سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الجمعة، 26 أبريل 2013

مقالات أدبية: نادى السيارات و أسعار فوق العادة بقلم/ أحمد صلاح سابق



كالعادة، رواية علاء الأسواني الجديدة «نادي السيَّارات» عملت ضجَّة كبيرة، لكن المرَّة دي مش بسبب موضوعها الجريء، لكن لسبب أهم، وهو سعرها.

الموضوع له شقِّين، قيمة المنفعة المتحقِّقة من الرواية، من حيث تحقيق المتعة وخلافة، ودي مش القضية. الأهم هو القيمة الشرائية، واللي ماتزدش كتير عن ثمن فرخة مشوية، أو وجبة من ماك أو كنتاكي. والسؤال الوجودي الصعب هنا: هل 65 جنيه كتير على رواية عدد صفحاتها 644 لكاتب بحجم علاء الأسواني؟

الإجابة برضه لها شقِّين: 
الأول هو أن السعر بمقاييس السوق المصري معقول؛ لأن العادة جرت على أن كل 100 صفحة يعملوا 10 جنيه، وعليه الرواية الـ200 صفحة تعملَّها 20 جنيه، والـ300 تعملَّها 30، والـ644 تعملَّها 65 بداهةً. 
الثاني هو: هل دا مقياس معقول؟ وهل هامش الربح اللي حطته دار الشروق – غول الطباعة والنشر – لكاتبها الألفا، معقولة؟ وهل بالمقارنة بالروايات الأجنبية، ذات مستوى الطباعة والحجم والإخراج الفني المختلف تمامًا، تعتبر نادي السيارات غالية؟ 

الإجابة هي أيوه، طبعًا غالية.

لكن المشكلة مش في إنها غالية من عدمه. المشكلة في السياسة التسويقيَّة القهريَّة اللي ماشي عليها السوق المصري، اللي بتعتمد على إستراتيجية «لوي الدراع» في المنتجات «صاحبة الزبون»، واللي بتوجه رسالة متحدية لكل مشتري أو مستهلك، مضمونها هو: "اللي ما عوش، مايلزموش!"

النموذج الأفضل في رأيي لسياسة تسويقيَّة جيِّدة، ينطبق على رواية دان براون الجديدة «إنفيرنو»، وهي سياسة العروض. 

العرض الموجود حاليًا لـ «إنفرنو» هو أنك تقدر تحصل على نسختك وقت نزولها السوق، بإنك تشتريها دلوقت بمبلغ يعادل 70 جنيه مصري، وتحصل معاها كمان على كتاب تاني مجانًا.. صفقة مربحة جدًا، بالنظر لفرق الطباعة الشاسع بين الكتاب المصري والكتاب الأجنبي، من حيث الإخراج والتنسيق ودقة الطباعة وجودة الخامة وجمال التصميم وفخامة التقفيل، وفرق الدخل الشاسع، بين المواطن المصري والمواطن الأجنبي، اللي بيخلي مبلغ 70 جنيه غاية في التفاهة. 

وبعد نزولها الأسواق، هتنزل «إنفرنو» في محلات الكتب الراقية بسعر غالي، لكن برضه هتنزل في كارفور وأمثاله من المحلات الضخمة بأسعار مخفَّضة، وهينزل منها نسخ فخمة ونسخ شعبية، وهينزل ليها عروض: اشتري واحدة وخد واحدة تانية بنص السعر، أو اشتري واحدة وخد واحدة مجانًا، وهتحقّق رواج، وتبيع بكميات ضخمة تعوَّض انخفاض السعر في العروض وتعمل مكاسب أكبر فيما بعد. 

الخلاصة: الرواية مش مشكلة تكون غالية، لكن المشكلة أن مايكونش في للي مش قادر يدفع - أو مش عايز يدفع - حل تاني إلا إنه يجيبها نسخة مضروبة، أو يستنى نسخة بي دي إف ببلاش على النت. ودا مش عدل، ولا تسويق جيد. اللي عايز يقرأ للأسواني هيقرأ، مهما كانت طريقة حصوله على النص. أنتم بس بتطّيروا الزبون من إيديكو، ودي غباوة ليس أكثر!

مقالات سياسية: عذرا سيدتى مصر بقلم/ فتحى والاش

الثورة كلمة ليس لها معنى وسط أجواء تعج بشتى أنواع الفشل والجهل والمصالح. فشل لكل محاولات إصلاح العطب الذي سرى في القلوب والعقول فلا يزال الخوف يعتصر القلوب مما قد تأتي به خبايا أوهام المستقبل؛ فهل نحن فعلا على شفى جرف هار يقع بنا في جوف بئر حالك من الخوف من كل ش؟ الخوف الذي مازال يطاردنا رغم أن الحرص لم يحمل لنا الخير بل حمل إلينا الجوع وليس الجوع هو الكارثة فلا أحد يموت جوعا، ولكن القهر هو الذي يصدمنا عندما يقترن بالخوف .. القهر الذي يجبرك كل يوم بأن تكون الأفضل لتفوز بالأسوأ وعلى النقيض ترى الأسوأ يفوز بالأفضل. ليس هذا حقدا ولا إعتراضا على قسمة الله التي قسمها لخلائقه في الأرض، ولكن اعتراض على ما قسمه لنا خوفنا من مشيئة قهر أسياد زماننا من قسمة ضيزى تحول بين رفعة هامتنا وامتلاء أفواهنا، فكلما ارتفعت الهامات سقطت لترى زئير البطون وذلك أن مورد البطون أسير سيطرة الأسياد. ليس وحده هذا النوع من الخوف فقط المحطم للقلوب ولكن أيضا ذلك الخوف من عاقبة الجدال.

ونتاجا لما يفعله القهر والخوف بالمقهور الذي شت عقله فأصبحت الأمور مختلة تجول بعقله هواجس الفتنة وصعوبة تقدير الحق الذي هو جلي أمام عينيه لما يحاوله العقل من ستر للحقيقة أو البعد عنها لعدم قدرة المقهور على تحمل عواقبها. وهكذا يسول له العقل سوء تقديره فيحكم بالجهر بالظلم أو يذهب عقله الى استئصال الأحداث والمشاهد من حوله لينعزل المقهور في بوتقته مستشعرا منها الأمان.

أما الجهل فهو آفة ينشرها المستبد بالحكم ليحكم سيطرته الحديدية على مقاليد دولته، فالثقة كل الثقة بأن الجهل يُسكر الناس بل يسوقهم الى الطاعة والولاء حتى وإن كان لغير الله، فالمستبد وحده من ينشر ما يعتبره حقا والغوغاء من أعوانه يقدسون رؤيته .. هكذا هم العسكر والحاشية والوزراء والزبانية دوما. وليس المقصود هنا جهل علوم الدنيا فقط بل الجهل الأعظم هو الجهل بشريعة السماء.

العدل هو ما يحقق التوازن ويمنع الطغيان ويعلو بمصلحة الجماعة والأمة على مصلحة الفرد. فكيف لنا أن نتخيل سقوط العدل في دولة؟! أو برؤية أخرى سقوط الدولة في براثن الإثم حيث طغيان المادة تطيح بكل من حولها لتبقى سلطة واحدة فقط .. مصلحتي أولا.

ومن أجل كل ما ذكرناه من فشل وجهل ومصالح فإن الثورة المصرية لم تحدث ولم نذق منها نحن المصريون سوى الفُرقة والخداع وزيادة الفقر ولذلك أعلنها على الملأ ..

أنه حسبي الله ونعم الوكيل في من خطط لدمار مصر .. وأشعل نار الفتنة بين أهلها .. وقتل براعمها .. واستبد في ظلم أهلها ..

وحسبي الله ونعم الوكيل في من حارب القوم لمصلحته .. ومن استمر في جهله رغم بزوغ نور الحق.


وأقول لأهلها الذين ما زالوا خاضعين للذل والمهان فرحين بمكانتهم


أُفضل فقري هكذا .. فهل هنالك أفقر منك

أُفضل جهلي هذا .. وهل هنالك أجهل منك

أُفضل هواني هذا .. فهل من هو أذل منك 

كلمة الشهر: البيطرة المصرية بقلم/ فتحى والاش

كلمة شهر أبريل 

بعيدا عن دولة بلاليص ستان التي كنا نعيش في خِضم أيامها نحن (الأطباء البيطريين) إلى أن سيطرت أفكار التغيير (من قادة البلاليص) حتى وصلنا إلى مفترق الطرق التي أدت بنا – بعد المقابلة الشهيرة للسيد الرئيس ومن بعده قنديل باشا الله يكرمه ويشغله كمان وكمان – إلى أن تحولنا إلى شعب بغالستان (وكلمة ستان تعني إقليم باللغة الأفغانية)
ونظرا لحدة الموضوع أنصح اللي قرأ المقدمة ولم تعجبه ... ما يكملش أحسن !!!
أحب في بداية كلامي أثير تساؤل سألته طبيه زميله إمبارح .. "بدلا من البكاء على اللبن المسكوب .. هو إيه الحل ؟!"
وبعيدا عن أن الدكتورة سألت السؤال وما فيش حد رد عليها وبالتالي حولت إتجاهها إلى معرفة التكليف هيبقى بالأقدمية ولا بالتعين ولا بمسابقة .. ماعلينا
ونظرا لأننا خريجوا أو خريجي (مش فارقة كثير) كلية علمية و (عملية بس الكلام ده خليه في سرك ما تقولهوش لحد) فأنا (العبد الفقير إلى الله وأعوذ بالله من كلمة أنا) شايف أننا نحاول تحليل الموقف بشئ علمي.
فمثلا على سبيل المحاولة .. نشوف إيه هي المشاكل اللي واقع فيها الطب البيطري في مصر، وده علشان نعرف نناقشها ونحلها. وعلشان نحلها لازم نفهمها و نقف قدام المشاكل دي ونواجه اللي له مصلحة في بقاء الحال كما هو عليه.
ولأننا بنفكر بأسلوب علمي بحت فكان فيه واحد الله يرحمه إسمه (باريتو)، الراجل ده كان بيقول إيه (بيقول أن 80% من المشكلات يكون سببها 20% ، فإذا ما تمكنت من حل تلك ال(20%) ستستطيع حل الباقي متمثلا في (80%) ) ما حدش فاهم حاجه .. ما علينا.
من الآخر كدا أنا عاوز أوصل للي ليه مصلحة في بقاء الحال على ما هو عليه بالنسبة للطب البيطري في مصر
وهم كالآتي واللي عنده تصور تاني يقول يمكن نتستفيد:
1- وزير الزراعة المبجل الذي قال في لقاء للسادة المبجلين أعضاء نقابتنا المبجلة (إنتم لو خرجتم من الوزارة هبقى أنا وزير على مين .. شوية فلاحين).
2- أصحاب شركات الأدوية البيطرية (حيتان السوق) اللي بيلعبوا في سوق الدواء على مزاجهم .. وإحنا عارفين إن ما فيش تسعير للدواء وفيه تصعير (مع قلب الكلمة وجعل العين والراء بعد التاء) على دخول الدواء (المستورد – أو تحصينات إنفيلويسا الطيور مثلا ... إلخ) وعلى بيعه وما فيش رقيب والسوق مالوش كبير.
3- دكاترة الجامعة و دكاترة الفيلد (بس مش كلهم علشان ما يزعلوش) .. أنا بعد كل التعب ده أعلمك و تتطلع تقاسيمني في السبوبة .. أنا آسف على اللفظ .. بس أنا سمعته من دكتور متخصص في أمراض الأحصنة في نزلة السمان (طبيب بيطري بجامعة القاهرة).
4- مستوردي اللحوم والمواد الغذائية في مصر .. لاتعليق (أصل أنا بخاف منهم والحكومة كمان).
5- مسئولي الرقابة الصحية – والجمارك والمجازر وخلي الطابق مستور .. أو هات لي واسطة أشتغل معاهم.
6- الجزارين يعني ملوك البتيلو .. يعني الفخدة دي مزرره ولا من غير الزرار.
بس كده .. ده آخر كلامي اللي يشوف إزاي نقضي على مصلحة كل واحد من دول علشان نحقق مصلحة البلد اللي إحنا للأسف لسه عايشين فيها يبقى إحنا كده حلينا 80% من مشاكلنا وفاضل عليها حته صغيرة ياريت نسمعها ألا وهي التكليف - التكليف - التكليف .. أنا شايف تكليف وإمتياز طب بشري هو الحل بس يكون فيه دكاتره محترمة تعلم الناس الغلابة اللي متخرجة - يعني بعد التخرج سنة ونص تكليف إجباري يدرس الدكتور اللي إتخرج كل شهرين حاجة من اللي درسها ويكون عملي ويكون فيه دكاتره بتراعي ربنا تعلمهم.
أنا آسف على تطاولي وعلى حدة كلامي .. بس والله أنا بحب البلد دي زي ما بحب المهنة بتاعتي .. و شكرا لسعة صدركم.

شعر: عامية - فصحى: خريف العمر بقلم/ فتحى والاش

صُورَتي قَاتمة ..
بلا أحاسيس ترسمها الألوان ..
صوتي مَغلُول .. 
بلا أصداء تتراقص على أنغامها الكلمات .. 
يَتَهادى الدَمع على الحائط .. 
يمسح الحزن بمنديل العمر قطراته ..
إطار اللوحة يخبو نوره ..
ينقشع الضوء عن تلك الرقعة ..
تتساقط الأوراق بجوار الحائط .. 
وتتفتح الورود إلى الأسفل ..
أسفل اللوحة حيث العمر إلى الزبول ..
إنه الخريف .. 
ذلك الخريف القاسي .. 
بكل صَبوه .. و هوجائه ..
إنه خريف العمر 

قصة قصيرة: غية حمام بقلم/ وليد الزهرى

ـ أنا طالع فوق يا أمه 
وهي ترسي لحاله 
ـ لما يخلص الغدا أبعته لك يا ضنايا؟ 
أومئ لها برأسه وهو يضع قبعة دعائية وجدتها أمه داخل أحد مساحيق الغسيل لكي يستر رأسه بعدما انحسر شعره مثلما انحسرت عنه سنوات شبابه، أنتعل "شبشبه" ذو الأصبع الواحد وأدار ظهره خارجاً من باب الشقة صاعداَ للطابق التالي ثم أخرج مفتاح من جيب بيجامته "الكستور" ذات البياض المائل للاصفرار يغزوها طولياً خط أخضر عريض، فتح باب شقته بالدور الأخير واضعاً حجراً أمام الباب ليمنعه من أن يعود إلى مرفأه 
تجاوز كومة من الرمال و"شكارتين" أسمنت في "الصالة" الضيقة متجهاً إلى الحجرة المطلة على الشارع، جلس على بعض "كراتين" السيراميك، وأخذ وعاءً من حيث تركه بالأمس وطاف به على أوعية أكبر ليأخذ منها بنسب متفاوتة بعض من "ذرة صفراء وفول وذره عويجة وقليل من الحجر الجيري" خلطهم جميعاً بيده واستقام في وقفته وبيده وعائه وزجاجة زيت طعام قديمة ملأها بالماء ثم أزاح بقدمه الحجر عن الباب صاعداً إلى السطوح 
أدرك حمدي ـ الشهير بحمام نسبة إلى هوايته ـ بالأمس أنه لم يعد بينه وبين الأربعين إلا عامان في ليلة عيد ميلاده ولم يضيف هذا الحدث إلا مزيداً من الإحباط واليأس، نال قدراً يسيراً من التعليم أتمه بحصوله على دبلوم الثانوية الصناعية قسم نسيج، ولم يمنحه مؤهله عملاً بشكل دائم بعد بيع الكثير من مصانع القطاع العام المهتمة بتخصصه متجولاً بين العديد من الأعمال الهامشية والتي لم تمكنه من أن يقتصد منها المال الكافي ليتم "تشطيب" شقته التي جعلت بناية عائلته الأعلى بين بقية بيوت منطقته العشوائية 
قطع على مهل المسافة القطرية ما بين مدخل السطح والطبلية ـ قاعدة برج الحمام ـ ثم ارتقى سلمه لأعلى دون أن ينظر أسفله إلى أن أصبح داخل "غية الحمام" ترك ما في يده ليستريح قليلاً بعدما أرهقه الصعود، أسفاً على أيام كانت خطواته أكثر رشاقة من الآن 
تعمد "مسعد" ركن سيارته بجوار بيت "حمام" بالرغم من أن الشارع ضيق وبالكاد يسمح بمرور سيارتين متجاورتين، صعد درجات السلم في خفة إلى أن توقف أمام باب شقة مفتوح عن أخره، وأم حمام جالسة على الأرض ظهرها للباب بيدها اليمنى قليلاً من خلطة الأرز تضعها في كفها الأيسر الذي به ورقة كرنب مسلوقة ثم مالت برأسها قليلاً على كتفها وهي تبرمها منحنية للأمام ووضعتها برفق في "حلة" كبيرة أمتلئ نصفها، أدار ظهره وكأنه لم يرى شيئاً مصفقاً بيديه 
نظرت بطرف عينها للخلف لعدم قدرتها على أن تدير ظهرها كاملاً 
ـ مين؟ 
ألتفت إليها في حركة دائرية وكأنه أحد نجوم السينما معتزاً بذاته 
ـ مسعد يا حاجة 
باستغراب تبعه قدر من الذهول 
ـ مسعد !! أهلاً يا أبني مش معقول 
حاولت النهوض متكئة على الكنبة الاسطنبولي المجاورة لها، إلا أنها فشلت في محاولتها لوزنها الزائد، هرول إليها مساعداً، تعلقت برقبته وهي تحتضنه أثناء نهوضها 
ـ معلش يا أبني أصل بعيد عنك عندي خشونة في المفاصل غير شوية حاجات كده، المهم متخدش في بالك، جيت أمته من إيطاليا؟ 
ـ وصلت من يومين، وقولت أجي أسلم على حمام 
وهي تربت على فخذه بعدما استقرا على الكنبة 
ـ فيك الخير، تمرت فيك العشرة، مش زي أمك اللي من يوم ما عزلت من الحته وراحت بيتكم الجديد محدش شافها 
ـ ما تاخديش في بالك أنت عارفة هي كمان التعب بهدلها والله … "حمام" فين؟ 
ـ فوق من الصبح زي ما أنت عارف 
نهض من مقعده في عجل 
ـ هطلع له 
تبعته بنظرها وهي تميل على الكنبة باتجاه الباب حتى يسمعها وهو يركض على السلم 
ـ أعمل حسابك هتتغدى معانا محشي 
كان "حمام" يوزع وجبة الطعام الثانية على حمامه بعد العصر، مستغرباً دبيب خطوات صاعدة إليه فهي ليست لأحد إخوته، لم يشغل ذهنه كثيراً منتظراً من سيفتح باب الغية 
ـ أزيك يا "حمام"؟ 
ـ مش معقول "مسعد"، حمدلله على السلامة 
تعانقا بحرارة بعد سنوات طويلة منذ وداعهما الأخير عندما كان مسعد يخطو خطواته الأولى نحو عالمه الجديد، جلسا على الأرض سويا حيثما كانا سابقاً 
ـ يا سلام، كل حاجة زي ما هي، الغية، هديل الحمام، وأنت، نفس القعدة دي ياما قعدناها واحنا صغيرين مش ناقصنا غير "طاهر"، الا أخباره إيه صحيح؟ 
ـ بعد ما سافرت بسنة مبقاش يجي "طاهر" هنا ومعظم وقته كان بيقضيه في الجامع اللي في الميدان وبعد شوية ربى دقنه وفجأة اختفى … ناس تقول سافر … وناس تقول في المعتقل … مع إن "طاهر" لا بيهش ولا بينش، وأمه ماتت بحسرتها عليه وأبوه زهد في الدنيا بعد ما الناس بطلت تشرب "عرقسوس" وشربوا "الكولا" وقعد في بيته مستني الموت زي ناس كتير هنا عايشين علشان يستنوا الموت. 
ـ يا خسارة يا "طاهر"، مع أني دايماً كنت بختلف معاه وكنت الوسيط بينا إلا إني عمري ما نسيته ولا هنساه، وأنت يا "حمام" مش هتسيبك من تربية الحمام دي؟ 
نظر إليه بامتعاض مستغرباً صيغة استعلاءه 
ـ الحمام بيصرف على نفسه وعليا في بعض الأحيان، وقعدتي في الغية بتعوضني عن الدنيا اللي بره بشوف هنا التعاون بين كل "دكر" بيساعد وليفته وبيرقد معاها على البيض ولما البيض بيفقس بيأكلوا "زغاليلهم" سوا لحد ما عودهم يشد، مشوفتش فرد حمام بيرمي ولاده للشارع يربيهم، ولا "دكر" ياخد وليفته جوه العشه غصب عنها إلا بعد ما يغازلها ويداعبها، شوفت من الحمام كل وفاء وإخلاص وألفة وموده وده اللي مشوفتوش من البشر، عمرك شوفت قبل كدة "فرد حمام" طلق وليفته؟ ولا هي خلعته علشان فرد تاني عشته كبيره شوية ولا عنده شوية فول زيادة؟ الحمام ميعرفش معنى الخيانة يا مسعد 
ـ متجوزتش ليه يا "حمدي" لحد دلوقت أنت مش واخد بالك من سنك ولا أيه؟ 
ـ عرفت بنات كتير وقريت فاتحة كتير لكن مفيش نصيب ومفيش فلوس، هعمل ايه يعني؟ أخرهم "سهام" بن عم "قابيل" اللي بيتهم على أخر الشارع، وبعد الخطوبة ما طولت البنت زهقت وأبوها جوزها لواحد عربي قعد معاها شهر في شقة مفروشة وبعدها رجعت بيت أبوها لحد ما ياخدها على بلده، ومن يوميها لا هي سافرت ولا حد شاف وشه، وأنت من يوم ما سافرت معرفش حاجة عنك احكيلي أخبارك أيه؟ 
أعتدل "مسعد" في جلسته، وكان قد حط فرد حمام "هزاز" فوقه بقليل على سطح الغية، وعندما تراجع "الهزاز" برأسه للخلف نافخاً صدره، كان مسعد ينظر للسماء من خلف نظارته الشمسية الذهبية، ثم اخرج من جيب قميصه الحريري المزركش بألوان ساخنة علبة سجائر ذهبية وولاعتها، ثم نفض يده اليسرى لأسفل كي تدلى ساعته الذهبية على معصمه، وقبل أن ينبث بكلمة واحدة كان "الهزاز" قد نفش ذيله كالطاوس وبدأ يهز صدره ورقبته معلناً عن بداية العرض 
ـ قعدت شهرين في ليبيا من ساعة مودعتني أنت و"طاهر" ومع دخول الشتا وصلت مركب صيد صغيرة أخدتنا لإيطاليا وكان الجو برد جدا وصادفتنا "نوه" قبل الحدود ومات كتير مننا شباب زي الورد رمينا جثثهم في "المالح" وصل ربع الركاب لإيطاليا بس، ومن ساعتها "قضيتها" مطاردات مع الشرطة الإيطالية مرة ومع ولاد الليل مرة، ضربت وأضربت وكتير نمت في صناديق زبالة، لحد ما علقت بت إيطالية أتجوزتها وأخدت الإقامة وخلفت منها بنت أمها سميتها ماريا 
ـ ومجبتش بنتك معاك ليه علشان أهلك يشوفوها، وتفرجها على بلدها؟ 
رفع يده على نظارته ليتأكد أنها في موضعها مدارياً بها عينيه 
ـ أبدا، أمها بتخاف عليها شوية 
تأمله ملياً ثم رفع زجاجة الماء على فمه، وشرب منها قليلاً محتفظاً ببعض الماء في فمه، وأنتفض من جوار "مسعد" ذاهباً لأحد الزغاليل وسقاه الماء من فمه إلى منقاره، تلقى مسعد مكالمة على هاتفه الجوال نظر إلى رقم المتصل ثم أعتدل في وقفته 
ـ لازم أشوفك تاني يا حمام قبل ما أسافر 
أجابه وهو معطيه ظهره 
ـ ضروري 
فتح باب عشة "فرد حمام بلدي" عزله بالأمس بعدما كسر جناحه ليطمئن على أن جناحه مازال منضماً لإبطه في ضمادته، تأمله وهو يرثي لحاله مدركاً أنه لن يحلق مثلما كان … فتح شبكة سقف "الغية " مستدعياً نشوته بهديل الحمام الذي يشجيه أثناء لحظات تطيره ليشق عنان السماء وعيناه معلقاتان على سربه وهو يغدو يميناً ويساراً، تنفس الصعداء هابطاً بعينيه لأرض الواقع … حمل رايته ملوحاً بها ومطلقاً صفيره لأحلامه … المحلقة في سماءه وهي تهبط من حيث انطلقت