير، وتُهدّم هسهسة الأبجدية الحزينة، مخاطبة ذاتها العميقة:

-هل أقوم بكل هذا الآن؟؟؟

-من أنا؟؟؟ 

-هل أمتلكُ طاقة لكسر طوق الحروف وصفاتها ومعانيها؟؟؟ 

تكتبُ مُتحديةً وقع الحزن، ومرارة الكآبة الخرصى، وجشع الأحزان، وعنجهية البوح القديم. تكتبُ إلى كل ذاكرة تشرّبتْ بحروفها العفنة ملح الألم، فتُحاول أن تغسلها بحروف متجددة على جناح ورقتها الأبيض النديف، لتجعل كروم الحبّ مُورقة فوق مآذن القلوب. 

وفي أخر الحرف تتبصّر أثر كتابتها، فتحسّ أنها متناسقة ومترابطة. تبتهج، ثم تخاطب ألمها، قائلة: 

-أنت الألم وأنا أنثى بأسماء فرحة، فجميع الأفراح والآمال العريضة أسمائي، وإن عريتَ حقائق الحروف، وقضيتَ على بساطة العين، وألغيتَ شاعرية الحاء، فكلّها اليوم جديدة عندي، فالحاء حائي، والسين من اسمي، وصوت الأبجدية شربَ من بِركتي الطِيبة والطبع، والباء جزء من الحبّ، والصاد يَـدُ حنيني القديم، والدال داله ودليلي إلى محبرته.

-كل الحروف من يدي تخرج مُنسابة إلى منازل عشقها، وأركان الرأفة، فاستحالت إلى فرح، وباتتْ قافها قافية جديدة، أثمرتْ حلولا حقيقة، قضت على رمادية السماء، وأضحكتْ العصافير المرتجفة، وأبكتْ سنابل الأرض. ثم تضع قلمها أرضا وكأنه متعب من حرب خاضها، وتتبسم وهي تنظر في الأفق لحبيبها القديم، فتقول له: 

-كنتُ بأحرفي رُوحين حللنا قلما وكتبنا نغما. 

الجمعة، 21 يونيو 2013

مقالات سياسية: تونس في: نحن و الضدّ؟ بقلم/ المختار الأحولى


صحفى تونسى و شاعر 


منذ البدء وفي إطار خارطة المستعمر. كان هناك محطّات تمثّل بالنسبة له مخابرا عمليا و علميا. لإنتاج البرامج الملائمة لكلّ أمّة. وفقرة في تاريخ الإنسانية الحاضر(أي الذي يكتب الآن على الأرض). ومثّل الثالوث مصر تونس ونقاط خليجيّة تمثّل وحدة واحدة إنتاجيا هي الإمارات(كجنّة ماليّة). ثمّ استبدلت الكويت بقطر لموقعها العسكريّ وطاقاتها الماليّة ومدى قدرة حاكمها على خدمة مشاريعهم. مع بقاء الإمارات كقاعدة وجنّة تحصر فيها وتحشر أموال الهاربة من الضرائب.هي ميدانيّا ثلاثة محطّات مغايرة. ومهمّة في إنتاج الحلول السريعة والملائمة إلى حدّ بعيد. لخدمة أهداف "حديقة وطنهم الخلفية" التي يمثّلها العرب. بخيراتهم التي تتنوع بين ثروات الأرض"بين باطن وسطح". وثروات الساعد. وما يحاولون امتلاكه كلّيا. الثروة الفكريّة (حتى بالتبعيّة إن لزم الأمر سرّيا). لأن هذه المخابر في أصلها. هي تطرح عليها جملة مشاكل ومسائل. ويقع على كاهلها إنتاج الحلول. إذا هي مفكّرة(ولو أن هذا الفكر حوصر إلى درجة تكوين نخبة تابعة في أغلبها. (رغم فعل الزمن الذي أبق على عناصر وطنيّة التفكير)، والحلول المقترحة. والتي مثّلت ولا تزال عنصر الجذب للشعب.أمام هذا المشروع ألمخبري. (ألمخابراتي في توجهه).ويبق على الطرف المرشّح لدور الريادية ميدانيّا. وهو محدود الصلاحيات. محدّد الوجود.تحمّل أعباء وجود هؤلاء الوطنيين في ساحته لما يمثّلونه من ورقة مهمّة. غصبا عنهم وليس بمحض إرادتهم.ولأن التخلّص من هذه العناصر ليس مهمّة عسكريّة قتاليّة(على الأقل في الراهن). ولا حتى الحاجة تفرض إلغائها تماما من على الساحة. لتكريسها ورقات ضغط حين يجب وزمن يجب للحكّام الموهومين بسيادة وسلطة وريادية. كان ولا زال مطروحا عليهم مسألة الاحتواء لهذه العناصر النوعيّة (والتي وهبتها "الثورة"وجودا فاعلا على الأرض)أو التحييد في زمن الأزمة. وحين انكشفت أزمة المستعمر(وعلى الأخص السيطرة على المستقبل "خصوصا منه المنظور" في ظلّ التناحر على السلطة داخل كيانات حديقة وطنهم الخلفية. ودخول لاعب جديد على الساحة الاقتصاديّة العالميّة من صلبهم لكنّه شره، وشرس. ويلغي سابقه في أي لحظة. وبقوّة متناهية. من خلال أساليب قذرة(وتعدّ لا أخلاقية في عرف و مفهوم الاقتصاد العائلي الذي لا يزال يسيطر على منافذ الحكم في هذه الدول). وهو المولود من رحم طموح المافيا والصدفة وليس من العائلات التقليديّة المصنّعة والمتاجرة. وهذا العنصر الجديد أخذ في الاستفحال، في شريان الطامحين من حكّام مهزومين. إلى بلوغ ثروة تنسيهم فقر منبعهم الأصلي الذي صنعوا منه. وهم زين العرب. ومبارك. والعقيد.وعلي عبد لله صالح وغيرهم. مقابل صنف ثاني، هو دائم التعامل بحكم المصالح. وتمّ تأسيس ما يشابه عائلات الغرب الحاكمة بالسلالة الدمويّة للتحكم في مطلق البلاد. ولتضمن بقاءها الدائم هي مستعدّة لفعل الكثير. وصرف ما يلزم على هذا الكثير. قصد الديمومة المطلقة في الحكم .ومن أهم أسلحتها الداخليّة طبعا عامل الدين الذي يشرّع وجودها على رأس أمّة هي عربيّة قبل أن تكتمل بإسلامها كيان كامل متكامل.

وبعد ما تخيلوه من انتهاء حقبة الثنائية الحاكمة في العالم وتفرّد حاكم يريد أن يكون مطلق بأي ثمن(وهنا أطرح سؤالي: من الذي يرغب في هذا الحاكم المطلق؟ ومن رشّحه لهذه الخطّة؟ وما حاجة الإنسانية عامة لهذه القوّة؟ أليست مكيدة أمل المال للسيطرة على عبيد الزمن الذي نعيش،والزمن القادم. لفرض تواصل وجودها في نعيم حيث يشقى ويموت الفقراء والمعدمون والكادحين بفعل شراهتهم ونهبهم المعتمد لكدح وعرق هؤلاء المعدمين؟وبمنطق القوّة العسكريّة وسياسة تعتمد التخويف بما تمتلك من ترسانة حربيّة.وبجيش من المرتزقة. يعيشون على حلم الثراء. وبفتات الرأسماليّة الامبرياليّة والصهيونيّة. ليقتلون الناس في أوطانهم. وليبق من يبق عبيدا يرضعون دمائهم. ويولون عليهم من يرون فيه(الكاو بوي) الذي كانوا. أيام دخولهم جنّة الهنود الحمر التي سرقوها وأبادوا أهلها. ولعلم من لا يعلم. من بقي من الهنود الحمر(أصل سكان المكان) هم الآن في مساحات محصورة بسياج يزورونهم السياح ليتأكدوا من صحة (كذب) الأفلام التي طالما شاهدوها في صباهم حول قوّة وشجاعة وإقدام(السارق والناهب) راعي البقر.وقلّة ذكاء هؤلاء الهنود المتوحّشين. وهذا البقر من أين جاء به؟ أمن سجون أوروبا مهدهم الأول؟ حيث كانوا يقضون سنوات سجنهم قبل أن تطلق أياديهم في أرض أمريكا؟ وهنا أنهي السؤال حتى لا أخوض في موضوع آخر.). وعلى إثر دخول لاعب جدد على المستوى الاقتصادي وذراعه العسكريّة آخذة في الطول إن لم تكن طالت فعلا. مع ما لم يتخيّلوه من سرعة تماسك روسيا. وريثة الاتحاد السوفيتي. بفضل توفّر خيرات كثيرة وإرث علميّ وأرضيّة عسكريّة متطوّرة. أعادت تشكيلها. أخطاء هذه القوّة الوحيدة الطليقة(التي تفترض نفسها كذلك) وأطماعها المفضوحة في الانفراد بالسيطرة على الثروة في كلّ العالم. لتعيش أمريكا أولا. وثم أتباعها الخلّص. من الذين ولدوها أي أوروبا العجوز التي أنجبت أصولهم وأصل الصهيونيّة. التي هي الآن أكبر منتصر وأهم مفصل في وجود أمريكا ذاتها. فلو سألت أي مبتدئ في عالم السياسة والاقتصاد والتاريخ(سيجيبك حتما أن كل مقوّمات القوّة. والموقع الاستراتيجي. وديمومة الاستقلال"حتى لا أقول السيطرة"مع عوامل وتفاعلات التاريخ بفعل نظرية المؤامرة الدائمة. ووحدة المفصليات العرقيّة المبنيّة على وحدة الدين قبل المنشأ(إن أمنّنا بنظريّة الشتات). والرقعة الجيو- سياسية. والجيو- اقتصادية. وحتى الجيو- عسكريّة. (وهي عوامل كانت في الأصل ترشّح كلّ من أمم العرب. وآسيا ليكونا قوّة المستقبل) لكن لماذا العرب أقرب وأخطر؟توفّر أهمّ شروط الوحدة إنسانيا(ما يعادل العرق حتى باحتواء أعراق أخرى من خلال الاختلاط الدموي تاريخيّا). أضف عليها وحدة العقيدة التي راكمت في كلّ المحيط لغة وقبلة واحدة. ما مهّد إلى وحدة عوامل كثيرة أهمها اللغة. والتجاور الجغرافيّ. حيث لا توجد فواصل تعيق جغرافيا هذه الوحدة. مع توفّر شرط رأس المال بفروعها الأرض والقوّة العاملة وأرضيّة فكريّة عند الأجيال الفقيرة.ورأس المال العائد من الثروات النفطيّة)هذا باختصار مجحف ما يمكن أن يشكّل أول أخطار تجابه المستعمر القديم الجديد.والذي مهّد لقبوله زمن انتهاء مفعول "الرجل المريض السلطة التركية العثمانية". ليخرج علينا. من رحم وجبّة إرث دفعه حبّ التماهي والتواصل مع التقدّم والحضارة. كما رآها هذا السلف ممن نعدّهم الآن إصلاحيين(المتشبّهين بما أبهرهم به التقدّم العلمي والفكري والطامحين لاستنساخه على أراضيهم وليس تثوير بناتهم العقلي والروحي بما لديهم من ملكات لبلوغ هذه الدرجة من التقدّم عن طريق التلاقح المعرفي المولّد) وهم في الأصل من مهّد لبروز وتوجّه أنظار المستعمر الجديد لنقطة الضعف هذه.وهو الطامع في ممتلكات الرجل المريض. والذي مرض من شبع بخيرات هذه الأرض. التي لا يزال حلمه يراوده بالعودة إليها بأشكال متعدّدة.خدمة لمشروعه الثوريّ جدا هو قوّته الاقتصاديّة المتماهيّة والقوّة الامبرياليّة. وما تحالفه مع الصهيونيّة العالميّة رغم كلّ المسرحيات السياسية التليفزيونية. فأسسها ثابتة على الأرض.وما تحالفه الاقتصادي والعسكري إلاّ واجهة ومدخل.

ولأننا ربينا على الاستكانة والخوف. نتاج لفقدان أجدادنا الحكّام(القريبين من زمننا هذا) لمكونات الشخصيّة ومقوّماتها. ولجهل وحتى أميّة وعدم أهليّة وقدرة، وإرادة واعتداد بالذات. وكلّ ما يتمكّنون به من فرض قوّتهم وحرّيتهم. فهم راحوا يتمسكنون لأيّ قوّة صاعدة لتقف معهم وتنصف قضياهم لكن بأي ثمن؟ رغم بكائهم على أطلال هي نافذة وقدوة كانت تفيدهم في العلوّ لا في التدنّي إلى أسفل خارطة الوجود الإنساني
أثبت تاريخ حكّامنا أنهم لا ثقة لهم بالشعب. لأن الشعب يعرف ضمنا أنهم نصّبوا عليه من طرف مستعمر هو أصل من يحكم. ولا ثقة للشعب بحكّامهم. حتى يتحدون معهم. خصوصا بعد افتضاح أمر هؤلاء الحكّام في المحكّ(حروب العرب ضدّ الكيان الإسرائيلي). فتعدّد الخيانات التي من خلالها ثبت لدى الشعب أن الحكّام لا يخشون على كرامة شعوبهم وإنما على ديمومة ملكهم وثرائهم وعائلاتهم على حساب كرامة وحرّية شعوبهم إذا ليست هناك ثقة بين الحكّام وإن اجتمعوا. وكانت هذه الخطّة في التفرقة بين الحاكم والمحكوم والحكّام فيما بينهم. هي أداة السيطرة التي لا تزال حتى أيامنا هي العمود الفقري لسيطرة الامبرياليّة والصهيونيّة على العرب عموما.
وكما أسلفنا. ونظرا لحصول طوارئ على مستوى تقسيم خارطة المستعمرات. والحديقة"إن لم أقل الجنّة" الخلفيّة للمستعمر التي أنتجت أيام الاتحاد السوفيتي. فكرة أقنع العالم وخصوصا العرب بها هي أن الشيوعيّة لا تعني الإلحاد والكفر والمجون فقط. وإنما مستعمر جشع راغب في الثروة العربيّة. الشيء الذي دفع بالحكّام العرب(أصحاب المال الوفير طبعا) لتوفير أموالهم للصرف على هدم وإعاقة وصول هذا الفكر(الشيطانيّ الذي سيحوّل ثرواتهم إلى تشارك مع الفقراء الكادحين الوضيعين والسواد الأعظم والغوغاء. وكلّ ما أنتجه الفكر "الفاتح" العربي القديم. الذي قام على أصل نشر الدين وانتهى إلى أكبر قولة تعلم منها العالم ماذا يعني أن تكون طاغية ثيوقراطيّ: ("أمطري أنّا شئت فخراجك لي") والآن وبعد خروج الاتحاد السوفيتي كممثل للمضطهدين وجب الانتهاء من أثاره. حتى لا يعود التشكّل من أرض خصبة أخرى رغم ثنائيّة في تجربتها وفكرها بما يتماشى والبعد الإنساني الغريزيّ. لكن بسيطرة الدولة وإشراف المجموعة الوطنيّة. حتى لا تنساق خلف رؤى فردا نية مطلقة(والأرض العربيّة خصبة من حيث تاريخها الكلّي في مسألة الفر دانية وحبّ الملكيّة وكنز الثروة حتى أنّ القرآن الكريم نبّههم لشدة حبّ رآه فيهم لكنز المال وخصّهم بآية يتوعّد فيها كانزي المال.) لذلك كان من الأجدر بهم(ما لم يفعلوه حتى اللحظة هو قراءة دينهم وقرآنهم. بشكل يتفق مع كنهه الصحيح بعيدا عن اقتناص ما يخدم مصلحة الحكّام وحاشيتهم من المنتفعين بفتات رأس المال.
 لكنّ ما تأكّد منه المستعمر أن العرب عموما لا يقرؤون وزاد عليهم بمستحدثات الإلهاء الصفراء.من كتب مشبوهة. مع محاربة قاعدة التعلّم حتى غدت انتقائية. ولا يعطى لها سوى المادة الأولية التي إن برع فيها وجّه إلى ميادينهم وساحاتهم للاستزادة. ومن ثمة إغراءه وكسبه. أو فمصيره الموت بشكل من الأشكال(منها الموت حيّا) ومنها عند عودته يوظّف مديرا في مكتب يمضي على أوراق في أفضل الحالات موت. حتى غيّبهم تماما عن التفكّر والتذكّر على الأقل من خلال الأحداث القريبة والتعلّم منها. ومن أصابه مسّ من الذكاء فتلك مصيبة له. نعرف مسبقا ومن غير ما أتحدث في هذا الشأن مصيره.وقواعد اللعبة حتى اللحظة بيد المستعمر. وهذا في حالة من النبوغ. لكن بقي حدود التعلّم مثلا في ممالك الله على أرض الديانات، مرتبط بالحلال والحرام"وما يخدم ديمومة ملك الإنسان لملك موهوب من الله.وهو الذي استهل وحيه لنبيّه بأمر"اقرأ". ولا أظنّ.أو حتّى أشكّ البتّة أن الله غير عادلا في توزيع ثروات ملكه بين الناس. لكن جعلوا من تربتهم وترابهم وتربيتهم وتعليمهم أداة لإنتاج فرسان الملك تحت غطاء فرسان الإسلام من الوهابيّة.ومن جبّتهم أخرجت تنظيمات كالقاعدة والسلفيّة الجهاديّة بتفصيلاتها لغرض معروف مسبقا. وهذا على غرار ما تعلّموه من مصائب التاريخ.وعوض أن يعتبروا منه في حكمهم ابتغاء مرضاة الله والإنسان من محكوميهم. تمادوا في غيهم وجورهم وطغيانهم.
و في ظلّ معطيات التمدّد الاقتصادي الذي يعكس في أصل وواقع الأمر تعاطفا فكريّا وإنسانيا، نتج عن هذا التعاون الاقتصادي الذي زاحم القوّة المفترضة وحيدة في مقتل. إذ فضح الكثير من الجشع والبشاعة والطغيان الاستعماريّ. وفضح أيضا ما تشيعه عن هذه الحضارات. و هذا العنصر الإنساني والفكريّ. من خلال الاتصال بهم مباشرة. و حتى لا تزيد نسب خسائرها مع.تصاعد قوّة ما. ترى فيهم انتهازيين ووصوليين من أثريائها الجدد. الذين تسببوا لها في أزمة عالميّة انطلقت في شكل سندات عقارات لتشمل سوق المال وغيره من أسواق. كانت لحدّ قريب حكرا على العائلات الصناعيّة الكبيرة المحكومة بعقود وإطار تنظيمي في أحد أبعاده حكومي منظّم ومتخلق بمفاهيم الأخلاقيات الامبرياليّة العنصريّة. لكن هذه المافيا التي كانت طليقة اليد. لإغراق من تريد إغراقهم من الأشخاص والحكّام في ملفّات تفيد في أيام معلومة سلفا. تجاوزت حدّ المسموح واقتربت من بيتها الأبيض كثيرا ومن أطر سياسية أخرى ذات القرار الفصل. مما أربك حتى مستوى إنتاجها ودفعها إلى الغرق أكثر في سوق الاقتراض ومن من؟ من عدوّها الصاعد كقوّة. كم حاولت إغراقه في مستنقعها لكنها لم تفلح حتى الآن على الأقل. وأعني الصين تحديدا. هذه القوّة التي حسب استنتاجي هي المحرّك والمسرّع لحدوث حرب عالميّة ثالثة قريبا. أكثر منها صحوة واستعادة تعافي الروس. وافتضاح أمر حكّام لم يقدروا على هزم عدوّهم التاريخيّ في أي حرب بجيوش وإمكانات ماديّة. ودعم من عادوه من الأحلاف. ثمّ ساهموا وبقدر كبير في تحطيم شكله لا عمق بعض فروع مضامينه، كما أرادوا. و خصوصا حضور هذا الفكر في أرضهم من خلال التبشير بعصر جديد مات فيه الفكر الاشتراكيّ تماما.
ولكن هذه المضامين لبست لبوسا مختلفا بحسب ما أشاعوا على أنّ هذا العصر هو عصر حروب أديان ومذاهب وليس فقر وظلم طغاة. فكانت هزيمة الصهيونيّة المدويّة والتي سيبني عليها طغاة الامبرياليّة والصهيونيّة تفاعلات أخرى في إدارة الصراع.وهي هزيمتهم قدّام حزب وليس حتى دولة بمفردها(وأعني حزب الله). هذا الحزب ذي المرجعيّة الشيعيّة. المدعوم من إيران وسوريا. المدعومين من طرف روسيا والصين. والذي لم تفلح جميع محاولات كسره وكسر سلاحه المقاوم. بحيث يمثّل حتى اللحظة أكبر مهدّدا لمستقبل الكيان الذي يمثّل واجهة من واجهات الصراع. الذي يعيق توحّد العرب(الخطر الذي مع توفّر عوامل أخرى يمكن أن يكون السلاح القاتل لوجود هذه القوّة(الامبرياليّة والصهيونيّة) التي تفترض نفسها اللاعب الرئيسي والوحيد. الذي يجب أن يكون)وأهم ورقة تمسك بقوّة حضور(حزب الله) وتجدد دمائه السياسية والعسكريّة هو كسره لوهم القوّة الخارقة والخرافيّة للعدوّ.(وما يجب على القوى اللبنانية فهمه أن حزب الله باختلافاته وأخطائه. التي توقعه فيها ظروف التعامل مع العدوّ الذي لم يترك لها منفذا حتى في داخل لبنان. وجب التعامل مع ملفّ سلاحه بحذر كبير فهو ضمانة وورقة التوت التي تغطّي عورة السياسة الاستعماريّة للمنطقة برمتها). 
زد على ذلك شبه انتصار المقاومة الغزّاوية المدعومة من سوريا(في معركتها الأولى) أيضا رغم تفاوت قوّة التسليح بين حزب الله والمقاومة الإسلامية في غزّة والتعاطف الدولي الذي أنتجته تلك الحرب التي عرّت. وتعرّي الكيان الصهيوني. وتضعف حضوره ليس دوليا وحسب(رغم إسناد أمريكا لها ولسياساتها ككلّوإنما شعبيّا. لا في المنطقة وحسب وإنما في العالم الإنساني. وهو ما أحرج حكّام الهزيمة. وأجّل مخططهم ألتواطئي.الانهزامي.ومن وراءهم القوى الاستعمارية الامبرياليّة الغازية. وسنرى لاحقا كيف قطر شقّت صفّ حماس في غزّة وخارجها وزجها في قلب المؤامرة على وحدة الصف الفلسطيني المقاوم.