سجل إعجابك بصفحتنا على الفيس بوك لتصلك جميع مقالاتنا

بحث فى الموضوعات

الاثنين، 12 نوفمبر 2012

قصة قصيرة: التوك توك بقلم/ مروان محمد




وقفت ياسمين على رصيف صالون حلاقة حمودة الذى لم يتجاوز مساحته متر و نصف المتر, دكان حمودة به مقعد واحد و مرآه كبيرة و إلى اليمين حوض وحيد و الدكان يبدو كأنه نتوء بارز من جسد البيت ذو الطوابق الثلاث, حركات حمودة الرشيقة و هو يقص شعر ذلك لارجل العجوز الجالس إلى المقعد, يتطلع بين الحين و الآخر إلى ياسمين الواقفة على رصيف الدكان, مر محمد من امام دكان حمودة و هتف به:
-         مسى يا حمودة.
-         مساك نور يا سامى.
تفحص سامى ياسمين بعينيه ثم أكمل سيره فى حين استدارت تقول لحمودة:
-         حمودة حقعد على الكرسى
قالتها و هى تجر إليها أحدى الكراسى الخشبية الدائرية التى ينثرها حمودة على رصيف دكانه لعدم استيعاب دكانه لأيا منها, قال حموده متصنعا فى صوته نبرة لوم:
-         فيه إيه يا ست البنات, محتاجة تستأذنى يعنى.
يمر من ذلك الشارع الضيق, الكثير من عربات التوك توك بإطاراتها الثلاثة و موترها الصغير و الذى لا يتفق مع حجم الأزعاج الذى يسببه, سألت ياسمين حمودة دون أن تدير رأسها له:
-         يجيله بكام التوك توك ده يا حمودة؟
-         معرفش و الله يا ياسمين بيقولوا الجديد ب15 ألف جنيه و لو مستعمل ممكن يعمل 8 ألاف جنيه.
توقفت أحدى عربات التوكتوك أمام رصيف حمودة و اطل السائق برأسه يتطلع إلى ياسمين التى وقفت و اتجهت إليه فقال:
-         تيجى معايا يا ياسمين عشان بعديها نطلع مشوارنا.
أمسك حمودة بالرشاش المائى و هو يرش منه على شعر الرجل حتى يصير طريا و هو يحرك خصلات شعره, أدار رأسه للخلف يتطلع إلى سائق التوكتوك يقول:
-         أزيك يا حمادة.
-         مساك فل.
بعد أن أجاب تحية حمودة نظر لعينيها الجميلتين المتزمرتين قائلا:
-         قولتى إيه؟
نظرت إلى المرأتين البدينتين و الطفل المحصور بين فخذيهما, سألت فى ضيق:
-         و حركب فين؟
تزحزح عن مقعده قليلا مبتسما ليكشف عن أسنان صفراء و هو يقول:
-         جنبى يا ياسمينا.
عادت إلى المقعد تجلس عليه و قالت:
-         أبقى خدنى و أنت راجع.
" نعيما يا حاج"
قام الرحل المسن من على المقعد و حمودة ينظف له الجلباب من الشعيرات العالقة بياقة و ظهر الجلباب, تحرم التوكتوك فى سرعته متأرجحا فوق الطريق الملىء بالنتواءات الأسفلتية بعد أن صاحت به أحدى المرأتين ليتحرك, تتلاقى عربات التوكتوك متشابكة ... فى سرعة غربيبة كأسراب النمل الأسود سريع الحركة؟
" تشربى حاجة ساقعة"
نظرت ياسمين لحمودة قائلة فى شرود:
-         متحرمش يا حمودة, يدوم.
-         بتكلم بجد.
-         مليش نفس و الله.
-         طيب بعد أذنك
-         اتفضل
قالتها فى صوت أقرب إلى الهمس و تحرك هو عابرا الشارع إلى الرصيف المقابل, توقف سامى أمام دكان حمودة مرة أخرى و سال ياسمين و هو يتفحصها بعينيه مرة أخرى:
-         هو فين حمودة؟
أشارت برأسها إلى الرصيف المقابل فأدار راسه إلى حيث تشير و بدأ يتحرك إلى حيث حمودة فاستوقفه صبرى, ذلك الشاب النحيل بارز عظام الوجنتين الذى يصفف شعره المجعد إلى الخلف مستخدما الجيل.
-         رايح فين يا سامى؟
-         إيه فى إيه؟
-         توكتوك يوسف وقف تعالى.
-         تانى.
-         أنا عارف بقى, يالا بسرع عشان واقف بيه فى نص الشارع و الناس نزلة تزق معاه و حاله زفت.
تأبط صبرى ذراع سامى و ألقى نظرة جانبية متفحصة لياسمين ثم قال بصوت عالى:
-         مسى يا ست البنات.
-         أزيك يا صبرى.
قالتها دون أكتراث, أدارت رأسها يمينا على أثر صفير مميز, فوجدت أسنان صفراء تبرز أكثر ما يكون من وجه حمادة عندما يبتسم ابتسامته العريضة, نهضت من على المقعد الخشبى فى تثاقل و اتجهت إلى التوكتوك تنظر إليه قليلا ثم انحنت و هى تتخذ مجلسها على الكنبة الخلفية, ضحك قائلا:
-         يا خسارة ملحقتش أشوفه!
-         هو أنت تستاهله عشان تشوفه.
علت ضحكته فأجبرتها على الابتسام, دفعته بيدها فى كتفه الأيمن قائلة فى دلال:
-         شغل جورج وسوف.
شغل الكاسيت و التوكتوك يتحرك ثم توقف إلى جوار الرصيف المقابل لدكان حمودة و صاح قائلا و هو يميل برأسه خارج التوكتوك:
-         حمودة.
ظهر هحمودة من أحدى أواب محل الفاكهة المظلم و هو يمسك كوب شاى و توقف رزق أمام دكان حمودة يلقى نظرة إلى الداخل و لكنه استدار للخلف على أثر صفير حمودة, فرفع رزق يده مستعلما و على وجهه ابتسامة بلهاء, فأشار حمودة بيده أن يصبر و هو يقول له بصوت مرتفع:
-         جايلك أهو.
-         بسرعة بس يا حمودة عشان مستعجل.
-         أقربت أخلص الشاى خلاص.
هز رزق رأسه و جلس على مقعد الحلاقة يتأمل صلعته التى تأكل نصف رأسه من الأمام و ذقنه النامية, مال حمودة نحو فتحة التوكتوك و قد لفت نظرة ساق ياسمين المكشوفة ثم التقت عينيه بعينى حمادة الذى قال:
-         قاعد لحد بالليل .
-         يعنى أخرى اتناشر.
-         طيب متقفلش قبل ما أجيلك.
-         متتأخرش و النبى يا حمادة.
-         يا عم أحنا عشرة و نص دلوقتى, لو أتأخرت عن أتناشر أبقى أقفل ... حلال كده.
-         حلال ياريس.
تحرك التوكتوك متأرجحا و هو يسرب منه صوت جورج وسوف العالى حتى ينخفض رويدا كلما تاعدت العربة موغلة فى عمق الشارع الضيق.
ياسمين أحدى فتيات حى العامرية الجميلات و لكنها ليست أجملهن على الأطلاق و حمادة ليس شاب وسيم و رغم إمكانية تحقيق هذا لو أطاع حمودة فيما يقترحه عليه من قصة مختلفة لشعره  لأصبح ذلك الشاب الوسيم و لكنه يأبى أن يغير شكله و لله فى خلقه شئون هكذا يقول السيد آمين الذى يمر يوميا فى طريق عودته من العمل بدكان حمودة فيلقى عليه السلام  فيردها حمودة بترحيب حار مبالغ فيه ثم سرعان ما ينخرط فى قص شعر الزبون.
تحرك حمودة من مكانه متجها إلى دكانه و انخرط فى قص ما تبقى لرزق من شعر الذى يدخن سيجارة روزمن فى تلذذ.
" سيجارة نضيفة يا حمودة"
لا يعلق حمودة الذى انشغل بالحلاقة فى الوقت الذى دخل الصبى سالم يحمل صينية الشاى, يفلتها بخفة على أحدى الكراسى الخشبية.
أمسك حمودة بيساره رأس رزق و دفعها قليلا إلى الأمام و هو يستخدم موس الحلاقة ليرسم له حدود شعر قفاه بدقة, يتوقف توكتوك يوسف أمام الدكان و قد ظهرت فى الكنبة الخلفة ساقين لرجل يرتدى بنطال قماش قديم, يضع ساقا فوق الأخرى و دخان سيجارة يتكون فى الهواء منطلقا من الكنبة الخلفية, صاح يوسف بحمودة:
-         أجى بعد رزق يا حمودة.
ضحك رزق و قال ليوسف:
-         عرفت منين أنى رزق يا يوسف.
-         زى ما أنا عارف قفا الجاموسة عارف قفاك!
ضحك ثلاثهم و أكمل رزق قائلا:
-         حشوفك الليلة على القهوة.
-         لأ حنام عشان منمتش من أمبارح, أنا مش شايف قدامى.
ضحك حمودة و قال له ساخرا:
-         طيب متموتش الراجل اللى معاك.
برز رأس الرجل من خلف الستار المسدل على يمين التوكتوك و قال بتهكم:
-         مش فارقة و الله يا حمودة, يوسف أصلا مضيع حتى و هو فايق, ده مسطول ربانى.
ضحك الجميع ثم قال حمودة:
-         أزيك يا عم متولى.
-         الحمد لله, ربنا يكرمك يا حمودة.
تحرك التوكتوك و يوسف يقول بصوت عالى يغالب به صوت الموتور المزعج:
-         جايلك قوام يا حمودة... ماشى.
-         مستنيك يا يوسف.
زفر حمودة و عاد ليركز فى قفا رزق يقول له فى لهجة آمرة:
-         نزل راسك شوية يا رزق.
أمال رزق رأسه قليلا إلى الأمام, أمسك حمودة الموس بإحكام و بدأ يحدد له حدود شعر الجانب الأيسر من قفاه, حين فرغ حمودة من رزق, رفع عنه الغطاء النايلون قائلا بصوت أقرب إلى الغمغمة:
-         نعيما يا رزق.
-         الله ينعم عليك يا حمود تسلم أيدك.
-         تسلم.
قالها و هو ينظر إلى الساعة المعلقة أعلى المرآة و التى تشير عقاربها إلى الحادية عشر, دس له رزق ورقة بخمس جنيهات فى جيب بنطاله و حمودة يقول فى روتينية:
-         خلى يا رزق.
-         يدوم يا حمودة.
" تشرب مالبورو أبيض"
قالها حمادة و حمودة يوليه ظهره متطلعا إلى ساعة الحائط بتوتر و ضيق فاستدار له حمودة و هو ينفخ فى قرف و قال لحمداة:
-         الواد يوسف باين عليه مش جاى.
-         طيب يالا أحنا بينا.
اعتلى حمودة المقعد الخشبى ليحرك مفتاح الكهرباء لأسفل, تاركا الدكان فى ظلمة فلا يبقى لهما ألا أضوا مصابيح الشوارع الصفراء الشاحبة و النصف مرتعشة, أغلب الدكاكين كانت مغلقةو لا يبقى على الأرصفة ممسوحة المعالم سوى ورق و أكياس متناثرة و بقايا صناديق كرتونية مختلفة الأحجام, تحركها بين الفينة و الأخرى رياح ليلية صحراوية ضعيفة عن مكانها بضعة سنتيمترات.
" شد معايا الباب"
امسك الأثنان فى الباب الصاج  و شداه لأسفل ليطلق صرير مزعج حتى لامس أرض الرصيف, مال حمودة أرضا يغلق الباب الجرار بالقفل فى حين أشعل حمادة سيجارته و لما نهض حمودة ناوله سيجارته بعد أن أشعل بها واحدة أخرى, تجشا حمادة ثم تثئاب فى عمق و هو يرفع كلا ذراعيه كانه يحاول بتكل الحركة تفعيل تثائبه على نحو أكبر!
-         هو التوك توك بتاعك ده بكام يا حمادة؟
-         و الله يا حمودة أنا شاريه استعمال بتمن الاف جنيه و كان ممكن اشتريه بأرخص من كده بس المسائل رست على كده, سعر الجديد بتاعه بيعمل دلوقتى 16 ألف جنيه.
هز حموده رأسه مكتفيا بالإجابة و قد أكدتمصداقية ما قاله لياسيمن حينما سألته, ابتسم ابتسامة خاطفة وهو يتذكر أمر ما ثم يلتفت إلى حمادة متسائلا:
-         عملت إيه مع ياسمين؟
-         و الله مش اللى فى دماغك خالص, أنا طلعت بيها على الطريق الصحراوى بتاع العامرية قبل الكوبرى و ركنت يمين و تقضت بوس و هى مرضتش بأكتر من كده, كانت خايفة.
-         أنت مش كاتب كتابك عليها.
-         أنت بتقولى أنا.
ضحكا و هما يمشيان فى ذلك الشارع يتحدثان أحيانا همسا و أحيانا أخرى بصوت مرتفع يقطع حديثهما الضحكات المجلجلة لكلاهما أو أحدهما حتى ابتلعهما ظلام الشارع و قد أوغلا فى عمق الشارع الضيق الطويل.
ظهر يوسف و صبرى عند ناصية الشارع الذى يتخذ دكان حمودة ناصيته و هما يدفعان أمامها التوتوك, قال يوسف لصبرى فى غيظ:
-         يكون سامى دلوقتى فوق, نادى عليه يشوف بنت الكلب دى.
-         لا يا عم , سامى بيكون نايم دلوقتى مهو أنت عارفه بينام بدرى, و مش حيحصى و لا بالطبل البلدى.
نفخ يوسف فى ضيق و قد وقفا عند بداية الشارع ثم قال:
-         معنى كده أننا حنضطر نمشى بيها لحد الكراج.
-         أيووووه  يا جدع, حرام عليك.
-         معلش يا صبرى خليك جدع.
تابعا دفع العربة فى ذلك الشارع يتحدثان بصوت يحمل نبرات الضيق و الغضب و أيضا الكثير من السب و اللعن,,, روياد ... رويدا يخفت الصوت و هما يوغلان فى عمق هذا الشارع المظلم المضىء فى بعض مناطقه بأنوار المحلات الصفراء الشاحبة, هب رياح صحراوية قوية بعثرت الأكياس البلاستيك و الورق المتناثر بطول الشارع, و بعض الصناديق الكرتونية المهترئة.
مر حمادة و حمودة على عبد الرحمن و مسعد الجالسان أمام سنترال الاتصالات الذى يعمل فيه عبد الرحمن, ألفى حمودة عليهما السلام فرداه بهمهمة, توقف حمادة يسأل عبد الرحمن:
-         أخوك خليل عمل إيه يا عبد الرحمن فى التجنيد؟
-         و الله يا حمادة أخدوه .... بيجهز حاله عشان يروح.
-         جيشه لسه مخلة.
-         أى و الله, ها الولد جاهل بجد, جيشه 3 سنين.
-         يا عمى بيعدوا هوا.
تدخل حمودة يسأل:
-         جيشه فين؟
وقف عبد الرحمن و هو يعدل من ياقة قفطانه البنى اللون و قد بدا جسمه رشيقا رغم الشعر الأبيض المنتشر فى رأسه و رد محركا أصابعه الطويلة:
-         و الله عملنا اتصالات و نكلم أيش عقيد و مقدم عشان يروح مرسى مطروح.
هز حمادة رأسه معلقا:
-         على العموم مرسى مطروح حلوة برضه.
-         و الله يا حمادة كل اللى يجيبه ربنا حلو.
رفع حمودة يده يلقى عليهما السلام ماشي هو و حمادة, جلس عبد الرحمن فى حين توقف حمادة و هو يجذب حمودة من ذراعه اليمنى و عادا إلى عبد الرحمن و حماده يسأله:
-         هات الموبايل يا عبد الرحمن.
قام عبد الرحمن يحضر المحمول من الداخل يناوله لحماده و قال لحمودة و هو يضرب أزرار المحمول:
-         حتصل بالوله ياشر عشان يحصلنا على بيت سعيد.
تحدث إلى سعيد لثوان معدودة ثم أنهى الاتصال مناولا المحمول إلى عبد الرحمن الذى كان يتحدث بخفوت إلى مرزوق, تطلع عبد الرحمن إلى مدة المكالمة ثم قال فى روتينية:
-         خمسة و سبعين قرش يا حمادة.
ناوله حمادة المبلغ فى الوقت الذى ظهر فيه فى نهاية الشارع البوكس فورد بلونها الأزرق الكئيب, أسرعت نحو السنترال حتى فرملت عنده و أطاراتها تطلق صريرها المزعج و تطير قليلا من الغبار, القى الضابط التحية على الجميع ثم نظر لحمادة نظرة خاصة قائلا:
-         أزيك يا حمادة.
-         باشا, حمد لله على السلامة يا باشا.
مد حماده يده يتصنع الرهبة و هو يصافح الضاب الذى صافحه مبتسما و قال له فى رنة صو ساخرة طالما كرهاه حمادة:
-         أركب يا حمادة.
-         ليه بس يا باشا؟
-         أركب بس يا حمادة محتاجك فى القسم و الله.
تدخل عبد الرحمن و هو يسير بقامته المنتصبة مقتربا من السيارة يقول:
-         و الله يا باشا الشاب حمادة تمام و الله , حقيقى فعلا.
لم يكترث الضابط لقوله و نظر نظرة منذرة لحمداة و قال:
-         أركب يا حمادة بدل ما حرز دماغك المحششة .
مال حمودة على سيارة الضابط يتصنع الابتسام و يقول فى صوت خافت:
-         بعد أذن حضرتك يا باشا, تعفى عنه النهاردة بس.
-         و الله يا حمودة أنا محتاجه فعلا الليلة.
ثم أدار عينيه إلى حمادة قائلا بضحك:
-         ياله متخافشى, حطلعك الصبح أول ما أصحى.
ضرب حمادة كف بكف قائلا:
-         نفسى بس أعرف أشمعنى أنا بس يا باشا, مش قصدى حاجة و الله بش أشمعنى عبد الرحمن و حمودة لأ و أنا آه.
تثائب الضابط و قال:
-         عبد الرحمن بيحولى على القسم مكالمات من غير ما يحاسبنى و حمودة بيجى القسم يحلق لى من غير فلوس و أنا يا حمادة بتاع مصالح, أنا بشوف بقى من وش أمك إيه؟!
-         بتقفل بيا العدد فى طلعة التحرى بتاعت ساعتك يا باشا, مش برضه نوبتجية ساعتك كل أربع.
-         مهو أنت فاهم أهو, أركب بقى.
ركب حمادة البوكس الذى تحرك و الضابط يلقى عليهم السلام فردوه بهمهة, زفر حمودة فى ضيق و هو يراقب ابتعاد البوكس فى ذلك الشارع الضيق الطويل المظلم فى نهايته ثم أعاد عينيه إلى عبد الرحمن و مرزوق قائلا:
-         أنا مروح, السهرة كدة باظت.
قال مرزوق ساخرا:
-         لو كان الباشا نظر حمادة بعد ما يشرب الحشيش لكان و الله كتب له محضر و حرز فيها دماغه بحق و حقيق.
ضحك ثلاثتهم ثم عقب مرزوق على كلامه مضيفا:
-         و الله العظيم زى ما بقولك كده تمام.
فارقهم حمودة مبتسما حتى أختفى يسارا فى نهاية الشارع فقال عبد الرحمن لمرزوق:
-         يلا نقفل الدكان و نمشى لحسن نلاقى خالد أركب راجع لينا يقول كملوا العدد يا شباب.
-         أى و الله العظيم.
أغلق عبد الرحمن مفتاح الكهرباء العمومى فى لوحة المفاتيح, فانطفئت أضاءة النيون الداخلية و كذلك اليافطة المضيئة ثم خرج مغلقا الباب الزجاجى و ابتعد بضعة خطوات ليجذب مرزوق الباب الحديدى من يمين الباب حتى يساره ذو القضبان الحديدية المطلية بالأسود.
توقف البوكس أمام يوسف و صبرى اللذان يدفعا التوك توك, فانقلبت ملامح صبرى للضيق مخمنا من نظرة الضابط الخبيثة القصد فى وقوفه حتى قال الضابط:
-         يلا يا صبرى, أركب بسرعة.
رسم يوسف ابتسامة مهزوزة و هو يقترب من النافذة التى يطل منها الضابط و هو يتكىء بمرفقه على حافة النافذة يقول:
-         بعد أذنك يا باشا, أصل صبرى بيزق معايا العربية عشان عطلت.
ضحك الضابط و هو يقول:
-         ربنا يديك الصحة يا يوسف و لا تركب معاه.
تراجع يوسف عن النافذة و هو ينظر إلى صبرى فى أسى الذى ضحك و هو يتوجه إلى الخلف, فنظر فى تلك الظلمة وجه حمادة فامتلىء وجهه بالسعادة قائلا:
-         حمااااادة!!
-         إيه يا ريس.
-         نوبتجية أحنا مع الباشا كل يوم أربع.
-         أساسى.
تحركت العربة و يوسف يتابعهما ثم يبدأ فى السب و اللعن ثم يدفع التوكتوك مجددا و لكن بصعوبة و بطىء أكثر حتى أختفى هو الآخر فى ظلمة هذا الشارع الطويل و الضيق فى نفس الوقت.

<photo id="1" />